اخبار التعليم

ما هو التعلم المنظم ذاتيا Self-Regulated Learning

الارتقاء بالمستويات الأكاديمية للمتعلمين في كافة المراحل التعليمية يعد من المطالب الملحة سواء للمتعلمين أنفسهم أو من قبل الأسرة أو المسؤولين عن العملية التعليمية، وهو ما دفع التربويين والباحثين للبحث عن الطرق التي يمكن بها تحقيق ذلك في ضوء الاهتمام بالمتغيرات المختلفة التي تؤثر في عملية التعلم والتي منها المتغيرات الذاتية والدافعية والبيئية والاستراتيجيات والطرق المستخدمة في التدريس وغير ذلك من العوامل التي تؤثر في عملية التعلم.

إن التطورات الهائلة والسريعة في شتى فروع المعرفة وتزايد الأعداد المقبلة على التعليم فرض على المتخصصين في مجال التربية ضرورة إعادة النظر في الأساليب التربوية التي تلائم هذا الوضع. وقد يتمثل الحل في التعلم المنظم ذاتيا، إذ يتيح هذا النوع من التعلم الفرصة للمتعلمين في التعلم المستمر طوال الحياة هذا بجانب التفوق في مجال التعلم الدراسي. فمن المبادئ المهمة في التعلم أنه يكون أكثر فاعلية عندما يبدأ ويوجه ذاتيا.

مفهوم التعلم المنظم ذاتيا 

إن ظهور مفهوم التعلم المنظم ذاتيا Self-regulated learning تزامن مع ظهور العديد من التطورات التي عكست تحولات عميقة في اهتمامات الباحثين بانتماءاتهم التربوية والنظرية المختلفة خلال النصف الثاني من القرن الماضي، أبرزها التحول من علم النفس السلوكي إلى علم النفس المعرفي والذي أثر بدوره على تغير النظرة إلى التعلم والمتعلم نتيجة ما أكدته وتوصلت إليه النماذج والنظريات المختلفة (مشري، 2014، 168).

ويعرف التعلم المنظم ذاتيا بأنه عملية عقلية معرفية منظمة يكون فيها المتعلم مشاركاً نشطاً فعالاً في عملية تعلمه حتى يتحقق هدفه من التعلم. كما أن المدرسة الحديثة تهدف إلى تنشئة متعلم لديه القدرة على الاستغلال الأمثل لقدراته، و على الاستقلال الذاتي في عملية التعلم، حيث أن عملية التعلم الذاتي لاكتساب المعارف والمهارات وحل المشكلات لا تعد خاصية للتعلم الفعال فقط بل تجاوزت ذلك لتشكل هدفا أساسيا لعملية التعلم طويلة المدى ( الدرابكة، 2018، 150).

أما (Zimmerman 2002 ) فقد عرف التعلم المنظم ذاتيا بأنه ” عمليات التوجيه الذاتية والاعتقادات الذاتية التي تعمل على تحويل قدرات الطالب العقلية كالاستعداد اللغوي إلى مهارة أداء أكاديمية كالكتابة، وهو شكل من أنواع النشاط المتكرر الذي يقوم به الطلاب لاكتساب مهارة أكاديمية، مثل وضع الأهداف، استعراض واختيار الاستراتيجيات والمراقبة الذاتية الفعالة، على عكس أنواع النشاطات التي تحدث لأسباب غير شعورية.

