إرشادات

الأسئلة الصفية: واقعها ومهاراتها في التدريس

التدريس عملية تتطلب جملةً من المهارات الأساسية و الكفاءات المتنوعة لما تحتويه من فنون و قدرات متنوعة في الجانب التطبيقي للتعليم، و الممارسات التي تجري في ساحته الفكرية و النقاشية، للوصول إلى تحقيق الأهداف التربوية المنشودة، إذ أنه يصنف في ضوء متطلبات العصر ضمن إطار الاتصال و التواصل بمهاراته ونظام المدخلات والعمليات والمخرجات، والتخطيط و التنفيذ و التقويم بمبادئه، و التفاعل الإيجابي و القدرة على التأثير و الإقناع بممارساته. فالتدريس بمثابة الأداة التي تعمل على إيجاد بيئة تعليمية مناسبة، وفيها يتم الحكم على جودة التعليم من خلال الممارسات التدريسية التي تطبق في الغرفة الصفية. و ينظر التربويون إلى التدريس كمحطة تزود الناشئة بالمعارف و المهارات و القدرات اللازمة لتنمية القدرات الذاتية و المهارية و الشخصية، فضلاً عن انعكاسه إيجاباً على المجتمع من أجل الرقي و الازدهار.

وتعتبر الأسئلة الصفية من أبرز الوسائل البيداغوجية التي تستعمل في العملية التدريسية لما لها من تأثير على إيجابية على التعلم، إذ لا تخلوا أي حصة دراسية كما و نوعا من الأسئلة التدريسة عبر استراتيجيات وطرائق التدريس المختلفة، و هي الأكثر شيوعاً واستخداماً سواءً في التدريس التقليدي أو الحديث… وتتطلب الأسئلة الصفية مهارات و قدرات في الإعداد والتخطيط و كيفية توظيفها بكفاءة، والتعامل مع جوانب السؤال من طرحه و تلقيه، والتعامل مع مواقفه المختلفة. وهذا يقودنا لتسليط الضوء على الأسئلة الصفية ومهاراتها والتحدث عن تطبيقاتها و دورها في العملية التعليمية، فضلاً عن تناول واقعها في دول مثل الأردن و المملكة العربية السعودية و البحرين و غيرها من دول العالم. و الملاحظ وجود ضعف عند معظم المدرسين في امتلاك مهارات الأسئلة الصفية ، ونقصد الأسئلة الشفوية التي تطرح في الغرفة الصفية في خضم العملية التعليمية.

و التدريس فن يتطلب وجود رسالة يتفاعل فيها المعلم و الطالب، إذ يكون المعلم فيها مرسلاً و الطالب مستقبلاً تارةً، ويكون الطالب مرسلاً والمعلم مستقبلاً تارةً أخرى. و يمثل استخدام الأسئلة في الصف أكثر أساليب التعليم شيوعاً في دينامية التواصل و الاتصال، و التأكد من اتجاه الأفكار المتبادلة نحو تحقيق الهدف المحدد. و الأسئلة الصفية هي المحرك الأساسي للممارسات التدريسية بجودتها و سلامتها من أجل تدريس فعال في جو يسوده التفاعل و المشاركة.
و هنالك مكانة مرموقة للأسئلة في التدريس، فقد كشفت دراسة فلاندرز (Flander)، أن السلوك اللفظي للمعلم يشكل جزءاً كبيراً من وقت الدرس. فالمعلم يسأل في اليوم الدراسي الواحد ( 395 ) سؤالاً بمعدل (100) سؤال في الساعة، بنسبة تصل إلى (30 %) من الوقت الكلي المخصص للتدريس.

فكل يوم من أيام الدراسة تطرح أسئلة، ويتطلب طرح الأسئلة مهارات خصوصاً عندما يكون التدريس فعالًا. وإتقان المهارة يحتاج إلى وعي و معرفة بكيفية إعداد و صياغة و توظيف الأسئلة في المواقف التدريسية، إذ أنها مهارة تحتاج إلى وقفة تأملية في ممارساتنا التدريسية، و معرفة نقاط القوة و نقاط الضعف. إن القدرة على توجيه الأسئلة الجيدة ليست موهبةً فطريةً، ولكنها مهارة يمكن أن تكتسب وتنمّى بالممارسة، و نستطيع القول بأن المعلم الذين لا يجيد صياغة الأسئلة الصفية و تطبيقها في الممارسات التدريسية يجد صعوبة كبيرة في تعليم طلابه.

مفهوم السؤال

عرف قرعان (2016) السؤال: بأنه عبارة عن جملة استفهامية تتسم بالوضوح، وتحتاج إلى إجابة مرتبطة بهدف تعليمي. وهذا التعريف يشمل ما يأتي:

  • السؤال يتضمن أداة استفهام أو جملة طلب واستيضاح.
  • السؤال يتسم بالوضوح في صياغته و لغته سليمة صحيحة التعبير، بعيداً عن الغموض.
  • السؤال يتطلب إجابة من الطالب، بمعنى يحتاج إلى تفكير و جهد للوصول إلى الحل.
  • هنالك مستويات السؤال يتضمن كل سؤال مستوى محدد
  • السؤال نوع من الاتصال المباشر يهدف إلى تحقيق هدف تعليمي.

