مفاهيم

مجتمعات التعلم المهنية: المفهوم، المبادئ وعوامل النجاح

تعتبر مجتمعات التعلم المهنية أحد الأساليب الواعدة لتحسين النظم التعليمية، وركيزة أساسية في برامج التطوير والتنمية المهنية للمعلم، والتي تطور مفهومها منذ التسعينات باعتبار المدرسة المجتمع والوحدة الرئيسة في إحداث التحولات الفعالة، ووسيلة منهجية لتحسين أداء التعليم والتعلم والثقافة المدرسية.

فمن خلال تصميم مجتمعات التعلم المهنية بالإمكان التغلب على ثقافة الانعزال وتجزيئ عمل المعلمين والانفراد. إذ بينت عدد من الدراسات أهمية التعاون بين المعلمين وأثره على الرضى الوظيفي وشعورهم بالمسؤولية نحو تعلم الطلاب، إضافةً إلى أن المعارف والمهارات الحاسمة في التعلم تكمن في خبرات المعلمين وممارساتهم وليس في الكتب والمراجع. وهذا يتطلب فتح قنوات الاتصال بين المعلمين لتبادل الأفكار وتشاركها لتسهم في تطوير المهارات والمعارف لدى المعلمين.

فلسفة ونشأة مجتمعات التعلم المهنية

تعود جذور فكرة مجتمعات التعلم إلى فلسفة جون ديوي الذي أكد على التعلم الجماعي، إضافةً إلى ظهور نظريات التعلم التعاوني وفرق العمل، التي أغنت مفهوم مجتمعات التعلم الذي برز لتعزيز المفاهيم المشتركة وتحقيق التآزر والمشاركة والتوافق بين الجهد الفردي والجماعي لتحقيق الانسجام والتكامل. ويعد “بيتر سينج” هو المؤسس لمنظمات التعلم والذي أكد على أهمية مجتمعات التعلم في المدارس. وظهر مفهوم مجتمعات التعلم في أواخر ثمانينات القرن العشرين وفي بداية القرن الحادي والعشرين، بتحول العالم من مجتمع الصناعة إلى مجتمع ما بعد الصناعة، ومن مجتمع المعلومات، إلى مجتمع المعرفة، وهذا التحول المتسارع يتطلب من الإنسان المعاصر أن يكون منخرطاً باستمرار في جماعات التعلم، وأن يتعلم الإنسان محتوى فاعلا ويتعلم كيف يتعلم.

مفهوم مجتمعات التعلم المهنية

يتضمن مفهوم مجتمعات التعلم المهنية مبدأ التعلم الذي يدفع المدرسة نحو التقدم الدائم، وهذا ما أشارت إليه هورد (1997، Horde) بأن مجتمعات التعلم المهني عبارة عن مجموعة من المهنيين داخل المدرسة، يعملون في مجموعة واحدة، ويسعون لتحقيق هدف التعلم، وهذا التعلم قائم على دراسة وتخطيط وليس عشوائيا. (المطيري، 1439ه)

فمجتمعات التعلم المهنية عبارة عن مجموعة من الأفراد المنتمين إلى نفس المهنة، يلتفون حول رؤية ورسالة واحدة تترجم إلى أهداف مشتركة، ثم يحولون الأهداف إلى مهام، يتم تنفيذها بصورة تعاونية وبروح من المسؤولية المشتركة بينهم، من خلال أوعية متعددة تتيح تبادل الخبرات واكتساب أفضل الممارسات ومعالجة الصعوبات والتحديات التي تواجه عملهم، ويكون تعلم الطالب بؤرة التركيز لعمل مجتمعات التعلم للمدرسين الذين ينخرطون في عملية منهجية مستمرة في دورات متكررة من البحث الاستقصائي والإجرائي لتحديد توقعاتهم من تعلم جميع الطلاب، وكيفية تقييم مدى تعلمهم، وتطوير المدخلات اللازمة لمساعدة الطلاب الذين يواجهون صعوبات التعلم، الأمر الذي يساعد على توجيه إمكانات المدرسة لغايتها الأساسية وهي تحسين تعلم الطلاب. (تطوير، 1436ه) (مكتب التربية العربي لدول الخليج، 2011م)

المبادئ الأساسية لمجتمعات التعلم المهنية

لمجتمعات التعلم المهنية عدد من المبادئ والخصائص منها: (تطوير،1436ه) (توفيق، 2017م)

  • تشارك الرؤية والقيم والأهداف

لتوضيح الأولويات وترسيخ هدف المؤسسة وغرس الاتجاه نحوه لكل من يعمل في المؤسسة، وعرض صورة مشرقة لمستقبل المؤسسة.

