يهدف هذا المقال إلى التعريف بالعلاقة بين تقنيات التعليم و الاتصال التعليمي و أثر هذا الأخير على بيئة التعلم. وللوصول الى هذا الهدف ينبغي التعرف أولا على هذا المصطلح الدقيق عن قرب.
فما هو الاتصال التعليمي ؟ وما هي العوامل التي تُسهم في نجاحه؟ وما هو موقع تقنيات التعليم من عملية الاتصال التعليمي ؟
الاتصال بشكل عام هو مصطلح يدل على الوجود الواجب لطرفين أو أكثر لسبب ما، مع أهمية توافر العوامل الرئيسية لإتمام عملية الاتصال. في حين أن الاتصال التعليمي يمكن أن ينطبق عليه التعريف السابق مع الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
– الاتصال التعليمي هو حالة من التواصل بين طرفين أو أكثر في زمن حقيقي، لإرسال واستقبال المعلومات و تحقيق هدف محدد مسبقا، حيث يمثل أحد الطرفين مصدر هذه المعلومات و هو المعلم في الغالب، في حين يمثل الطرف الآخر المستقبل للمعلومة و هو المتعلم.
– عندما نطلق مصطلح “اتصال” فإن هذا لا يعني بالضرورة الاستجابة من قبل الطرف الآخر، في حين أن الاستجابة شرط لحدوث عملية التعلم و من ثم وقوع الاتصال. إذن فمصطلح التواصل يحقق هذا الشرط و هو الاستجابة (Response).
– الاستجابة هي مصطلح يستخدم في سيكولوجية التعلم. فردود الفعل كالتفكير هي استجابة، و حل المشكلات استجابة، والمحاولة استجابة، و التعابير الجسمانية استجابة. إن هذه الأمثلة على الاستجابات من قبل المتعلم أثناء التواصل التعليمي هي ردود أفعال لسببٍ معين، و هو وجود عملية إرسال للمعلومات من قبل المعلم. و السؤال المطروح هو:
لماذا لا نستخدم مصطلح” اتصال” بدلا من مصطلح “تواصل”؟
عملية الاتصال تعني وجود اتصال في حالة معينة و لكنها غير مقيدة بنتائج، و النتائج هنا يقصد بها ردة الفعل من المتصل. فكثيرا ما نسمع بأن شخصا ما يتصل و لكن من دون استقبال رد، لكننا لا نستطيع أن نقول أن فلانا يتواصل مع فلان من دون رد، لأن التواصل يعني فعلية انقضاء الحدث و حصوله. ويطلق أيضا مصطلح التواصل الاجتماعي بين العامة، على القنوات التقنية الحديثة و التطبيقات الرقمية و مواقع الإنترنت، كدليل على تحقيق عملية اتصال بين طرفين بغض النظر عن العدد المكون لأي من هذه الأطراف، و لكننا في الوقت نفسه لا نسمع عن مصطلح مواقع الاتصال الاجتماعي.
تؤكد الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي Arab British Academy for Higher Education أن التواصل الفعّال، أو بعبارة أخرى التواصل الناجح، يحدث حين تنتقل الأفكار و المعارف و المهارات و المشاعر من المُرسل و تـصل حية و كاملة و صادقة و صحيحة إلى المـُستقبل، وبهـذا يـصبح التواصل بين الأفراد نافعا و ممتعا في آن واحد.
شروط التواصل التعليمي الناجح:
- التحديد المسبق للهدف أو السببية.
- رد الفعل أي الاستجابة.
- الرغبة و الدافعية.
- المهارات.
عناصر التواصل التعليمي:
- المرسل.
- المستقبل.
- الأداة أو الوسيلة.
- الرسالة أو المحتوى.
بعد هذا العرض المختصر عن مفهوم التواصل التعليمي، نحن بحاجة إلى معرفة العلاقة بين التواصل التعليمي و استخدام تقنيات التعليم و أثر كل منهما على الآخر.
