اخبار التعليم

واقع التعليم في العالم العربي

ما الذي نريده من التعليم في عالمنا العربي؟ وهل يحقِّق الواقع التعليمي شيئاً مما نريده؟

في هذ التقرير أناقش واقع التعليم المدرسي و الجامعي في العالم العربي من حيث الأرقام والحقائق والقضايا الإشكالية والمنهجية في منظومة التعليم العربي بشكل عام، والنظر في حال بعض الدول العربية وما الذي تعانيه بشكل خاص أو ما تقدمه من إضافات نوعية.

أرقام وحقائق:

نظرة سريعة على الأرقام التي تصدرها المؤسسات العربية العاملة في مجال التربية والتعليم في الوطن العربي نجد بأن عدد الأمِّيين في العالم العربي يكاد يصل إلى حوالي 54 مليون أمِّي وقد تم تسجيل تراجع  بطيء  لعدد الأميين  في الوطن العربي بين سنتي 2008 و2015 من حولي 58 مليون إلى 54 مليون ّ أمي. علما أن عدد سكان الوطن العربي يبلغ حوالي 327 مليون نسمة حسب تقرير (UNFPA) لحالة سكان العالم.[1]

وحسب البيانات أيضاً فإنه و حتى عام 2024 يتوقع أن يكون هناك 49 مليون أمي في العالم العربي. من بينهم حوالي 15,5مليون ذكر و33,5مليون أنثى. يبلغ عدد الأميين الشباب منهم حوالي 6,5 مليون. [3]

وحسب المرصد العربي أيضاً فإن حوالي 5,6 مليون طفل عربي ما بين 6-11 سنة لم يلتحقوا اساساً بالمدرسة (61,2 % منهم من الإناث) هذا في عام 2014.[4]

الدول العربية التشابه و الاختلاف

لا يمكن التعامل مع الدول العربية جميعاً بنفس الطريقة من حيث بحث وتحليل الواقع التعليمي فيها، وإن كان هناك العديد من المشكلات المشتركة بين هذه الدول إلا أن الخصوصية التي تحملها كل دولة ترتبط بقضاياها الداخلية التي أثَّرت على مجمل مجريات الأحداث فيها منذ حقبة ما بعد الاستعمار حتى الثورات العربية ضد أنظمة الاستبداد التي نعيشها اليوم.

وقد كانت الثورات العربية الحالية مؤذنةً بتغيير كبير على جميع الصعد ومنها التعليم الذي يشكل رافعة النهضة الحقيقية لأي مشروع حضاري، ولكن حالة الارتداد التي شاهدناه تتم في جميع بلدان الربيع العربي خاصة مصر جعلتنا نطالع نتائج كارثية على العملية التعليمية بمجملها في المدى المنظور.

ويمكننا تقسيم الدول العربية إلى قسمين، دولٌ حققت نجاحات معينة في ميدان تطوير التعليم على المستوى المدرسي والجامعي. ودول أخرى لا تزال تعاني من مستوى تعليمي متدني ونظام تعليمي متخلف لا يحقق أدنى متطلبات حاجات العصر و المجتمع.

فبالنظر إلى الدول التي أحرزت نجاحات متقدمة على باقي الدول العربية في ميدان التعليم سنجد بعض دول الخليج والسعودية في المقدمة، فقد استطاعت هذه الدول أن ترفع من عدد الملتحقين بالتعليم المدرسي إلى مستويات متقدمة، ثم  رفع كفاءة المعلمين واستيراد مناهج تعليمية متقدمة والسعي في تطوير الأنظمة والقوانين والمظاهر العمرانية كالمدارس والجامعات والمباني التعليمية.[5] ولقد أظهرت العديد من التقييمات الدولية تقدم هذه الدول في الميدان التعليمي مثل حصول قطر على المرتبة الرابعة في جودة التعليم على مستوى العالم تلتها الإمارات العربية المتحدة التي جاءت في المرتبة 10 عالمياً والبحرين 33 والسعودية 54.[6]

هذا بالإضافة إلى ظهور بعض الجامعات في مراتب متقدمة على مستوى العالم، فحسب تقييم جامعة شنغهاي الشهير تتقدم الجامعات السعودية على جميع جامعات الوطن العربي بترتيب 159 و160 لجامعتي الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود.[7] وحسب تصنيف  (Qs) “ظهرت السعودية في قائمة التصنيف بست جامعات محققةً الحصة الأكبر تلتها مصر بجامعتين ومن ثم الإمارات بخمس جامعات وكان لكل من لبنان والأردن جامعتان، وجامعة واحدة لكل من عمان وقطر والبحرين. بينما غابت عن القائمة الجامعات السورية ومنها جامعة دمشق، وغابت أيضاً جامعات العراق والجزائر والمغرب وتونس والسودان وليبيا وموريتانيا واليمن.”[8]

