مجلات ودوريات

المعلم و جيل الآيباد

كثيرًا ما نسمع شكوى المعلمين وتذمرهم، وعندما نسألهم لنقف على حدود أسباب الشكوى، لا يتوانون في إلقاء اللوم على التلاميذ، فهم جيل غير مبالٍ، جيل مدللٌ، جيل الآيباد…
لحظة واحدة! أليس هذا الجيل هو من سيرسم المستقبل، وهو من نأمل أن يكمل مسيرة ونهضة البلاد، فالتلاميذ أبناؤنا قبل أن يكونوا مصدر رزقنا، و المعلم يحمل رسالة إنسانية راقية كما قال رسولنا الكريم:” إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلون على معلم الناس الخير”؛ لذا فلا بد للمعلم أن يسمو ويستشعر قدسية هذا العمل، فيتفهم رغبات المتعلمين، وينطلق في رحاب اهتماماتهم وميولهم، وسيجد نفسه مستمتعًا راضيًّا بما يقدمه.
يجب علينا -نحن المعلمون- أن نميط لثام الأعذار، ونواجه الواقع الذي لا يخلو من التحديات التي ربما إن أقدمنا على مواجهتها قدحت فينا شرارة الإبداع لخلق جو تعليمي إبداعي، وتنشئة جيل يحمل مسؤولية نهضة الوطن وبنائه، وهذا نداء أوجهه لنفسي ولزملائي في هذا الميدان التربوي الفسيح.
ليس ذنب هذا الجيل أنه عاش في كنف التكنولوجيا، فباتت جُزءا من تكوينهم، فكل فرد من أفراد الأسرة يمتلك جهازه الذكي الذي يعيش معه، والتلميذ جزء من هذه الأسرة، فهو يرى في تلك الأيقونات الملونة نوافذَ تفتح له العلم والعالم بلمسة سحرية من يديه على تلك اللوحة المصقولة، وهذه العوالم تَبُثُّ تأثيرها فيه شيئًا فشيئًا، ولا يمكن أن نغفل جانب هذا التأثير الواضح الذي شاركهم فيه الوالدان والمعلمون، بل والمجتمع بشكل عام، فها هي الإعلانات التجارية، و القنوات التلفزيونية، والمجلات بشتى أنواعها لا تخلو من عرض ما يستجد في عالم التكنولوجيا، لذا فعلينا أن نستفيد من هذا الجهاز ونوجه التقنية توجيهًا تربويًّا.
ولا يخفى علينا أن البيئية التكنولوجية بيئة بصرية تعتمد على الصورة. فالأيقونات التي يتعامل معها الطالب عبارة عن صور ينقر عليها فتتفتح أمامه عوالم من الصور التي يتعلم من خلالها بشكل أسرع “فالجزء المسؤول عن الذكاء البصري في المخ يفوق ذلك الجزء المسؤول عن الذكاء اللفظي” (عوجان، 2013) ؛ لذا نجد أبناءنا يندمجون في العالم الرقمي الافتراضي المليء بالألوان والصور. هذا وقد أشارت الدارسات إلى وجود قصور في المنهج المدرسي لتلبية حاجات المتعلم ورفع مستوى دافعيته نحو التعلم إذ “عزوا المشكلة إلى عدم جاذبية محتويات المناهج الدراسية ” (السويدي، 2011) ، ورغم ذلك لا نرى جهودا واضحة في الميدان التربوي تلقي الضوء على المنهج، بحيث تُطوع التكنولوجيا في خدمة التعلم، فتكون المواد الدراسية مغامرات محببة إلى نفوس تلاميذنا على غرار مغامرات الألعاب التي اعتادوا عليها، وبالأحرى أدمنوها، وعليه سيقبلون على الدراسة، وترتفع دافعيتهم نحو التعلم، فالجيل ليس فاشلا ولا متخلفًا، بل جيل يريد أن يُفرش له العلم بالصورة البصرية التي ألِفها.