  • تبني ثقافة التعاون

يتعاون المعلمون بشكل تبادلي من أجل التأثير على ممارساتهم الصفية، مما يتطلب من المدرسة التأكد من مشاركة جميع المعلمين في الفرق التي تركز على تعلم الطلاب، والتحقق من توضيح هدف التعاون ووضع الأنظمة، وتدريب المعلمين وتقبلهم للمسؤولية الفردية والجماعية للعمل كزملاء مهنيين.

  • التركيز على تعلم الطلاب

بتغيير اتجاهات المعلمين إلى الإيمان بقدرة جميع الطلاب على التعلم، وإتاحة فرص التعلم لجميع الطلاب.

  • التركيز على النتائج

التركيز على نتائج الطلاب وما يتعلمونه ويستطيعون القيام به مؤشر على نجاح التنمية المهنية للمعلم وبالتالي تحسين التدريس والتعلم. (المطيري، 1439ه) (تطوير، 1436ه)

عوامل نجاح مجتمعات التعلم المهنية

يرتبط نجاح المجتمعات المهنية بعدة عوامل، تتعلق بالثقافة والعلاقات ومكان العمل، والتي تركز على تعلم الطلاب في إطار من التعاون؛ وهي باختصار:

  • إيجاد نظام فاعل لتطبيق مجتمعات التعلم المهنية.
  • القيادة الداعمة على مستوى المدرسة.
  • القيادة الداعمة على مستوى إدارة التعليم.
  • البنية التنظيمية الداعمة.

مزايا مجتمعات التعلم المهنية

تسهم مجتمعات التعلم المهنية في تحقيق مجموعة من المزايا للمجتمع المدرسي تذكر (تطوير، 1436ه) عدد من تلك المزايا ومنها:

أولاً: لأعضاء المجتمع المدرسي

تسهم المجتمعات المهنية في زيادة سرعة استجابة المعلمين للمستجدات، وتحديث معارفهم باستمرار، وتعميق ممارسات التعليم من خلال تطبيق وتجريب استراتيجيات محددة في مواقف مختلفة، والتعرف على الممارسات المتنوعة في البيئات المختلفة، وجسر الفجوة في الأداء بين المشاركين، والتخلص من أسوار العزلة بين أصحاب التخصص الواحد وبين التخصصات المختلفة وبين المواقع الوظيفية. كما تسهم في زيادة الرضى الوظيفي والإبداع في المهنة، وتوفير البيئة الداعمة والإسناد للمستجدين.

ثانياً: المدرسة

تسهم المجتمعات المهنية في مواجهة ومعالجة التحديات التي تعوق عمل المدرسة بفاعلية، والتحول بالمدرسة إلى مؤسسة تعلم عالي النوعية لجميع منتسبيها، بتوفير مصادر أكبر وأكثر تنوعا.

ثالثا: التنمية المهنية

تساعد المجتمعات المهنية بجعل التنمية المهنية أكثر فاعلية، حيث تبين أن المتعلمين يكتسبون ۷۰ % مما يحتاجونه من خلال التجربة والممارسة في بيئة العمل أو ۲۰٪ من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، بينما يحصلون على 10 % فقط من خلال التدريب والتعلم التقليدي. (جي كروس.2011) ويؤكد كل من بروس جويس وبيفرلي شاورز ( تصميم التدريب وتدريب الأقران،2002 )، على أن ما يصل إلى الفصل الدراسي من التدريب النظري نسبة تكاد لا تذكر، بينما 95٪ من الدعم والإسناد في بيئة العمل وتدريب الأقران يؤثر على أداء المعلم في الفصل الدراسي.

أوعية مجتمعات التعلم المهنية

تأخذ مجتمعات التعلم أوعية مختلفة في تشكيلها، فيمكن أن تكون فريقاً لتقديم الدعم للطلاب الذين يواجهون تحديا في التعلم والتحصيل، ويمكن أن تكون شبكة من المعلمين المتميزين في مهارة محددة ينسق المشرف التربوي عملهم لتقديم الدعم لأقرانهم فيما يخص تلك المهارة. وتمارس مجتمعات التعلم عملها من خلال عدة أوعية منها: (التدريب المباشر- ورش العمل وحلقات النقاش – المؤتمرات والندوات المتخصصة – البرامج الأكاديمية – البحوث الإجرائية – التدريب بالأقران – التوأمة المهنية – الشبكات المهنية – مجموعات التخصص).

كما يمكن تصنيف مجتمعات التعلم حسب محور اهتمامها على النحو الآتي:

  • مجتمع يركز على الطالب: يبحث في تعلم الطالب في أكثر من مادة دراسية.
  • مجتمع يركز على المادة الدراسية: ويبحث في تطوير أفضل ممارسات تعلم المادة.
  • مجتمع تربوي: يركز على قضايا تطوير العمل التربوي في المدرسة وخارجها.

 

(تعليم جديد)

إغلاق