ويعود تفوق الجامعات السعودية ودول الخليج – كما يبدو- إلى الإنفاق على التعليم الذي تزايد في الآونة الأخيرة بشكل ملفت حيث استقطبت هذه الدول عدداً كبيراً من علماء العالم ومولت مشاريع بحثية وانخرط العلماء العاملون في المملكة في مشاريع بحثية كبرى مع العديد من جامعات العالم.[9]

وعلى الرغم مما سبق من حديث عن تطور أنظمة التعليم وكفاءتها في السعودية ودول الخليج وتصدرها عربيا وصعودها دولياً إلا أن هناك العديد من المظاهر الخادعة والبيانات المضللة، فالمال قادرٌ على صنع الكثير من المظاهر ولكن الخوض والبحث العميق في الجوهر يُظهر لنا الحقيقة. فدول الخليج لا تزال تعاني حسب الدكتور عبد العزيز الحر أستاذ المناهج في جامعة قطر من 4 مشكلات كبيرة تكفي لإظهار حقيقة الواقع بدون تزييف فهو يرى بأن هذه المشكلات تتمثل في: اللا هوية، اللا رؤية، اللا استراتيجية، اللا تحدي.[10]

وهي مشكلات تنسحب كما يبدو على كل الدول العربية التي لم تحدد هويتها بعد هل تريد تعزيز قيم العروبة أم الإسلام أم الحداثة أم الغرب أم الشرق؟ وهي كذلك تتخبط في رؤيتها بين ضعف القدرة على التخطيط وصياغة الاستراتيجيات وبين المناكفات السياسية والشخصية بين الوزراء والمدراء والمتنفذين والعسكرين والمدنيين. كل ذلك في ظل غياب الهدف فما الذي نريده من التعليم وإلى أين نريد أن نصل، منافسة العالم أم تصدُّر العالم الاقتصادي الصناعي أم الزراعي أم التقني أم الإنساني؟ والقضية الأخيرة التي يظهر أثرها على ثقافة الفرد والمجتمع تجاه التعليم وهي غياب الهدف الذي يصنعه التحدي فكل شيء متوفر والمستقبل الوظيفي والأمان المالي مضمون في ظل حالة الرخاء الاقتصادي التي تعيشها دول الخليج والسعودية في هذا الوقت جعلت من المواطن لا يحمل أيَّ تحدٍ وبالتالي ليس له هدف وبذلك تضيع ثقافة التعليم وشغف الإنسان بطلب العلم وإذا ضاع ذلك كله فما الذي يبقى من العملية التعليمية؟!

بينما نجد بعض الدول العربية قد غرقت في الحروب والمشكلات التي تحتاج إلى سنوات طويلة لحلها انطلاقاً من حل مشكلاتها السياسية ابتداءً وصولاً إلى إصلاح منظوماتها المجتمعية. وهنا يمكن أن نشير إلى عدة دول بشكل رئيسي:-

سوريا: والواقع السوري اليوم قد أحال البلد بعد أكثر من 5 سنوات من الحرب المستمرة والمتشظية إلى دمار وقد أظهر تقرير اليونيسيف أرقاماً صادمة حول واقع التعليم حيث يظهر التقرير: تدمير 33% من المدارس وأن هناك حوالي 2,8 مليون طفل سوري خارج المدرسة. كما أن نسبة الأطفال المشردين داخل سوريا وخارجها تبلغ حوالي 5,5 مليون طفل.[11] هذا الواقع المأساوي يغلق الباب أمام أي محاولة للبحث في واقع التعليم في بلد تعيش حالة حرب مستمرة اجتمعت فيها كل مصالح وتناقضات العالم لتتصارع على الأرض السورية.

العراق: لا تختلف العراق في واقعها المأساوي عن سورية وإن كان طول المدة وطبيعة النظام الحاكم قد أدَّت إلى عدم تسليط الضوء على واقعها كما هو الحال في دول أخرى. وتعيش العراق ضمن واقع مرتبك منذ احتلالها عام 2003 الذي دمَّر البنية التحتية وأزاح الواقع السياسي انزياحاً تاماً باتجاه السيطرة الإيرانية الشاملة. التي بدأت بقتل العلماء العراقيين[12] ولم تقف عند حدود التدخل في وضع المناهج العراقية.[13] هذا بالإضافة إلى الطبيعة الطائفية التي تسيطر على واقع التعليم في العراق والتي أنتجت ولا تزال خطاباً طائفياً مدمراً يجعل من التعليم ميدانا مساهماً لاستمرار الحرب الطائفية بين مكونات الشعب العراقي.[14]

