مفاهيم
المنهج الدراسي بين المفهوم التقليدي والمفهوم الحديث
مقدمة
للتدريس قصة قديمة جدًا بدأت منذ ظهور الإنسان على سطح الأرض حيث بدأ بالتعلم منذ نشأته الأولى معتمدًا في ذلك على استكشاف وملاحظة ما حوله، ثم انتقلت المهمة إلى الوالدين ومن جيل إلى جيل عبر الأشخاص متخذين في ذلك عدة أساليب كالقصص والأساطير والمعتقدات والأغاني والتقليد لنقل كافة المعتقدات والمعارف التي يتوصلون إليها والممارسات والمهارات اللازمة التي يقومون بها في حياتهم اليومية.
في هذه المقالة نستعرض قصة التدريس من العصور القديمة إلى العصر الحديث وكيف تطور المفهوم ليشكل منهجًا تدريسيًا حديثًا متكاملًا، وبداية لابد من فهم المعاني المتعلقة بذلك وهي التدريس والمنهج والكفاية.
مفاهيم
1- التدريس Teaching
لغةً: درَّسَ يُدرِّس، تدريسًا، فهو مُدَرِّس، والمفعول مُدَرَّس ودرَّس الكتابَ ونحوَه: قام بتدريسه أي: أقرأه وأفهمه للطَّلبة ونحوهم فكلمة تدريس مشتقة من الفعل)درّس)،وهي مرادفة لكلمة Teach باللغة الإنجليزية و تعني إعطاء تعليمات أو تعليم مهارة ما وبمعنى آخر إعطاء المعرفة لشخص ما أو تدريبه واصطلاحا: عملية اتصال بين المعلم والمتعلمين لإكسابهم المعارف والمهارات والخبرات المطلوبة.
2- المَنهَج Curriculum
لغة: مَنْهَج /مِنْهَج، مِنْهاج، طريق واضح، الجمع: مَناهِجُ ومَناهيجُ وسيلة محدّدة توصل إلى غاية معيَّنة، وورد في القرآن الكريم في قوله تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) المائدة الآية 48 واصطلاحا:المنهج العلميّ في وضع خُطَّة منظّمة لعدَّة عمليّات ذهنيَّة أو حسيَّة بُغية الوصول إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها.
وفي ضوء الاتجاهات التربوية الحديثة يعرف بأنه مجموع الخبرات التربوية المقصودة والمخططة من قبل المدرسة لإحداث النمو الشامل للطلبة بجميع النواحي.
3- الكفاية competence
لغةً: فعل (كَفَى)، كفَى /كفَى بـ / كفَى لـ يَكفِي، اكْفِ، كِفايَةً، فهو كافٍ وكَفِيّ، أي اكتفى وغنِي وحصل به الاستغناءُ عن سواه، أما اصطلاحا فهي معرفة المادة العلمية أو اكتساب المهارات، كما أنها تعني قدرة الفرد على ترجمة ما تعلمه في مواقف حياتية فعلية، بعد انتهاء الدارسة.
قصة التدريس
تبدأ قصة التدريس من:
العصور القديمة (3500 ق.م – 476م) ويمتد هذا العصر منذ اختراع الكتابة (3500قبل الميلاد) وحتى سقوط روما علي يد البرابرة عام 476 ميلادية، ويتميز هذا العصر بظهور الحضارات الزراعية في بلاد الرافدين ومصر والشام وفارس والهند والصين والأديان كالمسيحية واليهودية كما ظهر التدريس في كثير من حضارات هذا العصر وقد تم اكتشاف أحد دور العلم في بلاد ما بين النهرين (العراق) نحو عام 3500 ق. م. وكانت ملحقة بالمعابد في مدينة أوروك حيث تمركزت فيها الأنشطة الدينية والقضائية والمالية والزراعية والتجارية.