استخدامات الأسئلة الصفية

و تستخدم الأسئلة الصفية في العملية التدريسية باستخدامات متعددة و بحسب الأهداف المسطرة، و من استخدماتها
تحديد متطلبات التعلم السابقة ضمن ما يسمى التقويم التشخيصي، إذ تكشف الأسئلة مدى امتلاك الطلبة للمتطلبات الأساسية اللازمة كشرط لتعلم الموضوع الجديد، ومثال على هذا النوع:
في تدريس قواعد اللغة العربية موضوع المبتدأ و الخبر يطرح السؤال الآتي: تقسم الجمل في اللغة العربية إلى قسمين هما؟ وما الفرق بينهما؟

وعموما، تستخدم الأسئلة الصفية بهدف:

التهيئة و التحفيز: وتكون في بداية الدرس من أجل التهيئة للموضوع الجديد و إثارة الدافعية وتحفيز المتعلمين، و ربط الدرس الجديد بالسابق، مثال: ما رأيك في هذا الموضوع؟ في العنوان؟

تقييم فهم الطلبة: و تستخدم من أجل التأكد من استيعاب المعرفة و التعلم و مدى فهم الطلبة للمادة، و مثال ذلك: من يشرح لي كيفية الوضوء؟

ضبط سلوك الطلبة: وتستخدم عندما يشعر المعلم ببعض التجاوزات و السلوكات غير المرغوب فيها في الصف، و مثال ذلك: من يعيد الفكرة العامة للنص مرةً أخرى؟ هل تؤيد هذا الكلام؟

تنمية مهارات المحادثة و النقاش و الحوار: ويكون ذلك باستخدام أسئلة تصف المشاعر و تبين الآراء و تقبل وجهة النظر بالتبرير المنطقي، و مثال ذلك: ما رأيك في الشعر الحر؟ أيهما أفضل الشعر الحر أم الشعر العمودي و لماذا؟

تنمية مهارات التفكير: تستخدم هذه الأسئلة من أجل تحفيز الطلبة على استخدام مهارات عليا من التفكير و استخدام أنماط التفكير العليا، كالتفكير الناقد و التفكير الإبداعي و التفكير السابر. مثال على ذلك: اذكر أكبر عدد من مرادفات كلمة المجتمع؟

التغذية الراجعة: تقديم التغذية الراجعة الفعالة للطلبة و التأكد من فهم و هضم المادة وسد الثغرات المعرفية.

أنواع الأسئلة

الأسئلة الضيقة (Convergent) أو المغلقة:  تشجع على إجابة خاصة باستجابة واحدة أو عدد قليل من الاستجابات. وهي أسئلة لا تحتمل إلا إجابة واحدة محددة مثال:
ما هي عاصمة فلسطين؟
ما هي أقسام الجملة في اللغة العربية؟
هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة محددة أو اجابات قصيرة، وعادةً تطرح بهدف استدعاء معلومات و خبرات سابقة.

الأسئلة الواسعة المفتوحة (Divergent): هي الأسئلة التي يكون لها أكثر من إجابة واحدة، وتشجع على إجابة عامة أو واسعة، وهي طويلة نسبياً. وهذا النوع من الأسئلة ليس له جواب واحد، أو جواب مثالي لأنها تستدعي معلومات أوسع و أعمق مما هو متوفر في الدرس و تتطلب رأياً ذاتياً أو حكماً أو توقعاً. مثال ذلك:
ما رأيك في الشعر الحر؟
اذكر مقترحات للحد من البطالة؟
ففي هذا النوع من الأسئلة نجد إعمالاً للعقل، ومشاركة واسعة من الطلبة، كما أنها تفيد في العصف الذهني، وتحفز الطلبة على التعلم الذّاتي، ولذلك يسميها البعض أسئلة التفكير المتمايز.

أسئلة التفكير: وتقسم إلى:

  • أسئلة تقيس المهارات الدنيا من التفكير: أسئلة من النوع البسيط التي لا تتطلب جهداً في التفكير. لأنها تتطلب تذكر بعض الحقائق دون جهد فكري عميق مثل الأسئلة المغلقة.
  • أسئلة تقيس مهارات التفكير العليا: تتطلب الإجابة عنها مهارات تفكير عليا وجهد عال في البحث و الاستقصاء عن الوصول إلى الحل كالتحليل والتقويم.