فهل معنى ذلك أن نحول المناهج إلى مناهج رقمية؟

هنا نسجل، كمثال، بادرة طيبة اتخذتها وزارة التربية والتعليم بالبحرين كخطوة تتماشى مع الواقع، بتوفير السبورة الذكية التي لا يكاد فصل دراسي يخلو منها، فهي تحاكي الأجهزة الذكية، فضلا عن الألعاب والتطبيقات التي تلامس شغف أبنائنا التلميذ، وتزيد من عنصر التشويق، وكذلك أدوات التمكين الرقمي التي تثير الحماس عندما تتسارع الأنامل الصغيرة بالنقر على فأرة الحاسوب للإجابة في برنامج كاهوت kahoot أو تايني تاب TinyTap مثلا، أو غيرها من الأدوات الرقمية.
لكن رغم هذا لا بد من أن نشير إلى الخطأ في تهافت بعض المعلمين ومبالغتهم في توظيف التكنولوجيا بشكل يجرد الوسيلة من غايتها، وهنا يكون الخلل في البعد عن المحتوى الدراسي، فطبيعة التلاميذ بشكل عام وخاصة طفل المرحلة الابتدائية يميل إلى الألوان، كما أسلفنا سابقًا حتى لو كانت على الأوراق كالخرائط الذهنية، وألوان الحركة كمسرحة المناهج وتمثيل الأدوار من قِبل أبنائنا الذين يتحمسون في ممارسة أدوار الفاعل وأحرف الجر، وألوان الاستكشاف والبحث. فالمعلم لابد من أن يثير فضول المتعلمين ويوجههم للاطلاع من خلال إعداد البحوث، ولا يخفى على الكثيرين ما للبحوث من أثر في إثراء المادة وخاصة إذ تم تحديد المراجع والأفلام التعليمية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا أمام جيل لا يجهل اصطياد المعلومة وطريقة الوصول إليها، وهذا يطمئننا من الناحية المعرفية، إلا أنه يجعلنا أمام مسؤولية أكبر! فما المسؤولية التي يحمل همها المعلم أكثر من التحصيل الدراسي؟
نعم، هناك مسؤولية أكبر وأعظم فالمعلم مربي من أولوياته تعزيز القيم السلوكية، وتنمية المهارات الحياتية، وهذا ما ركزت عليه منظمة اليونسكو عندما أقرت في العام 2015م أهداف التنمية المستدامة. وهو ما يؤكده الأمين العام للأمم المتحدة: “التعليم هو حق من الحقوق الأساسية وأساس التقدم في جميع البلدان. إذ يحتاج الوالدان إلى المعلومات اللازمة المتعلقة بالصحة والتغذية لمنح أطفالهم الدفع الذي يستحقونه في الحياة. وتعتمد البلدان المزدهرة على عمال متعلمين ذوي مهارات. وتحدونا التحديات المتمثلة في القضاء على الفقر ومكافحة تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة الفعلية في العقود القادمة إلى العمل يدًا بيدٍ. ونحن قادرون على تغيير حياة الأفراد والاقتصادات الوطنية والعالم الذي نعيش فيه بإقامة الشراكات واعتماد الريادة وإجراء الاستثمارات الحكيمة في مجال التعليم” ( بان كي- مون، 2015).
تطور العالم لا يعني أن نتوارى ونستسلم، بل أن نتحرك ونساير ركب التطور، فنطلع على ما يناسب الجيل، ونعزز الأخلاقيات التي نكاد نفتقدها، بشكل أضحت معه المواطنة الرقمية والتسامح أمرين في غاية الأهمية، و أصبحت تنعقد من أجلهما القمم والمؤتمرات العالمية.
ناهيك عن ضرورة تقبل الآخر واحترام الثقافات التي لم نكن نعرفها. إلا أننا اليوم، و بحكم كون العالم قرية صغيرة، تعرفنا عليها. فهي واقع لا يجب علينا الصد عنه وتجاهله وتهميشه، بل الإقرار بحق كل أمة العيش بحرية ـ وفق الحقوق الإنسانيةـ على هذه البسيطة.
نشير أيضا إلى أن المهارات المتوقع من الطلاب اكتسابها (سواء كانت عملية كالمهارات الإلكترونية والفنية… أو مهارات حياتية كمهارة حل المشكلات، واتخاذ القرارات والتخطيط للمستقبل…) ستجعل دور المعلم يتغير، وستفرض عليه مستجدات لابد من أن يتكيف معها؛ حتى يمارس عمله بمرونة وإنسيابية، وإلا فسيؤول مصيره للمقاومة غير المجدية يترجمها لسانه بالتذمر وعمله بالسلبية وهذا ما لا نرجوه.

إغلاق