مصر:  يبلغ معدل الأمية في مصر  للسكان -15 سنة فأكثر- 29.2% منهم 20.5% للذكور مقابل 38.1% للإناث.[15] وتحتل مصر حسب تقرير التنافسية العالمية المركز الأخير عربيا ً و116 من بين 140 دولة على مستوى العالم. بينما تحتل المركز139 –أي قبل الأخير- عالميا في جودة التعليم الأساسي.[16]

موريتانيا: تقول الأرقام الحكومية أن نسبة التحاق التلاميذ في المدارس تصل 84% ومع ذلك فإن 40% من هؤلاء التلاميذ لا يكملون دراستهم الابتدائية بل يتسربون من التعليم. أيضاً في موريتانيا توجد جامعة واحدة هي جامعة نواكشوط وهذه الجامعة تضم أربع كليات فقط هي الطب والآداب والعلوم وكلية القانون والاقتصاد إضافة إلى معهد تقني واحد، ولذلك فهناك نقص واضح وعدم ارتباط باحتياجات سوق العمل في موريتانيا من صيد وزراعة وتعدين وهندسة وغيرها والنتيجة أن 12% فقط من خريجي هذه الجامعة يجدون فرص عمل.[17] موريتانيا هي الدولة الأولى عربياً بنسبة الأمية التي تصل إلى 48%.[18]

هذه البيانات المختلفة التي أوردها كنموذج لعدة دول تعاني من مشكلات مختلفة وفي ميادين متعددة تعطينا تصوراً كافياً – ربما – عن واقع التعليم في بلادنا العربية ومقدار الانحدار الذي وصلت إليه منظومات التعليم العربية مجتمعة ومتفرقة، حيث لا يمكن لنا أن نقول بأن هناك نظام عربي واحد يحقق نجاحات حقيقية تنطلق من هوية واضحة ضمن استراتيجية واحدة إلى هدف حقيقي.

البيانات المتعلقة بالجامعات العربية ليست أفضل حالاً سواءً على مستوى الواقع الذي تعيشه الجامعات من ناحية العمران والمختبرات أو الخبرات والمناهج أو نوعية الطلاب التي تنتقل من النظام المدرسي المتهالك.

وقد وضع الدكتور نضال قسوم و أطهر أسامة بحثاً قيماً نشراه في مجلة (nature) الطبعة العربية وضعا فيه خلاصة المشكلات والمقترحات لتحسين واقع التعليم الجامعي في العالم الإسلامي. يعطي التقرير بعض الإحصاءات الأساسية في موضوع الجامعات والنشر العلمي حيث: ” تُعتبر دول العالم الإسلامي، البالغ عددها 57 دولة، وطنًا لحوالي %25 من سكان العالم، أي تلك الدول التي يمثل المسلمون غالبية تعدادها السكاني، والتي تحوي دول العالم الإسلامي، البالغ عددها 57 دولة، أي تلك التي يمثل المسلمون غالبية تعدادها السكاني والتي تنتمي الى منظمة التعاون الإسلامي (OIC) ، حوالي 25 % من سكان العالم. ولكن في 2012، ، بلغ إسهام هذه الدول في براءات الاختراع العالمية نسبة %1.6، و%6 من المنشورات الأكاديمية، و%2.4 من نفقات الأبحاث العالمية فقط.. كما حاز ثلاثة أشخاص فحسب من دول منظمة التعاون الإسلامي على جائزة «نوبل» للعلوم. واليوم، لا نجد في هذه الدول سوى 12 جامعة مصنَّفة بين أفضل 400 جامعة على مستوى العالم، ولا نجد أي جامعة ضمن أفضل 100 على مستوى العالم.”[19]

وقد تحدثا في التقرير عن ضرورة تطوير المناهج والدمج بين العلوم الإنسانية والعلوم البحتة وضرورة تأهيل المعلمين حول آليات التعليم الحديث وجعل الكفاءة والجدارة هي مقياس قبول وتخرج وترفيع الطالب وغيرها من القضايا الجوهرية التي يمكن الرجوع إليها في التقرير المنشور.

التوصيات

التقرير الذي سبق يشير بوضوح لا يحتمل التأويل أن العالم العربي اليوم يعيش في واحدة من أسوأ مراحلة الحضارية في ميدان التعليم على جميع الأصعدة. وعلى الرغم من تنبه بعض الدول العربية إلى الأمر ومحاولة تطوير التعليم في بلدانها إلا أنها محاولات ضعيفة غارقة في المظاهر العمرانية والفنية والشكلانية على حساب الجوهر. وأغلب المحاولات تأتي في سياق ملاحقة الحضارة الغربية ومعاييرها التنافسية التي لا تنسجم لا مع هويتنا ولا مع حاجاتنا.

