اخبار التعليم
رؤية نقدية لواقع مناهج العلوم في المملكة العربية السعودية
يشهد العصر الحالي (الرقمي) تطورات معلوماتية وتكنولوجية ألقت بظلها على النظام التعليمي لضرورة مواكبة هذا القطاع لتلك التطورات، وذلك لأن النظام التعليمي هو الجهة الرسمية الكفيلة بإعداد الأفراد المؤهلين للقيام بدور فعال في تنمية مجتمعاتهم، ويتم ذلك من خلال المناهج الدراسية الرسمية.
ويرى خطابية (2011) أن مناهج العلوم لها أهمية بالغة في تقدم المجتمعات، حيث يرتكز تعليم العلوم على جعل الاستقصاء العلمي محور التعليم والتعلم وجعل المتعلم النشط محور العملية التعليمية. من أجل ذلك كان لا يزال هناك حراك تربوي لتطوير وإصلاح مناهج العلوم على المستوى الدولي والمحلي (الفياض، 2009).
وارتكز الإصلاح التربوي من منتصف ثمانينات القرن العشرين إلى العصر الحالي على حركة المعاير في إصلاح المناهج التعليمية، وذلك لأن المعايير ترتكز على الجانب البنائي الذي يفعل دور المتعلم ولأنها تهتم بالفروق الفردية للمتعلمين. ويوضح هيرمان (2009، Herman) أن المعاير تهتم بالمعرفة والمهارات التي يجب أن يؤديها المتعلم وتكون واضحه قليلة العدد متسقة مع العصر ومتطلباته ومنسجمة مع حاجات المعلم والبيئة والمجتمع، وتتضمن الكفايات الأساسية لكل منهج تعليمي دراسي.
وبالرغم من اعتماد مناهج العلوم في المملكة العربية السعودية حاليا على معايير التربية التعليمية (NSES) الأمريكية ومواءمتها لها منذ عام (2008) إلا أن نتائج الدراسات التي تمت على مناهج العلوم في الوطن العربي أو بالمملكة العربية السعودية أوضحت مدى القصور الذي تعاني منه المناهج الحالية، ومنها دراسة تهاني السعيد (2011)، والشعيلي (2011)، وعسيلان (2011)، والغامدي (2010)، والفهيد (2013)، وحجازي (2014)، والجبر والشايع والمفتي (2016) وكذلك التقرير الصادر عن مركز التميز البحثي بجامعة الملك سعود (الشمراني، البرصان، الدرواني، 2016) والذي أوضح فيه النتائج المنخفضة في الاختبارات الدولية ومنها اختبار التميز (Timss) لعام 2015م في مقرر العلوم للصف الرابع والثامن بالمملكة العربية السعودية ، دعت تلك الدراسات إلى ضرورة إعادة هيكلة مناهج العلوم الحالية وتطويرها.
والسؤال الذي يبرز في هذا السياق هو: أين الخلل في تحقيق المعاير (NSES) بالرغم من تطبيقها في الولايات المتحدة الأمريكية ونجاح التجربة؟ ويمكن تحليل جوانب الخلل في عدة نقاط منها :
- عدم وجود فلسفة تربوية واضحة تحدد الإطار العام الذي تنطلق منه الأهداف العامة والخاصة ومنها تنطلق المعايير للمناهج سواء أكانت (محتوى، متعلمين، معلمين ، مؤسسة تعليمية…) والتي على ضوئها تندرج الكفايات التعليمية لكل منهج ونواتج التعلم المتوقعة من المتعلمين وبالتالي أدى ذلك إلى ضعف المخرجات التعليمية وعدم القدرة على قياسها في ضوء فلسفة تربوية واضحة ( السعدوي ، والشمراني 2016).
- استنساخ التجربة الأمريكية ومواءمتها دون دراسة العوامل والقوى المؤثرة على تللك الأنظمة، وكان من الأفضل المقارنة بأنظمة تعليمية قريبة ومشابهة ومتطورة مثل النظام التعليمي الماليزي او السنغافوري، والاستفادة منها في تطوير نظامنا القائم وتبني فلسفة تربوية معينة والعمل بمقتضاها.
- عدم توظيف النماذج التطويرية في المناهج كما ذكرها العامر (2008) لتستمد منه التنظيمات والعمليات والإجراءات وينطلق منها تطوير المناهج.
