اخبار التعليم
من استراتيجيات التعليم في اليابان : استراتيجية التعليم المريح ” يوتوري كيوئيكو “
في كوكب صغير داخل كوكب الأرض يسمى “اليابان” نجد ما يبهر عقول البشر، وإن كان البشر هم من صنعوا ما بها من تطور. فمنذ أن دُمرت اليابان وانتهت بها الحياة استطاع أبناؤها أن يضعوا أسساً لدولة جديدة أصبحت الآن في مقدمة الدول الصناعية والتجارية والعِلمية، فعند رؤية أي شيء ياباني نعلم جيداً أنه يتسم بالإبداع والدقة والابتكار و الجودة، وهذا ما يميز كوكب اليابان عن غيره.
ولم يخرج مجال التعليم عن هذه القاعدة ليضع اليابانيون طريقة واستراتيجية للتعليم أطلقوا عليها ” يوتوري كيوئيكو ” أو ما يعرف عربياً بـ ” استراتيجية التعليم المريح ” ويمكن توضيحها من خلال النقاط التالية:
1- مفهوم استراتيجية التعليم المريح اليابانية ” يوتوري كيوئيكو “
هي استراتيجية تعليمية موجهة للأطفال وتلاميذ المرحلة الابتدائية دون غيرهم؛ تقوم على تقليل العبء المعرفي المُلقى على عاتق التلاميذ والأطفال بسبب كثرة الحفظ والتلقين، وإفساح المجال للتفكير الاستقلالي والأنشطة المنهجية وغير المنهجية، والأنشطة المجتمعية، وحصص الدراسات المتكاملة التي يتم تقديمها خلال خمسة أيام من الأسبوع فقط، مما يجعلها تتسم بالمرونة والانفتاح في اختيار المحتوى التعليمي وطريقة تعلمه وفقاً لرغبة المتعلم، مما يفتح الشهية لديه نحو عملية التعلم.
2- مميزات استراتيجية التعليم المريح
تتميز استراتيجية التعليم المريح بكونها:
-
- تُسهم في الحد من العبء العلمي والمعرفي الملقى على عاتق الطفل، وتلميذ المرحلة الابتدائية، فيصبح المتعلم غير مجبر على دراسة العديد من المناهج والمقررات الدراسية، والتي كانت تُنمي لديه الحفظ والتلقين فقط، مما يولد لديه الإرهاق الذهني والجسدي.
- تشجع التلاميذ على التفكير الاستقلالي الفردي والجماعي، والتفكير بأنفسهم، وذلك نتيجة الحرية في اختيار موضوعات الدراسة وحصص الدراسات المتكاملة.
- توظف الأنشطة المنهجية وغير المنهجية، والتي تخدم المجتمع؛ مما يولد لدى المتعلمين حرية الإبداع.
- تخفض أيام الدراسة إلى 5 أيام أسبوعية، مما يجعل التلاميذ في حالة نشاط دائم، وغير مرهقين جسدياً أو عقلياً، و مُركزين على المهارات التي تنمي قدرات المتعلمين الإبداعية.
- تخلق لديهم الحماس والإقبال على الدراسة نتيجة مشاركة المتعلمين في تحديد ما يدرسونه ويتعلمونه.
- تساعد على تعلم أمور إبداعية ومتنوعة، من خلال الأنشطة المتحررة عن المنهج الدراسي المقيد القديم، وكذلك حصص الدراسات المتكاملة التي تنمي لديهم مهارات متنوعة.
- تتيح للتلاميذ اختيار الحصص الدراسية التي يرغبون في تلقيها، بمساعدة المعلم.
3- عيوب استراتيجية التعليم المريح
رغم الكثير من المميزات التي تحققها هذه الاستراتيجية إلا أنه يوجد بعض العيوب، والتي يمكن التغلب عليها، ومنها:
-
- عدم اكتساب المعلمين لأفكار الاستراتيجية بشكل كامل، بل وعدم التدريب والتمرن عليها وعدم اقتناعهم بها في البداية، (حيث لقيت الاستراتيجية في بداياتها مقاومة من طرف الكثير من المعلمين في اليابان).
- رفض أولياء الأمور لها، وذلك بسبب ترك الحرية الزائدة لأبنائهم في عملية التعلم، إيماناً منهم بأن المتعلم يجب أن يُجبر على ما يتعلمه.
- عدم اتخاذ إجراءات وخطوات علمية لوضع تلك الأفكار موضع التنفيذ بشكل صحيح داخل الفصول الدراسية.
- الحاجة إلى جهود كبيرة في إعداد الحصص الدراسية.
