مقالات وبحوث
التعليم والشبكات الاجتماعية: نشر المحتوى التعليمي عبر فيسبوك
واحدة من سمات عصر الانترنت البارزة: سهولة نشر العلم وتلقيه، أو اكتساب المهارة وتعليمها للآخرين، أصبح هنالك بيئة الكترونية تتوسط الجميع، بين العالم والجاهل، بين الخبير والمبتدئ، فإن قرر الأول مشاركة ما لديه وإفادة الطرف الآخر، فسيجد الكثير من الوسائل التي تفتح له الأبواب بدون أية تكاليف أو أعباء، فقط القليل من الوقت والكثير من الإبداع.
هنالك الكثير من “الأبواب المفتوحة” التي من خلالها يمكن نشر المحتوى التعليمي ليبقى متاحاً للجميع، لكن أول ما سيلفت أنظارنا هي أبواب الشبكات الاجتماعية، نعم، هي ليست للتسلية فقط، هي لاستثمار الوقت كما هي لتضييعه أيضاً، يمكن أن تستخدم الشبكة الاجتماعية لعدة أهداف (أو نوايا) منها الهدف التعليمي، سواءً كنت مُعَلم أو متعلم.
لكن السؤال الذي قد يدور في عقول البعض ممن يريدون نشر المحتوى التعليمي، ممن لديهم الكثير في عقولهم ويفكرون جدياً بتفريغة في أوعية رقمية حتى يشرب منها كل عطشان: ماهي الشبكة الاجتماعية الأنسب لنشر المحتوى التعليمي؟ أين سيجد المعلم طلابه إن كان يبحث عنهم؟ أو أي المنصات هي الأفضل إن كان سيجلب طلابه معه؟ ماهي الخصائص التي تقدمها كل منصة وأين تكمن السهولة والسرعة؟ وغيرها من الأسئلة التي قد يفكر فيها صانع المحتوى التعليمي.
من أجل كل ما سبق، سنبدأ بسلسلة جديدة عبر صفحات عالم التقنية، نسلط فيها الضوء حول موضوع التعليم وطرق استثمار منصات الشبكات الاجتماعية لما يخدم هذا المجال، وستكون هذه المقالات مستندة لخبرة الكاتب الشخصية، حيث يدير عدة حسابات تعليمية عبر الشبكات الاجتماعية، وينشر المحتوى التعليمي منذ عدة سنوات، أيضاً هو مهتم بالويب والشبكات الاجتماعية، فقد كانت محل دراسته في مرحلة الماجستير، ومحل اهتمامه فيما بعد ذلك، بالإضافة إلى مصادر متنوعة؛ أجنبية وعربية.
نشر المحتوى التعليمي عبر الفيسبوك
لاشك أن منصة الفيسبوك تتيح طيف واسع من الإمكانية التي سمحت للشبكة بأن تكون منصة متعددة الأهداف، ومن أهمها الهدف التعليمي، فلو تطرقنا إلى نوعية البيانات التي يمكن نشرها في الشبكة، فسنجد أنه يمكن نشر المحتوى النصي، وأيضاً المحتوى المرئي الثابت (الصور) وكذلك المحتوى المرئي المتحرك (الفيديو)، والفيديو من أنواع البيانات المهمة فيما يخص الجانب التعليمي، فعبر فيديو واحد يمكن أن تختصر الكثير، كما أن المتلقي يميل لأن يشاهد أكثر من ميله لأن يقرأ.
أما من ناحية القوالب أو الأوعية التي يمكن بث المحتوى فيها، فهنالك الصفحات وأيضاً المجموعات، كما يمكن بث المحتوى عبر الحساب الشخصي مباشرة، أما الصفحات ففيها الكثير من الأدوات التي تسمح بصناعة صفحة تعليمية رائدة، واتذكر قبل سنوات عديدة حين كتبت مقالة عن نموذج تعليمي جيد تم إطلاقه عبر منصة الفيسبوك، وكيف يمكن أن تستخدم الشبكة بشكل فعال في هذا المجال.
تلميحة: لتغيير قالب صفحتك، توجه إلى (إعدادات) الصفحة (Settings) من الأعلى، ثم انقر على تبويب تغيير القالب (Templates and Tabs)، ثم اختر نوع القالب الذي تريد.
من الخصائص المفيدة أيضاً في هذا المجال: إمكانية ترتيب الفيديوهات في قوائم (Playlists)، فإن كانت الصفحة تقدم فيديوهات تعليمية أو دورات مرئية، فيمكن ببساطة جمع كل عدة فيديوهات تحت مظلة واحدة، أيضاً خاصية المدراء والأدوار التي يمكن تحديدها من أجل توزيع العمل على عدة أشخاص عند نشر المحتوى، ولا ننسى أدوات النشر مثل الاستبيانات وغيرها من الأدوات المفيدة لنشر المحتوى التعليمي.
المحتوى التعليمي عبر مجموعات الفيسبوك
أما فيما يتعلق بالمجموعات، والتي تلقت اهتماماً وتحديثاتٍ متعددة خلال الفترة الماضية، حيث أصبحت اليوم أكثر ملاءمة لنشر المحتوى التعليمي، لكن قوة تلك المجموعات ليس في إمكانية النشر فقط، بل في خلق بيئة تعليمية صحية يتمكن عبرها المتعلم من التفاعل والمشاركة في صناعة المحتوى، وهذا يساهم في تخفيف الضغط على مدير المجموعة ويضمن استمرارية النشاط والتفاعل.