- ضعف المتابعة والتقويم المستمر لجميع الجوانب التطويرية سواء المتعلقة بالتخطيط أو التنفيذ أو التجريب أو التقويم وإن وجدت فهي لا تحقق التكامل والتناسق والتزامن فيما بينها.
- اقتصر تطوير مناهج العلوم على المقررات الدراسية (الكتاب المدرسي) وذلك باعتباره ترجمة رسمية لوثيقة المنهج، وأُهمل تطوير المعلمين والبيئات التعليمية واحتياجات المعلمين، حيث كان من المفترض تبني نموذج نظامي لتطوير المدخلات والعمليات والمخرجات مع وجود تقويم مستمر ( تغذية راجعة).
- تركز تطوير مناهج العلوم على معاير المحتوى (ما يجب أن يعرفه المتعلم). فلو نظرنا إلى معايير المحتوى العلوم في المناهج الحالية ووثائق المناهج، سنجد أنه لم يتم تحديد المعاير بصورة واضحة ودقيقة لكل من المعلم والمتعلم، وتم الاكتفاء بأهداف سلوكية متعددة تركز على الجانب المعرفي بدرجة كبيرة جداً وتم إغفال الجانب المهاري والقيمي لدى المتعلم، وتم تنظيم المنهج بالاعتماد على الوحدات المبنية على المعرفة العلمية. وهذا التنظيم يجزئ المعرفة العلمية ولايتم الربط بين فروع العلوم المختلفة، لذا لابد من إعادة النظر في التنظيم ليكون بصورة تكاملية وتنسجم وحدة المعرفة العلمية خصوصا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة.
- ضعف في تركيز المنهج على معايير الأداء (ما يجب أن يؤديه المتعلم ويمارسه ومستواه) سواء داخل أو خارج المدرسة، وتركيزالتقويم على الجانب المعرفي بصورة تقليدية كالاختبارات وضعف في تقويم الأداء.
- إهمال في تنمية الجانب القيمي وترسيخه وتعديل التصورات الخاطئة لدى المتعلم في الجانب القيمي، حيث لم تتضح فيه الآلية والاستراتيجيات وأوكلت المهمة للمعلم بصرف النظر عن فلسفتة وأيديولوجيته الخاصة. ولم يحظى المعلم بدورات في هذا الجانب كما في الجانب المعرفي للمنهج، فهذا الجانب مهم ولابد من تضمينه بصوره صريحة أو مباشرة مع وجود تقيم وتقويم بصورة لا تقل أهمية عن الجانب المعرفي أو المهاري.
- عدم وضوح معاير العلوم لكل من المعلم والطالب كما أوضحته دراسة (فقيهي 2016) ودراسة الغامدي (2010) من خلال ممارسة معلمي العلوم لمعايير التربية العلمية ( NSES) أثناء التدريس، ويرجع ذلك إلى عدم توفر المصادر اللازمة والوقت الكافي للتدريس والتدريب.ويشير برود وايفانز (Broad & Evans,2006) أن التعليم المعتمد على المعايير لا ينجح من دون استيعاب مفاهيمه ومتطلباته ميدانيا، ففي الممارسات المهنية للمعلم يكون المعلم متمكنا وقادرا على توصيل المعارف الأساسية والتدريب على مهارات العلم الأساسية والتكاملية.
- من أبرز معيقات تطبيق معايير العلوم البيئة التعليمية غير الملائمة حيث توجد عوائق مادية وبشرية متمثلة بكثرة عدد المتعلمين وضعف استخدام التقنيات التعليمية، وضعف التجهيزات المختبرية والبناء المدرسي غير المناسب لبيئة التعليم وهذا ينعكس بدوره على سير الأنشطة التعليمية مما يؤثر على التعلم. (خلود الجزائري ،2011)
واستقراءً لما سبق، نجد أن تطوير مناهج العلوم بالمملكة العربية السعودية لابد أن ينطلق من رؤية 2030 في تبني التنمية المستدامة للأفراد في عالم متغير مع الحفاظ على الهوية الرئيسية والقيم وتحويل الرؤية إلى رسالة وأهداف ومعايير لكل منهج ثم الاعتماد على نموذج تطويري نظمي يسير وفقه بدلا من استنساخ التجارب الدولية وملاءمتها، ولابد من التكامل والتنسيق والتزامن لجميع الجوانب المرتبطة بتطوير المنهج وعملياته ومخرجاته وخلال فترة زمنية محددة.
تعليم جديد