إرشادات
استراتيجية المناظرة في التعليم
ما أثار تفكيري للبحث في هذه الاستراتيجية والعمل على تدوينها سؤال إحدى الزميلات حول كيفية تطبيقها بالشكل الصحيح (و هي التي كانت قد أعدت ورشة عن استراتيجيات التعلم النشط ). فحسب وصفها، قابلها المشاركون في الورشة -الجانب الخاص بهذه الاستراتيجية و التركيز على دفع الأساليب التدريسية للاستفادة منها في الغرفة الصفية- بكثير من الاستياء والرفض معللين غرابة الاستراتيجية و صعوبة تطبيقها ضمن سياق المنهج المدرسي.
وقد لاحظت من خلال البحث المتكرر والحثيث ندرة الأبحاث التي تركز على (التعلم بالمناظرة) كأحد استراتيجيات التعلم النشط. وبالرغم من ندرة المراجع إلا أنها قدمت فكرة لا بأس بها، و قد أثارت بعض المقترحات والملاحظات أضعها في مقال بين أيديكم علّه يُقدم الإفادة الكافية في مجال تطوير مهارات الطلبة باستخدام استراتيجية المناظرة ضمن سياق المنهج المدرسي وفي مواد دراسية متنوعة.
ما التعلم بالمناظرة؟
هي استراتيجية تعتمد على أنشطة اتصال بين مجموعة من الطلبة مادتها الأساسية مجموعة من وجهات النظر حول محتوى معين (موضوع معين) تنتهي بقبول إحدى القراءات مدعّمة بالحجج والبراهين ( Scott,2008).
بمعنى آخر: يمكن أن نشبه المناظرة بمسابقة تحكمها ضوابط معينة يديرها حكم، تضم فرقاً فيها عدة متحدثين، يُمنح أولئك وقتاً محدداً لتقديم حججهم وإثباتاتهم.
الفرق بين المناظرة و الحوار في الغرفة الصفية:
تشبه المناظرة الحوار من ناحية عدد أطرافها وطرائق تنظيمها ويختلفان في أن:
في الحوار: يقوم المعلم بمحاورة المتعلمين حول موضوع الدرس أو جزء منه، حيث يبدي المتعلم مدى معرفته بموضوع الدرس من خلال استرجاع معرفته السابقة حول الموضوع أو علاقة الموضوع بواقع المتعلم وتطبيقاته في إطار عملي.
وبهذا يكون جميع أطراف الحوار متفقين من ناحية الهدف أو نتاج التعلم وقد يختلفون في طريقة الوصول إليه.
بينما في المناظرة: يقوم المعلم بدور قائد و مُنظّم و موجه يُدير النقاش ويلخص الآراء بين طرفي المناظرة حيث يتبنى كل طرف وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر الطرف المقابل حول الموضوع المطروح للاستدلال على إثبات أمر يتخاصمان فيه نفياً أو إيجاباً بغية الوصول إلى الصواب. ويحاول كل منهما إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه مع وجود الرغبة التامة بإظهار الحق والاعتراف به لدى ظهوره.
لذا تتطلب المناظرة الدقة العلمية، والشروط المنطقية أكثر مما يتطلبه الحوار.
أهداف المناظرة:
ليس الهدف من المناظرة تخريج مناظرين… إنما تهدف إلى تمكين المتعلمين من مجموعة من المهارات والقدرات نادراً ما تُنمى مجتمعةً ضمن استراتيجية واحدة، ويمكن تقسيم تلك المهارات إلى ثلاث مجموعات:
- المهارات الفكرية: كـمهارات التفكير المنطقي والاستكشاف و القدرة على إقامة الحجج والبراهين للوصول إلى الرأي الأكثر منطقية، والتعبير عن التفكير و نقل المعرفة، إضافةً إلى مهارات البحث العلمي وتدوين الملاحظات.
- المهارات الاجتماعية: كـمهارات الحوار والمناقشة والإصغاء، واحترام وجهات النظر المغايرة، و مهارات العمل الجماعي.
- مهارات لغوية: كـمهارة التحدث، والقدرة على التعبير باختيار ألفاظ ملائمة.
لذلك تظهر أهمية هذه الاستراتيجية إن طبقت بالشكل الأمثل من خلال:
ما يتعلمه الطلبة من وجهات النظر المتبادلة بين الطرفين، ومقارنة الآراء، ومن ثم استخلاص وجهة النظر الصحيحة، فينظرون للأمور بطريقة تختلف عن نظرتهم السابقة لها.
وبهذا يلعب المتعلم دوراً فاعلاً ورئيساً في العملية التعليمية يمر من خلاله بخبرات تعليمية مباشرة تشبه إلى حد كبير ما قد يمر به من إشكاليات في الحياة خارج سور المدرسة.
