اخبار التعليم
مهارات وطرائق التدريس الحديثة: مهارة تنويع المثيرات
قصد بتنويع المثيرات جميع الأفعال التي يقوم بها المعلم بهدف الاستحواذ على انتباه التلاميذ أثناء سير الدرس من خلال التغيير المقصود في أساليب العرض. وتتضمن هذه المهارة كثيرا من المهارات السابقة مثل: (إثارة الدافعية، التفاعل، الوسائط التعليمية، التعزيز، طرائق التدريس،.. إلخ)، فالتنوع في استخدام كل مهارة من المهارات السابقة – كما وكيفا- يخلق مهارة جديدة هي مهارة تنويع المثيرات، ويتوقف الاستمتاع بالدرس وقطع الملل على نجاح المعلم في استخدام هذه المهارة.
أساليب تنويع المثيرات
هناك سؤال يطرح نفسه، كيف تجعل درسك ممتعا؟ أو كيف تتجنب الملل في درسك؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب معرفة أساليب تنويع المثيرات، وهي:
1- التنويع الحركي
و هو أن يغير المعلم من موقعه في حجرة الدراسة، فلا يظل طوال الوقت جالسًا أو واقفًا في مكان واحد، وإنما ينبغي عليه أن يتنقل داخل الفصل بالاقتراب من الدارسين، أو التحرك بين الصفوف، أو الجلوس بينهم، أو الاقتراب من السبورة… إلخ.
ولا بد من أن تكون الحركة معتدلة منتظمة، فلا تكون سريعة فتحدث تشتتا للطلاب، ولا بطيئة فكأن المعلم لا يتحرك، ومثل هذه التحركات المقصودة من جانب المعلم تعمل على جذب انتباه الدارسين.
2- التنويع الصوتي
يقصد به تغيير نغمات الصوت ودرجاته من قبل الطلاب والمعلم؛ لتحقيق أكبر قدر من التغيير أثناء الدرس.
متى يرفع المعلم صوته؟
– إذا شعر المعلم بأن طلابه قريبون من النعاس؛ فيرفع صوته لإيقاظهم.
– إذا كانت الفكرة التي يشرحها تحتاج لذلك، كأن تكون فكرة حماسية، أو شرحا لنص يمثل معركة حربية، أو تمثيلا لدور أحد القادة …
– إذا أراد تعنيف أحد الطلاب على خطأ فعله، ولكن ينصح ألا يكون ذلك مباشرة نحو الطالب المخطئ، وإنما يكون موجها لجميع الطلاب.
متى يخفض المعلم صوته؟
– إذا شعر بأنه لا حاجة لرفع الصوت (الطلاب منتبهون مستيقظون)، فإذا استمر المعلم في رفع صوته سبب إزعاجا وصداعا لا يقوى الدارسون على احتماله.
– إذا كان موضوع الدرس يحتاج إلى جو هادئ؛ كأن يشرح المعلم قصيدة شعريا، أو آية قرآنية، أو حكمة تحتاج إلى هدوء للاعتبار والفهم.
– إذا أراد لفت انتباه الطلاب المنشغلين عن الدرس، حيث يعمد المعلم إلى خفض الصوت كي يجذب الطلاب الذين يحاولون الإنصات لكلامه، وعادة ما يُتبعون “انخفاض الصوت” بطلب تكرار كلامه. وقد يسأل المعلم طلابه عما قاله؛ فيثيرهم أكثر.
– يستخدم المعلم انخفاض الصوت لراحة صوته، أما إذا استمر صوته عاليا فلن يستطيع مواصلة الدرس.
متى يستخدم المعلم الصمت؟
إن تأثير الصمت في العملية التعليمية ليس له حدود، إلا أن كثيرًا من المعلمين ليست لديهم القدرة على استخدامه بفاعلية داخل حجرة الدراسة، ونتيجة لذلك فإن كثيرًا منهم يلجؤون إلى الحديث المستمر، لا وسيلةً للتواصل والتفاهم الفعال بل حيلةً دفاعية للمحافظة على نظام الصف وضبطه.