إضافة إلى ذلك جاءت الثورات العربية وما تبعها من حروب داخلية وانقلابات وحالة توحش قضت على آمال العرب في الإصلاح والانتقال إلى نظام نابع من رحم المجتمع؛ لتكون مؤذنة بأن الإصلاح في المرحلة الحالية يجب أن يحمله المجتمع نفسه وأن التعويل على الإصلاح السياسي الذي يغير الواقع التعليمي لم يحن وقته بعد.

وهنا لا بد من التأكيد على دور المجتمع وقواه المدنية الحيَّة التي يجب أن تبادر إلى دراسة الواقع وإيجاد الحلول التي تستند إلى المجتمع نفسه وليس إلى الحكومات ولا المنظمات الدولية؛ لتنطلق حقيقة من رحم المجتمع وهويته الإسلامية العربية وتركز جهودها على إعادة صياغة المجتمع وفق إرادته الحرة التي تركز على احتياجاته وتثبيت هويته والانطلاق نحو عمارة المجتمع والكون بناءً على رؤيتنا الخاصة.

التعليم الأهلي في الكتاتيب الذي لا يزال يمارس في العديد من الدول العربية التي تغيب عنها هيمنة الدولة المركزية كموريتانيا والصومال[20] والمغرب واليمن وغيرها هي تجارب حقيقية يجب أن تُبحث ويعزز الإيجابي منها فنظام الكتاتيب ضارب بجذوره في أعماق المجتمعات العربية التقليدية وهو يحمل في ثناياه الكثير من الإيجابيات والسلبيات أيضاً ولذلك يجب إعادة النظر في هذا النظام وتعزيز الممكن منه وتقويمه حتى تتم المساهمة في انتشال الأمة من واقعها الحالي بأقل الخسائر.[21]

المجتمع اليوم يحمل الهم الأكبر وكلما ابتعد عن هيمنة الدولة التي تتخلى عن دورها في تطوير التعليم صار لزاماً عليه التفكير في إنشاء مؤسسات وسيطة مدنية قائمة على أساس الدعم الشعبي من تبرعات ووقف وغيره من الطرق التي كانت هي المحرك الأساسي للتعليم في عالمنا العربي الإسلامي على مدار قرون حتى يستطيع الخروج من هيمنة النظام السياسي المرتبط بولاءات خارجية على حساب وطنه وهويته.

المسألة الأخرى التي يجب تعميمها والاستفادة منها اليوم هي التعليم عبر الانترنت فالعالم الغربي خلال السنوات العشر الأخيرة قد حمل معه تطورات هائلة جدا لا يمكن ملاحقتها في ميدان التعليم عبر الإنترنت وبناء المواقع ونشر المرئيات والأدوات التي تساعد الطالب على الارتقاء الهائل في مستواه التعليمي عن بعد وبدون الحاجة إلى الدخول في النظام التعليمي الحكومي. وهذا يتطلب مبادرات مجتمعية كثير من أجل تيسير الوصول إلى هذا المحتوى ونقده والاستفادة من الصالح منه ثم السعي في ترجمته أو بناء مواقع عربية مشابهة.

إضافة إلى ذلك هناك نظام التعليم المنزلي أو التعليم المرن القائم على فكرة الاستغناء شبه التام عن التعليم المدرسي وبناء الطفل بناءً كاملاً داخل البيت من خلال والديه بشكل أساسي وقد تم بناء مناهج خاصة وتطورت العديد من الأدوات والوسائل التي تساعد في إنجاح هذا النوع من التعليم الذي يسعى إلى تعليم الطالب بعيداً عن المؤثرات السلبية التي يعيشها في المدرسة.[22]

هذه المقترحات العامة ليست بديلاً عن ضرورة تطوير التعليم العربي على مستوى الحكومات والانطلاق في شبكات تعاون عربية عبر المؤسسات العربية القائمة من أجل محو الأمية وتطوير التعليم المدرسي والجامعي. ولكن في ظل غياب التنسيق العربي وحالة الاستبداد السياسي القائم والتي دمرت البلاد والعباد فإنه لا بد من النظر خارج الصندوق والبحث مليا في هذه الوسائل وتعزيزيها حتى لا تستثمر المزيد من حالات الجهل في مجتمعنا فيزداد العبء الذي ستتحمله الأجيال القادمة في سبيل النهوض.

الدور الكبير اليوم هو دور المجتمع وكل فرد متعلم فيه يحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة في السعي إلى بناء مؤسسات مدنية غير حكومية ترعى جانباً من جوانب التعليم تنطلق من هويتنا الإسلامية العربية وتسعى جاهدة في رفع مستوى هذا الأمة في ميدان العلم والمعرفة.

 

موقع برق الالكتروني

إغلاق