من خلال الرسم أعلاه و الذي يبين العناصر الرئيسية للتواصل التعليمي، و مقارنتها بالموقف التعليمي داخل البيئة التعليمية نجد أن الوسيلة أو الأداة و التي تمثل شكلا من أشكال تقنيات التعليم هي العنصر المشترك في كلا الحالتين، و هي ما تتمركز حوله العمليتان. بمعنى أن وجود الوسيلة التعليمية أساس لنجاح التواصل التعليمي و أساس تُبنَى عليه منظومة التقنيات التعليمية داخل الفصول الدراسية. ومن هذا المنطلق سوف نناقش العلاقة بين الجانبين السابقين في ضوء ما يلي:
- الفروق الفردية بين المتعلمين.
- الطريقة التقليدية والحديثة في التعليم.
- التواصل الفردي و الجماعي.
- القضاء على سلبيات و معيقات التواصل التعليمي.
أولا: الفروق الفردية بين المتعلمين
تعتبر الفروق الفردية من الظواهر الدائمة التي تستمر باستمرار الحياة بين الأشخاص مهما كانت صلة القرابة أو الشبه بينهم، و يعرف: Donald وآخرون 1988م الفروق الفردية على أنها الاختلاف بين الآخرين من جوانب مختلفة فيزيائية أو تاريخية أو درجة المعرفة أو السلوك…
و استخدام التقنيات التعليمية خاصة الحديثة قد يكون الوسيلة الوحيدة التي تساعد المعلم على تجاوز سلبيات هذه الظاهرة أو على الأقل معالجتها. ولكن على المعلم عند استخدامه لهذه التقنيات معرفة درجة الفروق بين الأفراد و نوعها و نسبة المتعلمين ذوي الفروق الفردية البعيدة أو القريبة (نسبة الطلاب أصحاب الفروق الفردية من الطلاب العاديين). وهذه المعالجة تكون عادة في الأسابيع الأولى من العام الدراسي.
أما عن دور التقنيات في معالجة الفروق الفردية، فيكمن في أن هذه الوسائل و الأدوات التعليمية تتيح للمعلم فرصة تكييف الدروس مع حاجات الطلاب النفسية و الاجتماعية و السلوكية في آن واحد، من خلال استخدام أدوات متنوعة، متحركة أو ثابتة، رقمية أو تقليدية، مرئية أو مسموعة أو مقروءة و هكذا…
إذن ما العلاقة بين وجود ظاهرة الفروق الفردية و استخدام التقنيات التعليمية في البيئة التعليمة؟ و كيف يوظف المعلم هذه التقنيات من أجل القضاء على ظاهرة الفروق الفردية؟
تعتبر ثقافة المعلم العامل الرئيسي في نجاح عملية توظيف التقنيات التعليمية في حل مشكلة الفروق الفردية بين المتعلمين. فكما سبق أن تم تحديد درجة الفروق الفردية، أي أن هذه الأخيرة يمكن أن تكون على مستوى السمع بين المتعلمين، فبعضهم لديه القدرة على الاستماع بصوت متوسط عادي، في حين أن البعض الآخر يحتاج إلى درجة أعلى في الصوت.
مثال آخر على هذه الفروقات يكمن في درجة الفهم لدى المتعلمين، حيث نجد أن بعض المتعلمين يستطيع الفهم من أول مرحلة شرح للمعلومة، في حين أن البعض الآخر يحتاج إلى إعادة الشرح مرة أخرى و هكذا.
في هذه الحالة تشكل ثقافة المعلم عاملا أساسيا من حيث :
- تحديد أي الوسائل التعليمية مناسبة لأكبر عدد من المتعلمين في بيئة التواصل التعليمي.
- تحديد المدة الزمنية التي يحتاجها المعلم لكي يستخدم الوسيلة التعليمية.
- تحديد المكان الذي يراه مناسبا لوضع الوسيلة التعليمية.
- تحديد التوقيت المناسب من الحصة الدراسية ليعرض فيه وسيلته و متى يستبعدها لكي يشرح لهم لفظيا.
