اخبار التعليم

مقدمات في مفهوم التربية

1- تعريف التربية لغة واصطلاحا

لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم التربية من أكثر المصطلحات تداولا واستخداما وشيوعا بين الباحثين والدارسين والمتدخلين في العملية التربوية، لكن مع هذا فهو من أكثر المفاهيم استشكالا في التحديد والمقاربة والبيان والتعيين.

بل إن أكبر إشكال ابستمولوجي في التربية يكمن أساسا في إشكالية التعريف والتحديد، بحيث اختلفت التحديدات، وتعددت التعريفات وتباينت المقاربات لمصطلح التربية تبعا لمرجعية المدارس التربوية في اختياراتها لمقاربة الظاهرة التربوية، بحكم الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه التربية من جهة، وبحكم تداخل عدد من العلوم وتواصلها مع هذا العلم الجديد المسمى بعلم التربية من جهة أخرى.

وانطلاقا من هذا السياق وعملا بهذا المبدأ، نقول في البداية إن تحديد المفاهيم والمصطلحات يُعد ضرورة منهجية في أي علم من العلوم، لأن المفاهيم والمصطلحات هي مفاتيح العلوم منها تتشكل الأدوات المعرفية التي بها يتم الولوج إلى المعارف والحقائق العلمية.

فالمصطلحات ركن مهم في تحصيل المعارف والعلوم، به يتأسس  البناء المعرفي لأي علم من العلوم، بحيث لا تستقيم علوم التربية ولا تغدو مصطلحاتها واضحة المعالم وجلية في المكونات والدعائم والأسس  لدى متلقيها ومكتسبها  دون تحديد ووضوح هذه المصطلحات.

ما يدل أن البحث في المصطلح والاشتغال على المصطلح التربوي بشكل خاص شكل نظاما معرفيا خاصا قائما بذاته، بحيث برزت ظاهرة المصطلح في كثير من الحقول المعرفية بما في ذلك حقل العلوم التربوية. لأن هذا الوضوح والبيان من شأنه أن يخلق مساحة واسعة من الفهم والتواصل المشترك بين الباحثين، و ييسر التفاهم بين المشتغلين بعلوم التربية.[1]

وعليه نقول، إن التربية في اللغة العربية من فعل ربا يربو بمعنى نما ينمو، وهو المعنى  الذي نجده في القرآن الكريم “فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج” سورة الحج آية 5″، أي نمت. و تربية الإنسان تعني تطور قواه النفسية والجسدية والعقلية والخلقية…

وفي اللغة الفرنسية، التربية مشتقة من كلمة éducation  وأصلها اللاتيني educāre التي تدل على القيادة  والهيمنة  والإخراج  والتحول من حال إلى آخر، كما تعني العلم المُعين على إخراج الطفل من حالته الأولية التي كان عليها  في البيت والأسرة ومساعدته على تحصيل الفضائل والقيم من المحيط القريب منه.[2]

في الاصطلاح عُرفت التربية بعدة تعاريف منها:

-تعريف روني اوبير،  إذ عرف التربية بأنها مجموع التأثيرات والأفعال التي يمارسها بكيفية إرادية، كائن إنساني على آخر، غالبا ما يكون راشدا على شاب صغير، والتي تستهدف تكوين مختلف الاستعدادات التي تقوده إلى النضج والكمال[3].

-تعريف إميل دوركايم  [4] التربية بقوله: «هي الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد للحياة الاجتماعية، وموضوعها إثارة و تنمية عدد من الاستعدادات الجسدية و الفكرية و الأخلاقية عند الطفل، و التي يتطلبها المجتمع السياسي في مجمله والوسط الخاص الذي يوجه إليه».[5]

والقصد من التربية عند دوركايم هو إدماج الفرد في المجتمع  من أجل خدمة المجتمع الذي ينتمي إليه.

فلا قيمة للتربية إن لم يتمكن الفرد من امتلاك مهارات الحياة  ليواجه بها إكراهات الحياة وتقلباتها حتى يضمن استمراريته فيها.

-تعريف الإمام الغزالي في كتابه أيها الولد، حيث بين  أن التربية هي الفارق و الفاصل بين الإنسان والحيوان، فهي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد و في صلاح المجتمع، والسبيل إلى تحقيق التمدن والسعادة للإنسان والارتقاء من الحيوانية إلى الإنسانية. وشبه الغزالي المربي بالفلاح، فالفلاح يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ليُبْقِي على الصالح، وكذلك المربي[6].

– وشكل كتاب جون جاك روسو إميل أو التربية نقلة نوعية في الممارسات التربوية، بحيث انتقلت هذه الممارسة من الخطاب النظري الفلسفي إلى ما هو تطبيقي، أي التوجه نحو خدمة الفرد والمتعلم بصفة عامة أكثر من الاهتمام بالخطاب النظري.

و سيتغير مفهوم التربية خلال القرن العشرين من ممارسات نظرية يغلب عليها الخطاب والنقاش الفلسفي إلى خطاب تطبيقي علمي يتجه إلى خدمة العملية التعلمية التعليمية في جميع جوانبها ومستوياتها.

والفضل في هذه النقلة يعود إلى التطور الذي مس العلوم الإنسانية، خاصة مع ظهور علم النفس المعرفي الذي اتجه بعلم لنفس نحو ما هو تطبيقي. بل اتجهت العلوم الإنسانية إلى الاشتعال على كثير من القضايا ذات المنزع العلمي البيداغوجي الخادم للقضايا البيداغوجية والتربوية التطبيقية.

2- المسار العلمي لعلم التربية لدى الغرب

لكن الرائج والذائع في الفكر التربوي الغربي هو ربطه التربية  بما هو نفسي سيكولوجي، فقد درج رُواد الفكر التربوي على حصر التربية في بُعدها السيكولوجي النفسي باعتبارها وسيلة لإيصال الفرد إلى أقصى ما يمكن من درجات الكمال الروحي البدني والمهاري المعرفي وِفق الشروط الثقافية الاقتصادية الاجتماعية التي ينتمون إليها [7].بشكل اتسعت معه قيمة وأهمية العلوم الإنسانية في فهم، واستيعاب ومواجهات تحديات العصر ومشاكله. وهي المشاكل التي أخذت تتزايد وتتنامى بفِعل الثورة الرقمية التي شهدها العالم  في الآونة الأخيرة.[8]

3- تركيب

نستخلص مما سبق أن التربية وعلومها لم تعد تهتم بما هو نظري بقدر ما اختارت الوِجهة التطبيقية الخادمة للعملية التعليمية بجميع أبعادها ومكوناتها… لأن المجتمع في حاجة إلى هذه العلوم بحكم تعقد الحياة اليوم. قناعتها أن قيمة التربية تتحدد فيما تسديه للإنسان من خدمات تنفعه في حياته اليومية، خاصة السعي نحو الرفع من كفاءات المعلم في الممارسات المهنية التي يؤديها ويمارسها في الفصل الدراسي.

 

 

 

 

 

تعليم جديد

إغلاق