مفاهيم
مجتمعات التعلم المهنية
تعد التنمية المهنية للمعلم من أهم العوامل المساعدة على تميز المعلم وبقاءه دائما مواكبا للتغيرات الحاصلة في المجتمع من حوله، عن طرق التزود بكل ما يمكنه من التفاعل مع التغيرات والتأثير الإيجابي في المتعلمين، وقد عرف نشوان (1982م) التنمية المهنية بأنها “عملية منظمة مدروسة لبناء مهارات تربوية وإدارية وشخصية جديدة لدى المعلمين، ولتطوير كفايتهم التعليمية من جانبين هما الجانب السلوكي والجانب المعرفي”.
ومن نماذج التنمية المهنية في المملكة العربية السعودية المركز الوطني للتطوير المهني التعليمي، الذي يعد بيتَ خبرةٍ رائدا ومتميزا في التطوير المهني للارتقاء بأداء العاملين في القطاع التعليمي، تتمثل رؤيته في بناء منظومة متكاملة للتطوير المهني المستمر للعاملين في القطاع التعليمي وإدارتها لدعم تمهين التعليم، وتعزيز التنمية المهنية المستدامة لجميع العناصر البشرية في النظام التعليمي.
وتتمثل أدوار ومسؤوليات المركز في:
– ضبط جودة التطوير المهني في القطاع التعليمي
– وإجراء البحوث والدراسات العلمية ذات العلاقة بالتطوير المهني
– تقديم الاستشارات الفنية المباشرة وتصميم الحلول المعتمدة على البحوث العلمية
– وتقديم البرامج النوعية ذات الطبيعة الخاصة ومنها: برنامج ساعة البرمجة، وبرنامج التطوير المهني القائم على بحث الدرس، وبرنامج خبرات. (المركز الوطني للتطوير المهني التعليمي، 2018م).
ومؤخرا ظهر توجه حديث في التنمية المهنية للمعلم يقوم على إصلاح الخلل في إعداد المعلم وتطويره من داخل المدارس؛ وذلك عن طريق مجموعات من الأفراد المنتمين إلى نفس المهنة تتشكل وفق مستويات مختلفة يجمعهم الاهتمام المشترك بجعل أدائهم أكثر كفاءة وفاعلية، ويعملون بصورة تعاونية من خلال أوعية متعددة لتبادل الخبرات واكتساب أفضل الممارسات ومعالجة الصعوبات والتحديات التي تواجه عملهم، بالتركيز على التعلم الفعلي للمتعلمين بالبحث عن أنجح الطرق التي تساعد على تحقيقه والرفع من مستواه.
وبرزت أهمية مفهوم مجتمعات التعلم المهنية من خلال نتائج الأبحاث التي أظهرت أثر ثقافة التعاون بين المعلمين على الرضى الوظيفي الشعور بالمسؤولية عن تعلم طلابهم، واتضح أن غياب ثقافة التعاون، وعدم توفر آليات لتقديم الدعم بين الأقران عند الحاجة تترك أثرها على شعور المعلمين بالعزلة المهنية والخوف من الفشل، كما أن المعارف والمهارات الضرورية لعملية التعليم لا توجد في الكتب والمراجع، بل تكمن في خبرات المعلمين وممارساتهم اليومية التي غالباً ما تظل حبيسة لدى كل منهم، ولذا فإن أهم الطرق التي تساعد على التطوير فتح قنوات بين المعلمين لتبادل الأفكار وتشاركها من ناحية، والتعاون في استخدام استراتيجيات جديدة، وتطوير المطبقة لزيادة فاعليتها من ناحية أخرى.
وهناك مجموعة من المزايا في مجتمعات التعلم المهنية أولها يعود على أعضاء المجتمع المدرسي من خلال:
– زيادة سرعة استجابة المعلمين للمستجدات
– وتحديث معارفهم باستمرار
– وتعميق ممارسات التعليم من خلال تطبيق وتجريب استراتيجيات محددة في مواقف مختلفة
– وتوليد الفرضيات الجديدة لتطوير العمل واختبارها
– جسر الفجوة في الأداء بين المشاركين
– التعرف على مفاهيم مختلفة للمسألة الواحدة
– التعرف على الممارسات المتنوعة في البيئات المختلفة.