خصائص المتعلم المنظم ذاتيا 

يمتاز سلوك المتعلمين المنظمين ذاتياً بدرجة عالية من المثابرة فهم يخططون ويضعون الأهداف ويراقبون ويقيمون الأداء ذاتياً في مراحل التعلم المتعددة، ويستطيعون إدارة تعلمهم بكفاءة وفعالية ذاتية عالية، ويمتلكون دافعية داخلية، ويعملون على إعداد بيئة تعليمية تحفز التعلم إلى أقصى درجة ممكنة. ومن أهم الخصائص التي يتميز بها هؤلاء المتعلمون هي كما أوردها ( الحسينان، 2010، 17) كالتالي:

  • على علم بالاستراتيجيات المعرفية وكيفية استخدامها (التسميع – استخدام التفاصيل – التنظيم).
  • يعرفون كيف يخططون ويتحكمون ويوجهون عملياتهم العقلية نحو التحصيل وتحقيق أهدافهم الشخصية (ما وراء المعرفية).
  • يظهرون مجموعة من المعتقدات الخاصة بالدافعية والانفعالات التكيفية، كالإحساس بفعالية الذات، وتبني الأهداف التعليمية، وتنمية الأحاسيس الإيجابية نحو المهمة ( المتعة، الرضا، الحماس) وكذلك القدرة على التحكم فيها وتعديلها طبقاً لمتطلبات المهمة والموقف التعليمي.
  • القدرة على تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات الاختيارية التي تقيهم من المشتتات الداخلية والخارجية وتحافظ على تركيزهم وجهدهم أثناء المهمة.
  • لديهم القدرة على التقدير الذاتي والثقة بالنفس في المواقف التعليمية المختلفة و على مواجهة المشكلات.
  • لديهم القدرة على النجاح في المهام التي تتطلب نوعا ما من التحدي والتي ينتج عنها تعلم جديد ذو معنى.
  • يظهرون مجهوداً كبيراً في التحكم في المهام الدراسية وتنظيمها وفي المناخ الفعلي (كيف سيتم التقييم، متطلبات المهمة، تصميم الواجبات الفعلية، تنظيم العمل الجماعي) مثل ماهي الأدوات التي تلزم  لأداء المهمة؟
  • يقيمون نواتج الأداء ذاتياً في ضوء محكات معينة، وإذا وجدوا تفاوتاً بين الأداء المرغوب والأداء الفعلي فإنهم يضبطون نشاطات التعلم.
  • يستخدمون التغذية الراجعة (درجات الاختبار، تعليقات أو كتابات المعلم والزملاء ) عند تقييمهم للأداء ذاتياً.
  • يوجهون جهودهم بشكل شخصي لاكتساب المعرفة والمهارة بدلاً من الاعتماد على المعلمين أو الآباء.
  • واعون بقوتهم وضعفهم الأكاديمي، وواعون بالاستراتيجيات التي يستخدمونها داخل حجرة الدراسة لمواجهة متطلبات مهام التحدي.

مكونات التعلم المنظم ذاتيا 

حدد Zimmerman ثلاث مكونات للتعلم المنظم ذاتيا كما أوردها ( بني أحمد، 2014، 14) وهي كالتالي:

1- المعرفة:

المعرفة السابقة للمتعلم تسيطر على ضبط إمكانات التعلم الجديدة، وبهذا ينظر للمتعلم ذو المستوى المرتفع في التعلم المنظم ذاتياً على أنه يمتلك أساسا معرفيا جيدا يمكنه من توظيف الاستراتيجيات المعرفية في تعلم المهام الأكاديمية التي تسند إلبه بفاعلية. فمعرفة الفرد تمكنه من فهم المهام المعروضة وتحديد الهدف منها وتحديد المعلومات المطلوبة لأدائها مثل القوانين والحقائق، و تساعده كذلك في تكوين تنبؤات وتوقعات للنتائج وبهذا تسهل المعرفة الأداء الفعلي للمهمة.

2- ما وراء المعرفة:

ينظر علماء النفس إلى مفهوم ما وراء المعرفة بأنه التفكير في التفكير أو وعي الفرد بعمليات التفكير التي تحصل أثناء التفكير أو مراقبة التفكير أو وعي الأفراد بآلية معرفتهم وتفكيرهم، وكيف تعمل هذه الآلية وكيف يتطور ذلك الوعي بتفكير الآخرين. فقدرات ما وراء المعرفة هي القدرات التي يراقب فيها المتعلم أداءه والتي يوظف فيها استراتيجيات مختلفة من أجل أن يتعلم ويتذكر والتي تتطور وتتحسن مع العمر.