الأسئلة السابرة: تعد الأسئلة السابرة بمثابة الدليل والمساعد للوصول إلى المعرفة، وذلك عندما يقدم الطالب جواباً سطحياً أو غير مكتمل، أو يعتريه الشك. فمن المفيد له طرح الأسئلة السابرة التي تدفعه إلى التعمق في المعرفة للوصول إلى الجواب الشافي والوافي. وتعرف الأسئلة السابرة بأنها سلسلة من الأسئلة تسهم في معالجة إجابة الطالب السطحية أو غير المكتملة من خلال الغوص في أعماق الإجابة الأولية باستخدام التفكير العميق، و تقود هذه الأسئلة إلى توليد العديد من المعرفة و التوضيح و التركيز. قرعان و العزاوي (2016).

واقع الأسئلة الصفية

أثبتت كثير من الدراسات أن المعلمين يطرحون عدداً كبيرًا من الأسئلة في الصف، وأن معظم هذه الأسئلة من نوع أسئلة الحفظ والتذكر التي لا تتطلب إلا فهماً سطحياً للمادة. وبالنظر إلى واقع الأسئلة الصفية السائد لدى أغلبية المعلمين، نلاحظ أن هناك ضعفاً عاماً في مستوى هذه الأسئلة وانحصارها بشكل تقليدي على زوايا معينة، مما يضعف من تأثيرها ويقلل من أداء الدور المنوط بها.
فبعض الممارسات التي ظهرت من المعلمين كالارتجال في التدريس قد جعل الأسئلة المستخدمة في المناقشة متدنية القيمة، وجعلت من الطالب متلقياً سلبياً، و بدا أن هذا النوع من الأسئلة لا يسهم في تحقيق الأهداف التي تسعى المؤسسات التربوية إلى تحقيقها.

وهنالك دراسات متعددة في الأردن على عينة مختارة من معلمي اللغة العربية، والتربية الاجتماعية تناولت الموضوع. ففي دراسة قرعان ( 2016)، تبين ضعف مهارات معلمي اللغة العربية في تناول إلقاء الأسئلة وتوظيفها، وإن أسئلة المعلمين لا توظف بشكل صحيح. فالمعلمون في تدريسهم يوجهون أسئلة تدور في فلك الحفظ والتذكر، وهذا ما أكدته كل من الدراسة الآتية:  العظامات (2010)، فضلاً عن دراسة أبو محفوظ وخليفة (2013)، التي بينت أيضاً ضعفاً في مهارات الأسئلة الصفية لدى معلمي التربية الاجتماعية في الأردن.
وقد بينت هذه الدراسات حجم المشكلة التي أصابت الممارسات التدريسية بطرح أسئلة غير فعالة، مما يعطينا مؤشراً على تدني جودة التعليم و انحصاره في زاوية مظلمة.

وفي السعودية، تبين دراسة العنزي (2002) أن مستويات الأسئلة الشفوية التي يطرحها معلمو اللغة العربية بمحافظة القريات كانت تشير إلى أنها تقيس مستوى متدنيا من التفكير، وهذا بحد ذاته يعد معضلة في التدريس، مما يثير حاجة ماسة إلى التركيز على موضوع الأسئلة ومهاراتها.

أما في البحرين فقد أشارت دراسة فخرو ( 2001) أن الأسئلة الصفية لمعلم الاجتماعيات في المرحلة الثانوية كانت متدنية المستوى وفقاً لتصنيف بلوم. بمعنى أن الأسئلة كانت من النوع الرديء من حيث تصنيف بلوم للمعرفة.

وفي دول أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أشارت دراسة كيرياكو (Kyriacou.2004) إلى أن الكثير من المعلمين لا يركزون على نوعية الأسئلة، ولا يوظفون مهارات الأسئلة بشكل كبير، حيث أنهم يركزون على طرح الأسئلة ذات المستوى المنخفض، بعيداً عن استخدام تقنيات طرح الأسئلة، ومواصفات السؤال الفعال. وأشار أورليخ (Orlich.2003) أيضاً إلى أن نتائج الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، حول الأسئلة التي تطرح من معظم المعلمين تخص المستويات الدنيا من تصنيف بلوم المعرفي، ونادراً ما تكون من المستويات العليا، وأن الطلبة ليس لديهم القدرة على الإجابة عن أسئلة ذات مستويات عليا.

ومثل هذه النسب غير المتوازنة بين أسئلة استرجاع الحقائق، وأسئلة التفكير العليا تنذر بالخطر، إلا أن ما أجري حديثاً من دراسات في بريطانيا وأمريكا أظهرت تغيراً طفيفاً في استخدام الأسئلة، وتوظيفها بالشكل الصحيح نتيجة تسليط الضوء على هذا الواقع والمعالجة الصحيحة من تدريب وتكوين.
ويجدر بنا في الوطن العربي أن نسلط الضوء أيضا على أهمية الأسئلة الصفية ، وتمكين المعليمن من إتقان مهاراتها، باستهدافها من خلال البحوث و الدراسات و المقالات و الدورات التدريبية.

إغلاق