كما ظهر العديد من العلماء والفلاسفة في الحضارة اليونانية القديمة ومن أشهرهم فيثاغورس عالم الرياضيات الشهير سنة 575 ق.م ثم سقراط وتلميذه أفلاطون الذي يعتبر المؤسس لنظام التعليم التربوي، حيث أنشأ مدارس متنوعة لكل طبقة اجتماعية تمارس ما تعلمته بعد تخرجها، وأنشأ أول أكاديمية لتعليم الفلسفة والموسيقى وتبعه من بعده تلميذه ارسطو وازدادت أهمية التعليم لنقل التراث المكتوب عبر الأجيال، وحفظه من الاندثار. وقد أسس اليونانيون نظام التعليم الأدبي، حيث قاموا بكتابة الأعمال الفنية الرائعة، مثل هوميروس، وقد كانوا يعتنون بتعليم الجمال والموسيقى والشعر بعكس الرومانيين الذين يرون ذلك من توافه الأمور ويعتنون بالأمور العسكرية حيث كان تفكيرهم عقلانيا أكثر، كما اهتم التعليم الروماني بتوفير المهارات الأساسية اللازمة للحياة، ونشر القواعد الاجتماعية التقليدية التي كانت وسيلة لخلق مجتمع يتسم بالتماسك.
ثم العصور الوسطى أو العصور المسيحية 476 م – 1453م ويعد هذا العصر الذي سيطرت عليه الكنيسة في جميع مناحي الحياة مقتصراً على الصفوة كرجال الدين نتيجة سمو مكانة التعليم واقتصر على تعلم رموز اللغة و فهم ما سجل في هذه الرموز من تاريخٍ ودينٍ وفلكٍ، ثم انتشر التعليم فيما بعد بين العامة وتدريسهم القراءة والكتابة وفهم آيات الكتاب وبعض الألحان والتراتيل المقدسة من خلال رجال الدين في الكنائس بينما يتم تدريس أبناء الطبقة العليا من أبناء الملوك وصفوة المجتمع الدراسات اللاهوتية والعقيدة والثقافة، مما جعل معلمي هذه المواد أحسن حالاً من معلمي مواد القراءة والكتابة، وعلى درجةٍ عاليةٍ من الفهم والثقافة والمعرفة، إلا أن الكنيسة كانت تسيطر على الناس فكراً وعقيدة وعملاً واستبعد العمل بالعقل والقياس وقد أطلق على هذه الحقبة لقب عصور الظلام.
كما للتدريس قصة في العصور الإسلامية حيث كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول، وبدأ اهتمام الناس بتعليم أولادهم فانقسم المعلمون في تلك المرحلة إلى: معلمو المراحل الأولى أو الكتائب: ولديهم معرفةً متدنيةً وقليلة. ومعلمو المساجد والمدارس ويتمتعون بالمكانة المرموقة نتيجة درجتهم العالية في العِلم والمعرفة ويعلمون العلوم الدينية واللغة العربية والدراسات العلمية مثل الطب والرياضيات والفلك، والتاريخ، والجغرافيا، ومن أعظم علماء الإسلام الذين تعلموا بمثل هذه الطريقة، الأئمة أبو حنيفة ومالك، والشافعي، وابن حنبل.
وقد اهتمت العصور الإسلامية الأولى بالتعليم ونشره ويتضح ذلك من عدد علماء المسلمين الذين ذاع صيتهم في ذلك العصر في جميع الفروع من القرآن وعلومه والحديث وعلومه والرياضيات والفلك والأدب واللغة والفلسفة كالخوارزمي عالم الرياضيات والفلك 164هـ وابن سينا في الطب والفلسفة سنة 473هـ وغيرهم الكثير. أما في القرن العاشر وما يليه فقد أقيمت المدارس والجامعات والمعاهد.
ثم توالت العصور حتى بداية عصر النهضة من القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر وفيه تم توفير التعليم لكل الطبقات، ثم أصبحت عملية التعليم في القرن الثامن عشر منظمةً، ولها أصولٌ ووسائل، ومواد تدرّس في الكليات والجامعات، وتحسّنت أوضاع المعلمين، سواء المادية أو الاجتماعية.
أما في القرن التاسع عشر فقد ظهرت المدارس العامة التي تمولها الحكومة، أو المدارس الخيرية، والتنافس في بنائها والدعوة إلى تأسيس مناهج أكاديمية جديدة مناسبة لكل الطلاب.
وفي القرن العشرين ظهرت إصلاحات حديثة على المناهج وتبني بعضها كالتعليم القائم على المعايير في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1983 والمناهج القائمة على الكفايات بسبب ظهور مفاهيم جديدة كالتربية المستمرة والتعليم مدى الحياة، والتنمية البشرية المستدامة والتربية المستقبلية.
