اخبار التعليم
استخدام الصور في تدريس اللغات
يبرع مُدرّسو اللغات أكثر من غيرهم ربما، في اعتماد أنسب الأساليب وانتقاء أفضل الوسائل التعليمية الكفيلة بمساعدة المتعلمين على الوصول إلى ضالتهم و هم في طريقهم نحو إتقان اللغة التي يتعلمونها. و من هذه الأساليب التي يلجأ إليها الغالبية العظمى من مدرسي اللغات هو استخدام الصور في التعليم. غير أنّ الكثير منهم و برغم إدراكهم لفاعلية استخدام الصور، لا يعي تمام الوعي الكيفية التي تؤدي بها هذه الوسيلة دورها البيداغوجي و لا يفهم تمام الفهم المزايا التي يقدمها له تبني هذا الأسلوب مما يؤدي إلى استخدام خاطئ أو على أقل تقدير منقوص لهذه الثروة التي بين يدي مدرس اللغة برغم رغبتهم الشديدة في مساعدة المتعلمين و حرصهم التام على إفادتهم. ومن أجل هذا سندرج ست مزايا لاستخدام الصور في تدريس اللغات ، و قد جمعت هذه العناصر من بحوث علمية درست تأثير الصور على تعلم اللغات و فائدتها (هناك إشارة إلى بعض هذه الدراسات في المراجع).
1- تسهيل الفهم و تسريع التذكر
تمكن العلماء و الباحثون منذ بداية القرن الواحد و العشرين و حتى اليوم من التوصل إلى فهم أعمق لكيفية عمل الدماغ البشري بمختلف وظائفه. ولعل من أبرز ما أثبته العلماء بشكل لم يترك للشك مجالا هو دور الصورة و أهمية تأثيرها على عمل الدماغ البشري. لقد وجدت الأبحاث و الدراسات أنّ ما مجموعه 65% من البشر يقعون ضمن ما يُطلق عليهم أصطلاحاً بالمتعلمين البصري. هذا يعني أنّ الغالبية العظمى من المتعلمين (اثنين من كل ثلاثة، و لعلك واحد منهم) يعمل دماغهم بحيث يصوّر لهم صورة شجرة حال سماعهم أو قراءتهم لتلك الكلمة. و يستمر هذا التأثير برغم تعقد اللغة الواصفة و تشعبها. هكذا و عندما يعمد مدرس اللغة إلى ااستخدام الصور أثناء التدريس فهو إنما يقوم بتوظيف ميكانيكة تعلمية مبنية بشكل طبيعي على طريقة عمل الدماغ ما يسهل الفهم. أضف إلى ذلك أنّ الدراسات العلمية قد وجدت بشكل قاطع أنّ العقل البشري أقدر على تذكر الصور و لفترة أطول من قدرته على تذكر الكلمات. و هكذا فإنّ استخدام الصور المتزامن مع الكلمات (في سرد قصة مثلا) يسرّع التذكر و يزيد من فاعليتهِ.
2- تجنب الترجمة أثناء التدريس
تعتمد المجالس العاليمة لتدريس اللغات مبادئ وتوصيات مختلفة لمدريسها، لكنها كلها تجمع على ضرورة تعريض مُتعلّم اللغة إلى اللغة المسموعة بشكل كبير يفوق اِنتاجهُ هو لها لغرض ضمان عملية التعلم بشكل سليم و سريع و فعّال. إذ يوصي المجلس الامريكي لتدريس اللغات الأجنبية (ACTFL) مثلا على ضرورة استخدام مُعلّم اللغة للغة التي يقوم بتعليمها لفترة تصل إلى 90% من وقت الدرس أو أكثر. تأتي هذه التوصية متزامنة مع توصية أخرى و هي الابتعاد قدر الإمكان عن استخدام اللغة الأم. و هكذا يمكننا أن نرى بوضوح ما للدور الذي تلعبه الصورة في جعل مهمة المدرس سهلة حيث يمكنه الاعتماد على الصورة لإيصال كم كبير من المعلومات بدون الاضطرار إلى استخدام اللغة الأم و الترجمة إليها.
3- سهولة ربط المحتوى بثقافة متحدثي تلك اللغة
يدرك معلمو اللغة في القرن الحادي و العشرين ما للثقافة من دور كبير في تعليم اللغات، إذ يكاد يستحيل في أحيان كثيرة تدريس الواحدة دون الأخرى. وقد سبق و أن ذكرنا في مقال آخر ما للمواد الأصيلة من دور في هذا المجال. وتعد الصور جزءً كبيرا من المواد الأصيلة آنفة الذكر. و بربط المفهومين معاً نرى كيف يصبح الاختيار المدروس للصور التي تعكس ثقافة تلك اللغة، أداة طائعة بيد مستخدميها يستطيع مدرس اللغة بواسطتها شرح ما لا تستطيع الكلمات وحدها إيصالها سواء كانت باللغة الأم أم باللغة المراد تدريسها.