تحدثنا في مقالة سابقة عن بعض الأدوات والخصائص المفيدة لإدارة المجموعة بشكل فعال، وعبر تلك الأدوات يمكن تحفيز الأعضاء وتنظيم النشر في المجموعة حتى تحقق الهدف الأساسي الذي انطلقت لأجله، فخاصية مثل (الإجابة على أسئلة عند الانضمام) على سبيل المثال؛ تساعد المسؤول على قبول أشخاص محددين هم المستهدفين من عملية التعليم أو المشتركين مسبقاً في الـ”كورس”، أما خاصية (المجموعات الفرعية) فيمكن عبرها إنشاء دورات منفصلة بمواضيع مستقلة، لكن يربطها شيء مشترك هي المجموعة الأم.
خاصية Social Learning
من خلال صفحة إعدادات المجموعة (Edit Group Settings) يمكن تفعيل شيء اسمه التعلم الاجتماعي (Social Learning)، وعند النقر على زر التفعيل (Add) ستلاحظ ظهور تبويب جديد في الشريط الجانبي للمجموعة، ويسمى (Units) أو وحدات تعليمية.
هذا الجزء الجديد مخصص للتعليم بشكل حصري، ومفيد للمجموعات التعليمية بشكل أساسي، حيث يسمح لك بأن تضع في المجموعة محتوى تعليمي مقسم في (وحدات)، كل “وحدة” تحتوي على عدة منشورات (دروس)، ولك الحرية في نشر المحتوى داخل كل درس، إِما محتوى نصي أو صور أو فيديوهات، ثم ترتيبها بما يناسب المادة التعليمية.
ليست الميزة في التقسيم والتنظيم فقط، بل في شريط المسار الذي يظهر لكل مشترك على حدة، حيث يعرف من خلاله أين وصل وكم بقي له لإنهاء التعلم من الدروس المتاحة أمامه، لكن كيف يعرف النظام أنه انتهي من كل درس؟ ببساطة هنالك أيقونة صغيرة تحت كل درس تدعى (I’m done)، والمفروض أن ينقر عليها المشترك بعد قراءة الدرس أو مشاهدته (في حالة الفيديو)، وهكذا يفعل مع بقية المحتوى.
أيضاً يمكن جعل هذا التبويب (الوحدات التعليمية) هو الصفحة الرئيسية للمجموعة وليست صفحة النقاش، وبهذا تتحول مجموعة الفيسبوك من ساحة للنقاش إلى منصة لنشر الدورات والمواد التعليمية، وكل ذلك بالمجان وبدون حتى إزعاج المستخدم بالمرور على خطوات التسجيل والتفعيل.
قابلية الإنتشار في الفيسبوك
في السابق، كان الفيسبوك أحد الوسائل الفعالة للانتشار وكسب الجمهور، كان هنالك أعداد كبيرة من المستخدمين المتعطشين لالتهام المحتوى المفيد والمشوق، وفي المقابل؛ القليل من الصفحات أو المجموعات ذات المحتوى المفيد والدسم، ومالبث أن تم اكتشاف هذا المارد واتجه إليه الكثير من صنّاع المحتوى، فحققوا انتشاراً واسعاً ووصلوا لملايين المتابعين في أوقات قياسية، بعد ذلك ظهرت الخوارزميات تلو الخوارزميات والتي حدت وقللت من إمكانية التوسع والانتشار.
لكن لازالت الشبكات الاجتماعية بشكل عام هي الحل الأمثل لتحقيق الانتشار بأقل التكاليف، فخاصية (المشاركة) لوحدها كافية لتحفيز أي مقدم محتوى بأن ينشر في تلك الشبكات، وكل ما عليه هو تقديم محتوى ذو قيمة عالية يستحق المشاركة.
وحتى نكون واقعيين، المحتوى الترفيهي ينتشر أكثر وأسرع من المحتوى التعليمي، لا شك في ذلك، فالناس يحبون المتعة والفكاهة، أما المحتوى التعليمي فَيَهُم فقط فئات محدودة، من يريد تعلم تلك المهارة أو اكتساب تلك الصنعة، وأولائك يصعب أن تصل إليهم إلا باستخدام الاعلانات الممولة داخل الشبكة نفسها، والتي يمكن اعتبارها وسيلة غير مكلفة للدعاية والإشهار، لكن لمن يتقن فن الاستهداف داخل النظام الاعلانات.
الخلاصة …
يقدم لنا الفيسبوك منتج مجاني يمكن استخدامه بشكل فعال في المجال التعليمي، ألا وهو المجموعات (Facebook Groups)، يمكن استخدامه لنشر الدروس والوحدات التعليمية لفئة محددة من المستفيدين الملتزمين بالمتابعة بحافز داخلي أو خارجي، ويسمح بإنشاء ونشر المحتوى بصور وأشكال متعددة، ويقدم أدوات وخيارات لإدارة المجموعات بشكل جيد، ولأن فيسبوك هي الشبكة الأكثر انتشاراً، فسيكون من السهل على الآخرين الانضمام والمتابعة.