3- الدافعية:

للدافعية أهمية كبيرة كونها أحد مكونات التعلم المنظم ذاتيا ، حيث تسهم في تركيز الانتباه واختيار المهام والأنشطة والاستراتيجيات. فوظيفة الدافعية في عملية التعلم ثلاثية الأبعاد، فالدوافع أولاً تحرر الطاقة الانفعالية الكامنة في الفرد، وتعد الأساس الأول في اكتساب المهارة أي أنها تكمن فيها أسس عملية التعلم. والوظيفة الثانية أنها تملي على الفرد الاستجابة لموقف معين وإهمال المواقف الأخرى. أما الوظيفة الثالثة فهي توجه السلوك وتقوده إلى تحقيق غرض معين.

استراتيجيات التعلم المنظم ذاتيا 

ويجب التأكيد أن استراتيجيات التعلم المنظم ذاتيا يطبقها الفرد بطريقة شعورية لتنظيم تعلم المهام المطلوبة، وفيما يلي توضيح لأهم تلك الاستراتيجيات كما أوردها (رشوان، 2006، 55):

1- التسميع:

وتشير هذه الاستراتيجية إلى جهد المتعلم في حفظ وتذكر المعلومات وذلك عن طريق التكرار أو الممارسة للمعلومات الجديدة في محاولة حفظها وعدم نسيانها.

2- التفصيل:

وتتضمن هذه الاستراتيجية محاولة المتعلم توضيح وتفصيل المعلومات وذلك عن طريق عمل الملخصات التوضيحية وكتابة الملاحظات ووضع الخطوط وعمل الأشكال والمخططات التفصيلية.

3- التنظيم:

وتتضمن هذه الاستراتيجية محاولات المتعلم الظاهرة والضمنية لإعادة تنظيم وترتيب المعلومات المقدمة لكي يسهل فهمها بغرض تحسين عملية التعلم، وتتمثل في عمل مخططات وجداول وأشكال تسهل تنظيم المادة أو تكوين أفكار مختصرة ترتبط بمعارفه السابقة. وتعد من الاستراتيجيات الفعالة في التعلم حيث يقوم فيها المتعلم بربط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابق تعلمها مما يسهم في تحويل المعلومات إلى بنيات ذات معنى وهو ما يتفق مع الآراء البنائية في التعلم.

4- التخطيط ووضع الأهداف:

وتشير إلى تحديد المتعلم لأهدافه من القيام بعمل ما وإعداده إلى وضع خطة لتحقيقها.

5- المراقبة الذاتية:

وتشير إلى تقييم مدى الاقتراب النسبي إلى الأهداف الموضوعة للأداء وتوليد التغذية الراجعة التي ترشد السلوكيات التالية.

6- مكافئة الذات:

وفيها يعد المتعلم نفسه ببعض المكافآت والحوافز الإيجابية كنتيجة لإكماله المهمة بنجاح أو بعض أنواع العقاب في حالة الفشل، وفي ذلك يحاول المتعلم زيادة الجهد والوقت في التعامل مع المهمة حتى يصل إلى تحقيق الهدف المطلوب.

7- تنشيط الاهتمام:

فعندما تتكون لدى الفرد انطباعات بأن هذه المهمة غير ذات أهمية بالنسبة له فسوف يشعر بالملل وقد لا يستمر في أدائها أو لا يحقق المستوى المطلوب للأداء. فلابد أن يوجد لنفسه بعض الأسباب التي تزيد من الأهمية النسبية للمهمة وبالتالي يعاود الاندماج في أدائها. فاستخدام هذه الاستراتيجية يتضمن إعادة تحديد موقف التعلم وأهميته مما يجعل الفرد يعاود الاندماج في العمل.