المناظر النموذج والحكم النموذج:
يختار المعلم استراتيجيات وطرائق التدريس ويقوم بتوظيفها بما يتلاءم مع الموقف التعليمي، وعندما يفكر في توظيف المناظرة ينبغي عليه التخطيط في كيفية القيام بنمذجة المناظر.
بمعنى: أن يُقدم نموذجاً للمناظر لتعليم الطلبة مهام المناظر، وذلك بأداء مناظرة مُصغّرة لجزء صغير من الدرس يلعب فيه المعلم دور أحد الأطراف لنقل أساليب المناظرة و تدريب المتعلمين على الكلام المعبر و الهادف، والجرأة في تقديم البراهين و الأدلة، وتقبل الآراء والإيمان بتعددها.
كما يتطلب منك قبل توظيف المناظرة التدرب على نموذج الحكم حتى تكون حكماً متقناً لأسس المناظرة وقواعدها وشروطها وآدابها.
و في مجال الشروط و من ضمن عدد كبير من الآراء حول شروط المناظرة وجدت أكثرها مرونة ما قدمه شان (chan 2009) باختصار. و تتمثل شروطها فيما يلي:
– أن لا تتجاوز مدة المناظرة الصفية 20 دقيقة.
– أن يكون عدد المتناظرين (فردياً).
– يستخدم المتناظرون اللغة الوسطى بين العامية والفصحى.
– تُدار المناظرة بطرف محايد يتحكم بمجرياتها ويلخص نتائجها.
ومن جهتي أضيف شرطا أساسيا وهو مناسبة الموضوع الذي توظف فيه الاستراتيجية.
مواضيع تناسبها المناظرة:
لابد من احتواء المنهج المدرسي باختصاصاته المتنوعة من أدبية أو علمية بعضاً من المواضيع التي تحمل في طياتها وجهات نظر متضادة خاصة فيما يتعلق بمشاكل المجتمع.
وهنا ندعوكم للتركيز في مثل هذه المواضيع والعمل على توظيف المناظرة فيها.
وفي منحى آخر يمكن أن تختلق عزيزي المعلم جدلاً تكون سلفاً قد بحثت في محاوره وحضرت له فعلى سبيل المثال:
قد يطرح معلم مادة الأحياء فكرةً حول: أي العمليات الحيوية هي الأهم للكائنات الحية التركيب الضوئي أم التنفس؟
أو يثير معلم مادة الجغرافيا جدلاً في موضوع: الأقاليم الطبيعية ما الأنسب للإنسان من بينها حتى يكون أكثر إنتاجية؟
بينما قد يسأل معلم الرياضيات في درس المخططات البيانية: أي المخططات البيانية ( العمودي أم الدائري) هو الأفضل لتمثيل الفرق بين عدد الذكور وعدد الإناث بين صفوف المدرسة؟
خطوات تطبيق استراتيجية المناظرة في التعليم :
– التمهيد للموضوع من خلال طرح مجموعة من الأمثلة التوضيحية تساعد الطلبة في اتخاذ قرار الانضمام إلى إحدى وجهات النظر.
– تحديد أعضاء الفريق لكلتا المجموعتين.
– إعطاء الوقت الكافي للطلبة لتحضير الأسئلة والبراهين الداعمة و البيانات الكافية لإقناع الآخرين بالرأي.
– توزيع المهام ضمن المجموعة الواحدة.
– تحديد موعد اللقاء بعد التأكد من جاهزية الطلبة.
عيوب ومعوقات المناظرة:
– التركيز على المناقشة أكثر من الأهداف.
– خجل وعدم جرأة بعض المتعلمين.
– انشغال المتعلمين في أحد الطرفين بالتحضير والإعداد لآرائهم فيعيق عملية الإنصات الجيد للطرف المقابل.
– قد يطرح بعض المتعلمين أسئلة غير واضحة وغير محددة مما يربك الطرف المقابل.
– عدم تمكن بعض المعلمين من إدارة الصف فيفقدون السيطرة على الموقف التعليمي.
نتيجة:
– إن كان المعلم لا يمتلك مهارات إدارة جلسات المناظرة سيتحول الصف إلى مكان يتحدث فيه الجميع ولا أحد يستمع للآخر.
– إذا لم يطلب المعلم من الطلبة التحضير المسبق للجلسة ستكون المناقشة بلا أساس.
وبالتالي من أهم ما يعيق التطبيق: مهارة المعلم في الإدارة الصفية و التحضير الجيد والبعد عن الارتجال من قبل الطلبة.
وفيما يأتي فيديو قصير بعنوان ( كيف أناظر؟ تعلم المناظرة في 3 دقائق) يوضح مهام كل متحدث من أفراد طرفي المناظرة ويرتبها بطريقة جذابة.