مقالات وبحوث

الأعباء الجسام الملقاة على عاتق معلم اللغة العربية!

كثيرًا ما كُتِب عن مهنة التعليم، وكم هي مضنية للمعلّمين في جميع التخصّصات والمواضيع الدراسيّة، تتطلّب منهم تيقّظ الحواس، وقوّة الأعصاب، والصبر والأناة، والتجدّد الدائم في المواد الدراسيّة وفي أساليب التدريس والتقويم!

لكن، من تجربتي في حقل التربية والتعليم توصّلتُ إلى قناعة مفادها:
إنّ معلّم اللغة العربيّة المخلص، بالذات، مثقلٌ بالأعباء، مُنهكٌ بالمهامّ الجمّة الملقاة على عاتقه!

فتدريس اللغة العربيّة لا يقتصر على إكساب الطالب مهارات: القراءة الواعية المعبّرة، وعلى فهم المقروء والمسموع بمستويات الفهم المختلفة، وعلى التعبير الجيّد بنوعيه: الشفهيّ والكتابيّ، بل يشمل كذلك صقل شخصيّة الطالب وبلورتها، وتعزيز الانتماء للهويّة، وتقدير التراث، واكتساب القيم بأبعادها ومجالاتها المختلفة: الشخصيّة والاجتماعيّة والوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة…

ولنتذكّر: إنّ التمكّن من مهارات اللغة وسيلة لتحقيق التقدّم والنجاح في جميع مواضيع التعليم في المدرسة.
لذلك، معلّم اللغة العربيّة مُطالب بالتجدّد على الدوام لأنّه يتعامل مع موضوع اللغة العربيّة بنحوها وصرفها وآدابها، الأمر الذي يستدعي سعة الأفق والمعرفة، وذائقة أدبيّة راقية، واطّلاعا دائمًا على ما يصدر من روائع الأعمال الأدبيّة، ومن الدراسات النقديّة والبحوث في اللغة.
والأصعب: إنّه مُطالب بتصحيح/تقويم المئات من كتابات طلابه كلّ شهر/أسبوع ضمن حصّة التعبير الكتابيّ!

كذلك، يعتبر معلّم اللغة العربيّة المسؤول المباشر والرئيسيّ عن غرس عادة المطالعة الذاتيّة وتذويتها لدى طلابه – رغم اعتقادي بضرورة تعاون جميع معلّمي المدرسة على ذلك – وهذا يتطلّب منه اتّباع أساليب وطرائق متنوّعة في تحبيب المطالعة للطّلاب وتشويقها بعيدًا عن الإكراه والإلزام!
ثمَّ، المفروض أن يكون معلّم اللغة العربيّة واعيًا لدوره في اكتشاف مواهب طلابه الإبداعيّة، وأن يعمل جاهدًا على تشجيع الإبداع لديهم في شتّى الفنون الكتابيّة!

وأضيف: إنّ اعتماد معلّم اللغة العربيّة في تدريسه على الكتب وليس على المنهاج الذي يُفترَض أن يكون المرجعَ ونقطة الانطلاق في تدريس الموضوع – اعتماده على الكتب- وخاصّة في المرحلة الابتدائيّة- التي قد تفتقد المعايير التربويّة في إعدادها، يضاعف معاناة معلّم اللغة العربيّة.

ثمّ هناك مسألة إعداد معلّم اللغة العربيّة وتأهيله قبل الالتحاق بالمهنة، فبحسب اعتقادي، وعلى ضوء تجربتي، يمكنني القول إنّ ذلك الإعداد – خاصّة في الجامعات –  غير كافٍ لإكساب المعلّم المهارات والمعارف في الأساليب وطرائق التدريس والتقويم التي من شأنها تنجيع عمله ونجاحه!

ومّما يُضاعف من معاناة معلّم اللغة العربيّة في إكساب مهارات اللغة العربيّة والنهوض بها عدم مساهمة معلّمي المواضيع الأخرى في ذلك، فغالبيتهم يدرّسون باللغة المحكيّة، وأحيانًا كثيرة – خاصّة في المدارس الثانويّة والخاصّة – قد يكون التدريس بلغة أجنبيّة!
وهناك معضلة أخرى يواجهها معلّم اللغة العربيّة وهي: ضعف الحافز والدافعيّة لدى الطلاب لتعلّم الموضوع، فهم، وبتأثير الأهل والثقافة السائدة، يعتبرون دراسة الموضوع غير مُجدية، ولا تفتح أمامهم
مجالات التقدّم في المستقبل، وجني الدخل العالي الوفير، ناهيك عن استهتارهم بالموضوع!
وأخيرًا، إنّ غلبة اللغة المحكيّة الدارجة، وتغلغلها في جميع مجالات الحياة اليوميّة، وفي وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، وفي المسرح والسينما، يُعيق مهمّة معلّم اللغة العربيّة في إكساب اللغة العربيّة المعياريّة الفصيحة، وفي تحبيب الطلاب بها وبالأعمال الأدبيّة التي يتعلّمونها.
لكلّ ذلك، أسمح لنفسي أن أقول بدون تحفّظ:
كان الله في عون معلّم اللغة العربيّة المخلص!!

إغلاق