4- سهولة ربط المحتوى بمادة أو منهج درس آخر
لا يخفى على الجميع سواء ممن عملوا في مجال تعليم اللغات أم لا أنّ استخدام اللغة في الدروس المخصصة لتعليمها لايمكن أنْ يُحدَّدَ في نطاق واحد أو أنْ يُحصَرَ في موضوع دون سواه. ويوقن معلمو اللغة أنّهم إذا أرادوا أنْ يعطوا دروسهم حقها فإنهم ملزمون بالتطرق إلى شتى المواضيع التي قد تبدوا للوهلة الأولى كـأنها تنتمي إلى درس آخر. إذا يستحيل أنْ يتطرق مدرس اللغة إلى موضوع الجو دون الحديث عن الجغرافيا (ولو بشكل بسيط ومبدئي). و لا يمكنه شرح طريقة التعبير عن الوقت و أجزاء اليوم دون الإشارة ولو من بعيد إلى العلوم. وكذا لن يكتمل درس في اللغة يقصد به شرح اللغة التي يتوجب على متعلم اللغة استخدامها في السوق أو الفندق أو سيارة الأجرة أو التعامل في المصرف بلا أدنى تنويه إلى الحساب (تجدر الاِشارة هنا إلى أنّ الامثلة المستعان بها هنا ما هي إلا مواضيع يدرج استخدامها في تدريس اللغات المختلفة). أضف إلى هذا أنّ بعض مناهج اللغات في بعض مدارسها يعتمد أسلوب الغمر حيث يدرّس الطلاب كافة الدروس و المناهج باللغة المراد تعلمها. وبغض النظر عن الأسلوب سواء كان أسلوب الغمر أم غيره، فلا شك أنّ توظيف الصور في مثل هذه المواقف يلعب دورا مقاربا كثيرا لدورها في إيضاح الثقافة. كون هذه الصور ستشكل جسر الوصل بين الموضوعين ( اللغة من جانب و الجغرافيا أو العلوم أو الحساب أو غيره من جانب آخر) بشكل يضمن سلامة عبور المعلومات و اكتماله.
5- تشجيع المتعلم على الكلام
حين يعمد معلم اللغة على اختيار صور يستخدمها أثناء التدريس بحيث تثير لدى المتعلم التساؤل و الرغبة في معرفة المزيد، فهو في هذه الحالة سيوفر لدى المتعلم دافعا للتواصل بالكلام كونه لا يكتفي بما يرى بل يسعى ليفهم أكثر و يعرف المزيد و يحل لغزا مرئيا ماثلا أمامه. و من الجلي أنّ هذا الاختيار يتطلب خبرة و دراية لدى معلم اللغة يعرف معها ما الذي يثير فضول طلبته و يشد اهتمامهم خصوصا إذا ما اشتمل هذا الموضوع على خاصية ثقافية للناطقين الأصليين باللغة المراد تدريسها.
6- سلاسة انسياب الدرس
بالنظر إلى النقاط الخمس المذكورة آنفا، يمكننا أن نتوصل إلى أنّ استخدام الصور في تدريس اللغات من شأنه أن يزيد من سلاسة انسياب الدرس فهي تساعد على تسهيل الفهم و سرعة التذكر، و توفر على المعلم عناء الترجمة التي قد تتسبب في إعاقة انسياب المعلومات باللغة المراد تدريسها، و تربط و بوضوح بين اللغة المستخدمة أثناء الدرس و بين محتوى ثقافي أو علمي، و تثير في المتعلم الفضول و التساؤل و الرغبة في معرفة المزيد ما يشجعه على الاستمرار في الحديث و التواصل. وهكذا تصبح النقطة السادسة نتيجة حتمية و منطقية لما سبقها من مزايا.
7- إضافة المتعة إلى الدرس
إنّ معظم معلمي اللغات و مدرسيها يعمدون إلى استخدام الصور أثناء التدريس لإدراكهم أنّ هذه الصور تضيف شيئا من المتعة إلى الدرس. وهم ليسوا بمخطئين في تقديرهم هذا بل على العكس من ذلك تماما. إلّا أنّ هذه المتعة المنشودة ليست في الحقيقة أهم الفوائد و أوحدها و ما هي إيضا إلا نتيجة منطقية للاستخدام الأمثل لهذه الوسيلة.
تعليم جديد