اخبار التعليم

طريقة مبتكرة لتعليم الفرنسية عن طريق المقابلة النحوية بين قواعد اللغة العربية و الفرنسية

يجد الكثير من التلاميذ و الطلبة في الأطوار الأولى من التعليم صعوبة في فهم قواعد النحو الفرنسي و الأجنبي عامّة ممّا يؤثر على تحصيلهم العلمي مستقبلا خاصّة إذا علمنا أنّ مجالات الاختصاص في الجامعات و المعاهد تُدرّس باللغة الأجنبية.

و رغم الطرائق و المناهج الموضوعة لتخطي عقبة فهم قواعد اللغات الأجنبية إلاّ أنّ النّقص بقي قائما، فالمناهج القديمة و المعهودة لا تُكسب الطالب حتى القدرة على صياغة جملة واضحة و صحيحة و مترابطة، ممّا يصيب التلميذ بالإحباط. ومما يزيد الأمر سوءا كون الطالب لا يقوى على الحديث و النقاش باللغة المراد دراستها و لا يجيد الإملاء أو الكتابة و خاصّة إذا علمنا أنّ في الفرنسية مثلا يوجد باب من النحو اسمه قواعد الإملاء النحوي L’orthographe grammatical.

لقد وقع الأساتذة في حيرة من التحصيل اللغوي لتلامذتهم و كذلك الإدارة و كل من له صلة بالتدريس، وتغيرت المناهج و البرامج و تم تبنّي طرق جديدة و استشارات لا تنتهي من دون جدوى، فالمناهج التي نأتي بها من الدول المتقدّمة مثلا لا تجدي نفعا لأنّها وجدت لحل مشاكل تعليمية في بيئة و خصوصية لغوية لا تشبه بيئة الطالب العربي المقبل على دراسة لغة أجنبية.

و بناءا على ما سبق و بحكم التجربة التدريسية يمكن وضع طريقة جديدة مبتكرة سنطلق عليها اسم ” المقابلة النحوية “ و الهدف منها هو مقابلة قواعد النحو العربي بقواعد النحو الفرنسي – دراسة نموذجية- لإزالة كل لبس و غموض في فهم قواعد و أبواب النحو في أي لغة أجنبية.

تعتمد هذه الطريقة على تحديد مكافئ القواعد في اللغتين و مقارنة التعريفين و ملاحظة أوجه التطابق و الاختلاف و الخصوصية. فمثلا فالفاعل يقابله  Le sujet  في الفرنسية و The subject في الإنجليزية و في كل من هذه اللغات الفاعل هو الذي يقع منه الفعل أو يقوم به. و كذلكأسماء الإشارة في العربية تقابلها Les pronoms démonstratifs مع ملاحظة الاختلاف في التسمية، ففي الفرنسية تسمى ضمائر الإشارة و في العربية يُطلق عليها أسماء الإشارة.

هذه الطريقة تتجاوز العديد من العقبات في فهم النحو الفرنسي و الإنجليزي و أي لغة أجنبية حتّى أنّها ترسّخ في ذهن الطالب و التلميذ المعارف و المفاهيم الأساسية في النّحو العربي التي هي من باب المعلوم من النّحو بالضرورة.

تتوسّع هذه الطريقة و تسلّط الضوء على الاختلافات الجوهرية بين العربية في أبواب النحو و اللغة المراد دراستها بطريقة المقابلة اللغوية، و من أمثلة ذلك نجد مثلا في الفرنسية باب مهمّ يجب على الطالب تعلّمه لإتقان فن كتابة المقال و نقل الحوار و ما إلى ذلك و هو “الأسلوب المباشر و الأسلوب غير المباشر”.

بالنسبة لمفهوم “La voix active et la voix passive”، فهذا الفصل أو الباب من النّحو لا تُعنى به العربية لأنّه يسير و ليس فيه تعقيد كما هو الحال في الفرنسية و الإنجليزية، ممّا يدعو الطالب إلى تصوّرات و استنتاجات فيما يخصّ الفروق و يلقي الضوء على ما هو يسير في لغة و صعب في أخرى و هذا له فوائد في الترجمة.

من أهم الأمور التي تيسرها هذه الطريقة باب من أصعب الأبواب النحوية في الفرنسية و هو تصريف الأفعال، إذ يوجد في الفرنسية ما يُقارب العشرين من الصيغ الزمانية و ننتبه هنا إلى أنّها صيغ زمانية وُجدت لأمور مخصوصة إذ أنّ الأزمنة العقلية ثلاث و هي الماضي و الحاضر و المستقبل و الأزمنة النحوية في اللغة العربية ثلاث هي الماضي و المضارع و الأمر. و بما أنّ اللغة العربية تستوفي أزمنتها في النقل من و إليها في الترجمة نُدرك أنّ ثمّة أمر يمكن أن نيسر شرحه للتلميذ و الطالب، و هو أنّ الأزمنة ثلاث و لكن في الفرنسية زيد عليها لتستوفي أساليب معينة مثل الأزمنة المركبّة التي تفاجئنا بها اللغات الأجنبية من استعمال الفعل المساعد و أهمها فعل الكينونة و فعل التمليك  Etre et Avoir/Have and Be  و هذا غير وارد في العربية و كذلك الزمان الشرطي Le conditionnel  و الزمان الاحتمالي أو الإمكاني Le subjonctif و ما إلى ذلك. و عليه المقابلة اللغوية تجيب على تساؤلات و تحدّد الزيادة و النقص و الإطناب و الإيجاز في القواعد النحوية بطريق المقابلة، و في نفس السياق تكسبنا هذه المنهجية وضوحا في الأحكام النحوية للاستفادة منها.