والواقع أن الصمت والتوقف عن الحديث لفترة قصيرة، يمكن أن يستخدم كأسلوب لتنويع المثيرات، فيساعد على تحسين عملية التعليم والتعلم، فقد يستخدمه المعلم لإعطاء الطلاب برهة للإجابة عن سؤال ما، أو لزجر بعض الطلاب زجرًا غير مباشر، أو لتهيئة الأذهان نحو فكرة جديدة من فِكْرات الدرس، أو لإعطاء المعلم فرصة لنفسه حتى يستعيد نشاطه، أو لعمل جماعي بين الطلاب، أو للكتابة من السبورة … إلخ.
3- توجيه الانتباه
يقصد به الأساليب التي يستخدمها المعلم بهدف التحكم في توجيه انتباه التلاميذ، ويحدث هذا التحكم إما عن طريق استخدام لغة لفظية أو غير لفظية أو مزيج منهما.
من أمثلة اللغة اللفظية، قول المعلم لطلابه:
-انظر إلى الشكل التوضيحي.
-أنصت إلى هذا الصوت، أو لإجابة زميلك.
-لاحظ ما يحدث عندما أغير علامة الإعراب.
-لاحظ الفرق بين الكلمتين.
من أمثلة اللغة غير اللفظية
-استخدام مؤشر لتوجيه الانتباه.
-اهتزاز الرأس.
-استخدام حركات اليدين.
-الابتسام وتقطيب الجبين.
ويمكن للمعلم أن يستخدم مزيجًا من اللغتين في آن واحد، فالمعلم الذكي هو الذي يحسن استخدام هذه الوسائل بانتظام وتنوع بحسب ما تقتضيه الحاجة، بحيث لا يفتعل حركات بلا داعٍ، فمثلا: أن يشير المعلم إلى عنوان ويطلب من الطلاب قراءته خير من أن يقرأه هو بنفسه، وأحيانا لا تكون هناك فائدة من الإشارة إلا جذب الانتباه، وكسر رتابة الكلام.
4- تحويل التفاعل
يعد التفاعل داخل الفصل من أهم العوامل التي تؤدي إلى زيادة فاعلية التدريس، وهناك ثلاثة أنواع من التفاعل يمكن أن تحدث داخل الفصل؛ تفاعل بين المعلم والطلاب، وتفاعل بين المعلم وأحد الطلاب، وتفاعل بين طالب وزملائه الطلاب.
والمعلم الكفء لا يقتصر على نوع واحد من هذه الأنواع الثلاثة، بحيث يكون نمطًا سائدًا في تدريسه، وإنما يحاول أن ينوع في استخدام هذه الأنماط في الدرس الواحد وفق ما يتطلبه الموقف؛ مما يعمل على اندماج الدارسين مع المعلم، وانجذابهم نحو الدرس. فعلى سبيل المثال قد يثير أحد التلاميذ مشكلة أو سؤالًا، فبدلًا من أن يجيب المعلم على هذا السؤال، فإنه يقوم بتحويل التفاعل إلى تلميذ آخر لكي يجيب عنه، أو يحوله إلى باقي الطلاب، ثم يعلق المعلم على الإجابة، فإذا كانت صحيحة طلب من الطالب تكرارها حتى يسمعها جميع االطلاب، وإذا كانت خطأ صوبها بصوت مرتفع.
5- تنويع أساليب التدريس
لا بد أن ينوع المعلم من طرائق تدريسه بين الحوار، وتمثيل الأدوار، والقصة، والعصف الذهني، وحل المشكلات… إلخ، ويعتمد في اختيار طريقة التدريس على طبيعة المادة، وعدد الطلاب وطبيعتهم، ودرجة تفاعل الطلاب.
ومثال ذلك: طريقة الحوار تناسب المواد التي فيها نقاش وجدل كتذوق الشعر، وشرح الأبيات، أو بعض التفاسير المختلفة للآيات، أو مسائل فقهية والآراء المتباينة حولها … إلخ.
– أما تمثيل الأدوار فيناسب مهارات المحادثة والتعبير الشفوي، حيث يقوم الطلاب بتمثيل الشخصيات المذكورة في النص أو القصة أو المسرحية.
– أما الفروع الأخرى كالنحو والصرف فتحتاج إلى العصف الذهني، وحل المشكلات وغيرها من الطرق التي تعمل على المشاركة وإعمال العقل.