- اعتماد الكثير من خطوات الاستراتيجية على قدرات المعلمين الفردية والذاتية، وهو أمر لا يجب الرهان عليه لاختلاف قدرات المعلمين.
- اختلاف قدرات المعلمين أدى إلى حدوث الكثير من الاختلافات في الأنشطة غير المنهجية الموجهه للمتعلمين.
- الدروس الاختيارية أظهرت توجهات متعددة لدى المتعلمين، صاحبها عدم وجود مبانٍ وتجهيزات كافية لتغطية كافة احتياجات هذه الدروس لدى المتعلمين، إضافة إلى عدم قدرة الأطفال على تحديد تلك الدروس بأنفسهم.
- اعتقاد بعض المعلمين والمدارس أن هذا النظام التعليمي الجديد ألقى عليهم مسؤولية تفوق قدراتهم وإمكاناتهم ولا يتناسب مع متطلباتهم الواقعية على التكيف.
- المبالغة في الحد من الساعات الدراسية، فالطفل في هذا العمر يحتاج إلى عدد ساعات معين في الدراسة لضمان اكتسابه للمبادئ والأفكار بشكل سليم، إلا أن هذا الحد من الساعات وضع المدارس في مشكلة ضرورة تخصيص فصول دراسية أخرى؛ مما وضع عبئاً أكثر على المعلمين.
4- لماذا يوتوري كيوئيكو ؟
برغم وجود الكثير من العيوب في هذه الطريقة؛ إلا أنه إذا أحسن الإعداد لها ستكون طريقة ناجحة جداً، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا: لماذ يوتوري كيوئيكو في التعليم ؟
سؤال يمكن الإجابة عليه من خلال النقاط التالية:
-
- التحرر من المناهج المقيدة التي تشجع على الحفظ والتلقين فقط.
- تعويد الأطفال والمتعلمين على الاستقلالية في التفكير والحياة بشكل عام.
- توظيف العديد من المصادر المتنوعة وغير المنهجية في تعليم الأطفال، وذلك حتى يتعود الطفل على عدم استقاء المعلومات من مصدر واحد فقط.
- توظيف الحياة الاجتماعية في العملية التعليمية من خلال الرحلات المدرسية والأنشطة اللامنهجية والزيارات الميدانية، والتعلم من مصادر حقيقة واقعية.
- جعل التعلم يرتبط في ذهن المتعلمين بالمتعة والراحة والاسترخاء والمرونة، لا بالضغوط والحفظ والتلقين والتوتر.
- إيمان اليابانيون على وجه التحديد بأن السنوات الثلاثة الأولى في حياة الطفل الدراسية تستغل لاختبار قدرات المتعلمين المعرفية ومعرفة ميولهم واتجاهاتهم منذ الصغر.
- ضرورة بناء شخصية المتعلم القائمة على الاستقلالية والثقة بالنفس، والتعلم متعدد المصادر، وربط الحياة التعليمية بالمجتمع.
5- كيف نستفيد من استراتيجية ” يوتوري كيوئيكو ” عربياً؟
يعتقد الكثيرون أن تطبيق هذه التجربة في المجتمع العربي قد لا يجدي نفعاً كبيراً، وذلك للعديد من الاعتبارات، والتي من أهمها أن تحرر الطفل في هذا السن في عملية التعلم سوف تجعله يهمل التعلم بشكل كامل، إضافة إلى التذمر المتوقع من طرف أولياء الأمور على طريقة التعليم الجديد هذه، وهو نفس الأمر الذي حدث مع تجربة ” التابلت المصرية “ في المرحلة الثانوية، أو المقررات المتكاملة ومتعددة التخصصات في المرحلة الابتدائية.
لذا من الضروري عند تطبيق مثل هذه الأفكار عربياً أن نراعي الآتي:
- تدريب المعلمين والقيادات التعليمية على الفكرة قبل محاولة تنفيذها على الطلاب.
- إعداد حملات توعية اجتماعية بكافة جوانب الطريقة الجديدة لإقناع أولياء الأمور بها.
- وضع معايير انضباطية للالتزام لدى المتعلمين والمعلمين وفق خطوات محددة.
- تهيئة الأطفال في مرحلة الروضة لمثل هذا النوع من التعليم المريح .
- ترسيخ مبدأ الفهم وحرية التعلم وتعددية المصادر في عملية التعلم لدى الأطفال في سن صغيرة.
- ترسيخ مبدأ أن الدرجات وتحصيلها ليس هو كل شئ في التعليم، والعمل على ترسيخ قيم الإبداع والابتكار.