هذه الطريقة وُضعت للاستجابة لتطلعات الطالب. ففي الطريقة القديمة يقدّم المعلّم و الأستاذ القاعدة النحوية الأجنبية ويحاول شرحها في نفس اللغة ممّا يجعل المتلقي يسبح في بحر من التساؤلات و يبقى في دائرة الغموض و لا يهتدي إلى مفهوم واضح لأنّه يحاول ترجمة التعريف. و هنا نستعمل المنهجية الجديدة القائمة على المقابلة النحوية فنقول للطالب أنّ Le complément d’agent  مثلا هو نائب الفاعل في العربية فيبدأ الطالب باستيعاب المفهوم بطريقة المقارنة و التحقّق بنفسه من خلال الأمثلة و أنّ المسألة تتعلّق فعلا بنائب الفاعل كما هو الحال في اللغة العربية، فيزول اللبس و الغموض و الحيرة و هكذا القول في مسألة L’adverbe  و يقابله الحال غالبا في العربية، فترتبط المفاهيم المتطابقة في النحو بطريقة المقابلة و المقارنة مع ملاحظة الفروق من الائتلاف و الاختلاف و بذلك يحقّق الأستاذ النتيجة المرجوة و هي إيصال المعلومة واضحة مفهومة للتلميذ لمسائل النحو و يكسب التلميذ الكفاءة المرجوة.

و كما أسلفنا، فالهدف من هذه المقارنة النحوية بطريقة المقابلة هي توضيح النحو الفرنسي لغير الناطقين باللغة الفرنسية من أجل فهم قواعدها النحوية عن طريق استدعاء المفاهيم الأساسية في اللغة الأم و مقارنتها بها فينتج عن هذه العملية إما المطابقة و الائتلاف أو التباين و الاختلاف و الخصوصية التي تتميز بها لغة معينة.
وتشترك كل اللغات في أنّ لها قواعد، و ليس من الغريب أن تتشابه و تتطابق قواعد هذه اللغات في أبواب و فصول و مواضيع نحوية و كذلك تباينها و ائتلافها أمر منطقي، و عليه تستعمل هذه الطريقة بعرض المفاهيم الأساسية للنحو في اللغة المراد دراستها على المفاهيم المكتسبة مسبقا في اللغة الأم للوصول إلى فهم قواعد اللغة المراد دراستها، باختصار هي ردّ المجهول إلى مقابله المعلوم.

مثال على المقابلة النحوية :

في اللغة الفرنسية لدينا COD و هي اختصار لـ complément d’objet direct وترجمتها الحرفية لا تعطي فائدة كبيرة و لكن عندما نترجم تعريفه حينها يمكن الوصول إلى شيء جديد و ذي فائدة. ويعرّف الـ COD في النحو الفرنسي بما يلي: la fonction COD permet . de désigner le personnage, l’animal ou la chose qui a subi l’action du verbe. و ترجمتها كالآتي:ئ\ءئ وظيفة متمم الموضوع المباشر يسمح بتعيين الشخص أو الحيوان أو الشيء الذي وقع عليه الفعل.
هذا التعريف الفرنسي يتطابق مع التعريف العربي في باب المفعول به  و هو الذي يقع عليه فعل الفاعل و نظرا لتطابق التعريفين ندرك بأنّ  في الفرنسية  COD هو المفعول به في العربية. هذا من حيث التقابل في التعريف النحوي أمّا الاختلاف الجوهري فيكمن في تحليل (analyse) الكلمة أي إعطاء طبيعتها (nature) و وظيفتها (fonction) عندما يُراد تحليل الجملة (l’analyse de phrase).

و يُقابله في العربية إعراب الكلمة مع اختلاف جوهري تنفرد به العربية و هو إعراب الكلمة بالحركات أو ما ينوب عنها من الحروف و هذا مفقود و غير موجود في أي لغة في العالم.

أكل الطفل التفاحة َ   — L’enfant a mangé la pomme

التفاحةَ: مفعول به منصوب و علامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

Pomme: nom feminin singulier fonction COD du sujet enfant  أي اسم مؤنّث مفرد في وظيفة مفعول به للفاعل الطفل.