6- تنويع استخدام الوسائط والأنشطة التعليمية
أ- الوسائط التعليمية
توظيف الوسائل المتنوعة والمثيرة والفعالة يؤدي إلى تعليم أفضل، كاستخدام الصحائف المعلقة، والبطاقات التعليمية المختلفة، والوسائل الإلكترونية، والعروض التمثيلية والمسرحية، و الألعاب… وعلى المعلم أن يكون متجددا في وسائله، مبتكرا مبدعا لها، مما يضفى على درسه المتعة والقبول والتفاعل والإقبال على التعلم؛ فيشعر طلابه أنهم أمام فنان متألق، لا ناقل مكرر يضعهم في قوالب جافة، لا حياة فيها ولا روح.
ب- الأنشطة التعليمية
تنويع الأنشطة التعليمية له دور كبير في إثارة الطلاب نحو الدرس وإقبالهم عليه دون ملل، ويتحقق ذلك بما يلي:
– يوفر المعلم أنشطة جماعية يتفاعل فيها الطلاب معًا، ومن هذه الأنشطة مثلا: الرحلات، والتمثيليات، المعارض، والألعاب التعليمية، وإصدار الصحف والمجلات، والمشروعات الجماعية.
– يوفر المعلم أنشطة تنافسية من شأنها إثارة الطلاب نحو التعلم، مثل: مسابقة أوائل الطلبة، مسابقة الطالب المثالي، دوري المعلومات، الفريق الأقوى…
– يربط المعلم بين الأنشطة الدراسية وميول واهتمامات الطلاب، فالطلاب كبار السن ربما يميلون لأنشطة التأليف والرسم والإبداع، أما الطلاب الأصغر فيميلون لأنشطة اللعب والرياضة وغيرها، وعلى المعلم التنويع بينها؛ من أجل تحقيق إثارة الطلاب.
7- تنويع استخدام الحواس
كلنا يعلم أن إدراكنا للعالم الخارجي يحدث عن طريق قنوات خمس للاتصال، وهي ما تعرف بالحواس الخمس، وتؤكد البحوث الحديثة في مجال الوسائط التعليمية أن قدرة الطلاب على الاستيعاب يمكن أن تزداد زيادة جوهرية إذا اعتمدوا في تحصيلهم على استخدام السمع والبصر على نحو متبادل، ولكن للأسف غالبية ما يحدث داخل فصولنا الدراسية لا يخاطب إلا حاسة واحدة هي حاسة السمع.
وقد وُجد أن حديث المعلمين يستغرق حوالي 70% من وقت الدرس، وهي لغة لفظية تخاطب حاسة السمع فقط، ولذلك يجب على المعلم أن يغير فكره بحيث يخاطب كل قنوات الاتصال لدى الطالب عند تحضيره للدروس.
الرسم التالي يوضح نسب استيعاب الطلاب تبعا للحواس المستخدمة:
يتضح لنا من الرسم السابق أن 3% من التعلم يكون عن طريق حاسة التذوق، ومثله عن طريق حاسة الشم، وأن 6% من التعلم يكون عن طريق حاسة اللمس، وأن 13% من التعلم يكون عن طريق حاسة السمع، وأن 75% من التعلم يكون عن طريق حاسة النظر.
ولذا يصبح لِزاما على المعلم أن ينوع في استخدام الحواس أثناء التعلم، بحيث لا يستخدم حاسة واحدة أكثر من خمس دقائق، مثلا: إذا كان المعلم يشرح نصا أدبيا فعليه بعد إلقاء النص على طلابه (حاسة السمع) أن يطلب من طلابه القراءة (حاسة البصر)، ثم يطلب من أحدهم كتابته على السبورة (حركة اليد)، وإن استطاع أن يحضر رمزا موجودا في النص كزهرة مثلا تعبر عن موضوع النص ليشموها (حاسة الشم)، أو شيئا يذوقوه (حاسة التذوق) … وهكذا، إذن فتنويع الحواس أثناء الشرح من أهم عناصر تنويع المثيرات.
8- تنويع التعزيز
إن للمعلم دورًا رئيسًا في إيجاد الظروف التعليمية الجيدة في حجرة الدراسة، فشخصية المعلم وسلوكه يجعلان منه نموذجًا يقتدي به طلابه، كما أن سيطرة المعلم على عملية التعزيز داخل الفصل تُوجِد إطارًا مناسبًا تتحقق من خلاله أهداف العملية التعليمية؛ لأن إثابة السلوك المرغوب وخاصة عقب حدوثه مباشرة يزيد من احتمال تكراره، حيث يشعر الطالب بالمتعة والسرور، كما أن علماء النفس الاجتماعي يضيفون أن هذا التأثير لا يقف عند سلوك الطالب المعزز وحده، وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير في سلوك رفاقه أيضا.