الكفايات التدريسية
بظهور مصطلح الكفاية في المنهج القائم على الكفايات وضع التربويون والباحثون في مجالي التربية والتعليم للكفاية التدريسية تعريفات عديدة منها:
- يرى باتريسا:(Patricia M.Kay) إن الكفايات ما هي إلاّ الأهداف السلوكية المحددة تحديداً دقيقاً والتي تصف كل المعارف والمهارات والاتجاهات التي يعتقد أنها ضرورية للمعلم إذا أراد تعليماً فعالاً، أو أنها الأهداف العامة التي تعكس الوظائف المختلفة التي على المعلم أن يكون المعلم قادرًا على أدائها (مرعي 1983 ص 23
- امتلاك المعلم لقدر كاف من المعارف والمهارات والاتجاهات الإيجابية المتصلة بأدواره ومهامه المهنية، والتي تظهر في أداءاه وتوجه سلوكه في المواقف التعليمية المدرسية بمستوى محدد من الإتقان، ويمكن ملاحظتها وقياسها بأدوات معدة لهذا الغرض (الأزرق 2000 ، ص 19
- عبارة أو جملة تصف نوع القدرة أو المهارة التي سيحصل عليها المعلم ولها تأثير مباشر على تعلم التلاميذ، أو هي قدرة المعلم على استعمال مهارة خاصة أو عدة مهارات استجابة لمتطلبات موقف تربوي محدد. (حمدان 1985 ، ص 160
- ويعرف عايش زيتون (1996) الكفاية التدريسية بأنها:” القدرة على الأداء والممارسة أو أنها مهارات مركبة أو أنماط سلوكية أو معارف تظهر في سلوك المعلم، وتشتق من تصور واضح ومحدد لنواتج التعليم المرغوب”.
وتشمل الكفايات التدريسية:
- الكفايات المعرفية والتي يكون فيها المعلم ملمًا بالأهداف التعليمية والتربوية ومطلعًا على كل جديد في تخصصه قادرًا على تكييف المنهج الدراسي وفق متطلبات المتعلمين ومبادرًا في إعداد دراســـات أو بحوث تربوية وتخصصية بكفاءة.
- الكفايات الإنتاجية وتعني أن المعلم قادرًا على إكساب المتعلمين مهارات أدائية وعقلية متنوعة وأنماطا سلوكية مرغوب فيها بأساليب متنوعة مع قدرته على المساهمة في البرامج والمشروعات التطويرية بفاعلية.
- الكفايات الأدائية وتعني أن المعلم قادر على تحليل محتوى ما تحليلاً دقيقاً شاملاً، وعلى تنويع أساليبه التدريسية المستخدمة مع تنمية مهارات التفكير العليا لدى تلاميذه مع قدرته على استخدام التقنيات التعليمية بدرجة وكفاءة عالية كما يراعي استمرارية التقويم وشموليته.
- الكفايات الوجدانية وتعني أن المعلم مهتم وواثق بطلابه يستغل وقت التدريس استغلالا حسنا، حازم ومرن، مثابر وصبور.
ونخلص إلى أن المنهج الحديث تطور تطورًا واضحا عبر العصور من مفهوم التعلم والتعليم الفطري لدى الإنسان الذي انتقل من جيل إلى جيل إلى ظهور التدريس المنظم المخطط له مكونًا بذلك منهجًا تدريسيًا استمر عدة قرون إلى أن ظهر المنهج بمفهومه الحديث ليشمل كافة العناصر المحيطة بالطالب كالمدرسة والمواد والبيئة المحيطة به.
ومن هنا نجد أن:
المفهوم التقليدي للمنهج الدراسي: عبارة عـن مجموعـة من المـواد أو المقـررات الدراسـية التي يدرسها الطالب في حجرة الدراسة ويدرسها المدرس.
المفهوم الحديث للمنهج الدراسي: هو مجموع الخبرات التربوية التي تقدمها المدرسـة إلى التلاميـذ داخـل المدرسـة وخارجهـا لتحقيق النمو الشامل المتكامل في بناء البشر جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا ودينيا، وفق أهداف تربوية محددة وخطة علمية مرسـومة.