كما نلاحظ الإعراب في العربية يشبه إلى حدّ ما l’analyse grammatical  في الفرنسية و الاختلاف هو أنّ العربية تنفرد بعلامة الإعراب التي هي الفتحة في آخر الكلمة و تختّص الفرنسية في تحليلها للكلمة بإعطاء الوظيفة و تصريف الكلمة.

طبعا هذا مثال واحد فقط الغرض منه إبراز فعّالية و نجاعة هذه الطريقة المبتكرة في تعليم قواعد النحو الفرنسي باستعمال مفاهيم نحوية عربية مع بيان الائتلاف و الاختلاف و الاختصاص.

طبعا المواضيع كثيرة و لكن المنهج واضح نفس العمل يمكن القيام به مع  الفاعل- le sujet  و كذلك  الصفة l’adjectif qualificatif  و الخبر : l’adjectif épithète  و حروف الجرّ les prépositions.

من النقاط الملاحظة على هذه الطريقة هي أنّها تجعل ذهن التلميذ يقظا فكلّما قرأ و تعلّم درسا جديدا في النحو الفرنسي ينتقل ذهنه تلقائيا إلى البحث عن نظيره في النحو العربي و ربط المفهومين بالتلازم. و عندما يتم ربط المفهومين يبعضهما يكون الاستدعاء أيسر، فبمجرّ ذكر مصطلح COD يستدعي الذهن مصطلح مفعول به الذي يتقنه التلميذ مسبقا.

بفضل هذه الطريقة ستتطور لذا التلميذ ملكة التساؤل عن أمور أكثر تعقيدا في النحو. فربّما يتبادر إلى ذهن التلميذ مسألة إعراب الجمل هل هي موجودة في النحو الفرنسي. و طبعا مع إعمال الفكر و الملاحظة الواعية يجد التلميذ أو الطالب أنّ أقرب مفهوم لإعراب الجمل في الفرنسية هو l’analyse des propositions  و التي هي جمل بسيطة تتضمّن كلّ واحدة فعلا مصرّفا واحدا أو لماذا يوجد في الفرنسية (les articles indéfinis) و هي أدوات التنكير و طبعا هي غير موجودة في العربية. ففي اللغة العربية، إذا أُريد تنكير اسم نكتفي بحذف ألف لام التعريف و هنا تلاحظ اختصاص اللغة الفرنسية بأدوات التنكير دون العربية.

من أهم المسائل التي تتطرق إليها هذه الطريقة أيضا هي أقسام الكلمات:   Les classes de mots ، فالكلمة في اللغة الفرنسية تنقسم إلى عشرة أقسام و في العربية إلى ثلاثة أقسام  و كذلك مسألة طبيعة و وظيفة الكلمة (La nature et la fonction du mot) و هي ذات أهميّة بالغة و تعتبر من أهم فصول النحو الفرنسي التي يعتمد عليها عند إجراء تحليل نحوي.

ويمكن توسيع هذه الطريقة لتشمل اللسانيات بإدخال علم مخارج الحروف La phonologie . فعند إجراء مقابلة مخارج الحروف بين اللغة العربية و أي لغة أجنبية يتّضح لنا الاختلاف في استعمال الأعضاء الصوتية و التسميات التي أطلقت على صفات الحروف، فمثلا يسمي العرب صفة الحروف أ-ب-ج-د حالة سكونها بصفة القلقة بينما نفس الصفة تسمى في بعض اللغة الفرنسية بالحروف الانفجارية و ما إلى ذلك و هذا يمكن أن يُفرد ببحث خاص، المهم أنّه يقع في سياق هذه الطريقة ومناهجها.

كذلك المقارنة من حيث الخطّ -الكتابة- و الإملاء، فمسألتها يسيرة إذا ما استثنينا كيفية كتابة الهمزة على السطر أو الألف المقصورة أو الألف الممدودة أو الواو فقط تحتاج إلى شيء من التركيز. أمّا بقية الظواهر من الفتحة و الضمّة و التنوين و غيرها فهي سهلة للغاية، بينما الأمر فيه كثير من الصعوبة إذا علمنا أنّه في اللغة الفرنسية يتدرّب التلميذ على تنمية ذاكرته البصرية لحفظ رسم الكلمة، لأنّ قواعد الإملاء و الخط فيها اختلاف و اضطراب كبيرين فهي لغات مشتقّة غالبا من اللّاتينية و الإغريقية و الجرمانية…  حتّى في طريقة نطقها، حيث أنّ حرف A  في اللغة الإنجليزية له سبعة أصوات بحسب ما قبله و ما بعده.

كلّ ما ذكرنا يندرج تحت هذه المنهجية أو الطريقة فيُبرز اليسير و العسير و المتطابق و المختلف و تضع قواعد النحو اللغوي في ميزان المقارنة مع المكتسبات الثابتة و السابقة للغة الأمّ و الهدف منها واضح و هو الوصول إلى درجة الإدراك التامّ لمفاهيم النّحو الأجنبي.

إغلاق