إن العلاقة بين التعزيز وتنويع المثيرات علاقة تبادلية، فإذا نوّع المعلم في درجات التعزيز وأنواعه كان له أكبر الأثر في إضفاء السعادة على الطلاب، وبالعكس: إذا استخدم المعلم درجة واحدة في التعزيز أو نوعا واحدا من أنواعه كان له أسوأ الأثر في تفاعل الطلاب، بل سينصرفون عن الدرس.
مثال: إذا استخدم المعلم في تعزيزه كلمة “جيد” دائما، في كل قول أو فعل للطلاب، تجد الطلاب يطلقون على ذلك المعلم لقب “الأستاذ جيد”، سخرية منهم على تلك اللازمة اللفظية التي تلازم حديثه…
9- مثيرات متفرقة
أ- الفكاهة
المعلم المتميز يصل بالطلاب إلى حالة من الاستمتاع تصل إلى قول النكات والفكاهات والطرف، ليضفي على الدرس مزيدا من المتعة والإثارة؛ مما يحقق إقبالا على الدرس. إلا أن هذا الأمر يُقابل من المعلمين بإحدى طريقتين:
الأولى- التزمُّت والرفض التام: معتبرين ذلك من سلبيات المعلم، إذ يعدونه ضعفا في شخصيته، وإضعافا من قدره وقدرته في السيطرة على الطلاب، بل يمتهنون من يفعل ذلك من المعلمين، ومن ثم لا يسمحون بأي قدر الضحك أو الابتسام مع الطلاب.
الثانية- التفريط والانفتاح التام: منفتحين على الطلاب إلى حد إزالة جميع الحواجز والحدود التي ينبغي أن تكون بين المعلم وطلابه، مما يؤثر سلبا على شخصية المعلم، وقدرته على السيطرة على طلابه، لكنهم لا يبالون؛ إما لبعض المصالح الشخصية (كالدروس الخاصة)، وإما لضعف حقيقي في شخصيتهم.
وفي الحقيقة كلا الأمرين مرفوض، فلا الإفراط ولا التفريط مقبولان في سلوك المعلم، وإنما التوسط والاعتدال في التفكُّه مع الطلاب.
ب- تنويع دافعية الطلاب
المعلم المتحمس لمادته يستطيع إثارة الطلاب نحو التعلم، وتحقيق قدر كبير من التنوع والإثارة، ولعل الفكرة تتضح في الأمثلة التالية:
مثال: إذا كان الدرس في الشعر والنصوص، يثير المعلم طلابه بقوله: اليوم سندرس قصيدة تنفعكم الآن وفي المستقبل، فدراسة الأدب تنمي ذوقك وحسك أيها الطالب، وبحفظك للشعر تزيد من حصيلتك اللغوية فتنفعك في كتابة المقالات الأدبية، أو في إلقاء الخطب، وهذه القصيدة خاصة التي تتحدث عن الرثاء تساعدك على عزاء أحبائك…
مثال آخر: إذا كان الدرس في الفقه، يثير المعلم تشويق الطلاب من خلال درس الزكاة مثلا، فيسألهم عن بعض الأسئلة الشائعة في حياتنا حول موضوع الدرس، ويؤكد لهم أنهم بدراسة هذا العلم وخاصة موضوع الزكاة، يمكنهم الإجابة عن أسئلة الناس في هذا الباب…
مثال آخر: إذا كان الدرس في النحو، يثير المعلم تشويق الطلاب نحو درس من دروس النحو” جمع المذكر” فيُسمعهم بعض أخطاء المذيعين حين لا يستطيعون النطق الصحيح للجمع، وأنه بدراستهم يمكنهم فهم آيات القرآن مع الأمثلة…
ج- إعطاء فترات راحة
إعطاء فترات توقف أو راحة قصيرة أثناء الدرس يجدد نشاط الطلاب، مع احتواء هذه الراحات على بعض الأنشـطة الترويجية مثل: حل لغز، فكاهة، ممارسة بعض التمارين الرياضية السريعة، سماع بعض الأناشيد مع ترديدها، بعض الألعاب الترفيهية كالكراسي الموسيقية… إلخ.