8- حوار الذات عن الإتقان:

وفيها يحاول المتعلم استخدام الأفكار أو الحديث عن الذات للوصف أو للتوضيح أو للتأكيد على أسبابه لإكمال العمل، وهنا يحاول المتعلم أن يدفع ذاته بتذكير نفسه بأن هدفه هو الإتقان واكتساب معلومات جديدة لم يكن يعرفها من قبل وأنه يستطيع القيام بهذا العمل بصورة ترضيه وتجعله يحقق مستويات عالية من الإتقان والمهارة وبالتالي يؤكد لنفسه أنه لابد أن يكمل العمل أو المهمة.

9- حوار الذات عن الأداء:

وفيها يحاول المتعلم استخدام الأفكار أو الحديث إلى الذات للوصف أو للتوضيح أو للتأكيد على أسبابه لإكمال العمل وهنا يحاول المتعلم أن يدفع ذاته بتذكير نفسه بأن هدفه هو الحصول على درجات مرتفعة أو التفوق أي أن الفرد يؤكد لنفسه ضرورة أن يكمل العمل بالتفكير في نتائج الأداء أكثر من التفكير في أهمية التعلم.

10- الضبط البيئي:

وتفيد هذه الاستراتيجية في تنظيم بيئة التعلم المكانية، حيث يحاول المتعلم الوصول إلى أفضل ترتيب لبيئة التعلم يساعده على التعلم والابتعاد عن كل ما يشتت جهوده ويقلل من تركيزه.

11- طلب العون الأكاديمي:

وتتمثل في سعي المتعلم للحصول على المساعدة من الآخرين كالأقران والمعلمين والأسرة، وتعد من استراتيجيات التعلم المنظم ذاتيا في الإطار الاجتماعي، ويلجأ إليها المتعلم عندما تواجهه صعوبة ما أثناء التعامل مع المهام.

12- تعلم الأقران:

ويتم هنا الاستفادة من التعلم الجماعي، وتختلف عن استراتيجية طلب العون الأكاديمي حيث أن المتعلم لا يهدف من مشاركته للأقران حل مشكلة معينة تواجهه، وإنما المقصود هنا مشاركة المتعلم في الأنشطة والمناقشات الجماعية بغرض تحقيق مستوى أفضل من التعلم.

13- إدارة الوقت:

يحاول هنا المتعلم جدولة الوقت وتقسيمه في صورة تتيح له الاستخدام الأمثل له حتى لا يشعر بأن الوقت المتاح لا يكفي لأداء المهام المطلوبة.

14- الاحتفاظ بالسجلات:

وتشير هذه الاستراتيجية إلى محاولة المتعلم عمل بعض التقارير والسجلات التي يسجل فيها نتائج أدائه للعمل أو أحداث معينة داخل المحاضرة أو نتائج استخدامه لأسلوب معين في حل مشكلة واجهته. وتتضح هذه الاستراتيجية من خلال احتفاظ المتعلم بالنقاط المهمة التي ترد في المناقشات التي تدور في المحاضرات وتسجيلها بغرض الاستفادة منها كلما أمكن وتسجيل الأخطاء في محاولة تجنبها فيما بعد.

17- التقويم الذاتي:

وتشير إلى مقارنة المتعلم للمخرجات بالمعايير الموضوعية للأداء أو بالأهداف المراد تحقيقها. وتكمن أهمية التقويم الذاتي في التعلم المنظم ذاتيا في أنه إذا كان الحكم على نواتج الأداء سلبياً فإن المتعلم يعدل الاستراتيجية التي يستخدمها في أداء المهام، وقد يلجأ لطلب العون أو يعيد تنظيم بيئة التعلم بما يساعد في تحقيق الأهداف المرغوبة.

 

تعليم جديد

إغلاق