ثانيا: الطريقة التقليدية و الحديثة في التعليم
إن تحديد طريقة التدريس الملائمة للمتعلمين سواء كانت طريقة تقليدية ( أسلوب المحاضرات والإلقاء) أو أسلوبا يعتمد تظريات التعلم الحديثة، يشكل نوع العلاقة بين التواصل التعليمي و كيفية استخدام تقنيات التعليم، و تأثير كل منهما على الآخر. بمعنى أن درجة التواصل التعليمي تكون إلى حد ما ضعيفة بين المعلم و المتعلمين نتيجة تبني المعلم أسلوبا واحدا في التدريس و هو أسلوب الإلقاء. و بالتالي، فإن درجة التركيز لدى المتعلمين تكون محدودة ومقصورة على بعض أنشطة العقل كالاستماع و الحفظ، في حين أن أنشطة أخرى قد تكون شبه منعدمة بسبب تركيز حاسة واحدة على أداء وظيفة واحدة داخل دماغ المتعلم. و لزيادة درجة التواصل التعليمي سيحتاج المعلم إلى توفير مثيرات أكثر للمتعلمين، حتى يستقبل الدماغ لديهم مجموعة متنوعة من المحفزات العقلية كحاجة العقل الى التفكير و الحفظ و الاستماع و التكرار و التحليل و غيرها…
مثال: عند قيام المعلم باستخدام شكل من الأشكال المبسطة للتقنيات التعليمية، و هي المعداد الحسابي لتلاميذ الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية:
فإنه يتوقع منهم استخدام أنشطة عقلية و حواس متعددة كالتفكير و الملاحظة و النطق واللمس… و بالتالي فإن التواصل التعليمي مع المعلم يكون في أفضل مستوياته مما ينعكس إيجابا على المتعلمين في درجة الفهم و الإتقان (التحصيل الدراسي الإيجابي). هذا في حالة التعلم المتزامن مع المعلم وجها لوجه Synchronous Learning. أما في حالة التعليم عن بعد Distance Learning عن طريق الحواسيب أو الأجهزة الكفية أو الهواتف الذكية، فيكون توظيف مصطلح التواصل التعليمي أكثر وضوحا، إذ تستخدم الوسائل التقنية الحديثة بفعالية في التواصل بين قطبي العملية التعليمية.
ثالثا: التواصل الفردي و الجماعي
عُرِفَ قديماً بما يسمى بالتعلم التعاوني Collaborative learning حيث يُعَرِّف Uden and Beaumont التعلم التعاوني بأنه منهج تعليمي يشترك فيه مجموعة من المتعلمين للعمل معا في حل مشكلة أو إكمال مشروع ما.
طبعا لايكون العمل التعاوني الجماعي بمعزل عن المعلم و لكن في وجود المعلم و إشرافه على العملية التعليمية بشكل كامل، سواء كان ذلك داخل الفصل الدراسي أو عن بعد، حيث تعمل المجموعات على التواجد في وقت واحد مباشرة عبر إحدى برامج التواصل الاجتماعي لتفعيل التعلم التعاوني الجماعي و تحقيق مبدأ التواصل التعليمي باستخدام تقنية معينة من التقنيات التعليمية الحديثة كالفصول الافتراضية أو غرف الدردشة …
رابعا: القضاء على سلبيات و معيقات الاتصال التعليمي
من أهم ايجابيات استخدام تقنيات التعليم هو القضاء على السلبيات التي يواجهها المعلم أثناء التدريس، بغض النظر عن (أين و متى وكيف و من يُدرِّس). وحيث أن درجة نجاح التواصل التعليمي بين المعلم والمتعلمين يمكن تحديدها في ضوء بعض المعايير، و من أهمها مدى التغلب على العقبات التي تواجه المعلم و المتعلم في البيئة التعليمية. و نجد أن هذه العقبات تتلخص غالبا فيما يلي:
- استخدام المعلم الطريقة التقليدية.
- عدم مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ.
- شرود ذهن التلاميذ.
- الرغبة و الدافعية.
- عدم ملاءمة الفصل الدراسي.
- صعوبة قياس فعالية التغذية الراجعة لدى المتعلمين.