أما ثانيها فيعود على المدرسة عن طريق:
– مواجهة التحديات التي تعوق عمل المدرسة بفاعلية
– معالجة المشكلات المستعصية والمزمنة
– التحول إلى مؤسسة تعلم عالي النوعية لجميع منسوبيها
– توفير مصادر أكبر وأكثر تنوعا.
أما ثالث جوانب المزايا فيرجع إلى التنمية المهنية للمعلم وذلك بجعلها أكثر فاعلية، حيث تبين أن المعلمين يكتسبون 70% مما يحتاجونه من خلال التجربة والممارسة في بيئة العمل و20% من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، بينما يحصلون على 10% فقط من خلال التدريب والتعلم التقليدي.
وتقوم مجتمعات التعلم المهنية على عدد من المبادئ الأساسية التي تشكل ركائز مجتمع التعلم وتميزه عن أي تجمع آخر، وأهمها:
1- تشارك الرؤية والقيم والأهداف:
حيث توفر الفهم المشترك لرؤية المدرسة، والأهداف التي يسعى منسوبوها لتحقيقها، والقيم والقناعات والاتجاهات التي يحملونها ويؤمنون بها.
2- تبني ثقافة التعاون:
فيصبح التعاون عملية منهجية للاستجابة لكافة التحديات التي تواجه عمل المدرسة بدءا من تحليل نتائج تعلم الطلاب، إلى البحث عن وسائل لتحسن الممارسات الصفية، والتخطيط لمشاريع التعلم المشترك، ومعالجة الظواهر السلوكية، وتطوير العلاقة مع المجتمع المحلي.
3- التركيز على تعلم الطلاب:
فبدلا من متابعة إدارة المدرسة لكراسات تحضير الدروس فقط، ينتقل الاهتمام إلى متابعة سجل سير تعلم الطلاب وملفات إنجازهم وقراءة نتائجهم وتحصيلهم الدراسي، بالإضافة إلى تغير القيم والاتجاهات التي يحملها المعلمون.
4- التركيز على النتائج:
بالاهتمام ببيانات تعلم الطلاب ودراستها وتحويلها إلى معلومات تساعد على تحسين التعلم، والابتعاد عن التعميمات والمتوسطات التي تغفل الواقع الفعلي.
ويمكن أن تمارس مجتمعات التعلم المهنية عملها من خلال عدة أوعية منها:
1- التدريب المباشر:
يقدم هذا الوعاء برامج مصممة على أسس ومعايير مهنية، ووفق احتياجات تدريبية فعلية للمعلمين والقيادات المدرسية، مبنية بشكل علمي يحقق رؤية التطوير في المدرسة، ويتواكب مع المستجدات التربوية.
2- ورش العمل وحلقات النقاش:
بدعوة مجموعة من المعلمين أو المشرفين التربويين أو مجموعة من المختصين يكون القاسم المشترك بينهم مهام ومسؤوليات أو اهتمامات أو تخصصات مشتركة، والغرض من ورش العمل في الدرجة الأولى إكساب المشاركين مهارات معينة، أما حلقات النقاش فتتناول مناقشة مجموعة من المختصين مثل فريق من المعلمين أو المشرفين مفهوماً تربوياً حديثاً أو قضية تربوية للوصول إلى رأي أو حلول أو قرارات مشتركة يقرها ويتبناها الجميع.
3- المؤتمرات والندوات المتخصصة:
بإقامة مؤتمر أو ندوة لمجموعة من المتخصصين في مجال معين، ويمكن أن يقام المؤتمر على مستوى إدارة التربية والتعليم، للتعرف على أحدث الدراسات العلمية والأبحاث التطبيقية وإثراء خبرات المشاركين وتنمية اتجاهاتهم العملية والبحثية.
4- البرامج الأكاديمية:
وتصمم من جهات متخصصة كالجامعات والمعاهد وغيرها من المؤسسات العلمية، بحيث تدعم بناء كفاءات وخبرات متخصصة ومؤهلة في المدارس.
5- البحوث الإجرائية:
باكتساب المعلمين والقيادات المدرسية خبرات عملية ومعرفية تحسن أداءهم، بطرح أسئلة عن الوضع الراهن، والبحث عن أساليب جديدة واختبارها، ثم التأمل في النتائج.
6- تدريب الأقران:
بتبادل الخبرات والمعارف بن زميلين يشتركان في المهام والمسؤوليات والتخصص من خلال العمل التعاوني على تطوير أدائهما وتحسين ممارساتهما المهنية، ويتطلب ذلك الاتفاق على تحديد المجالات المستهدفة بتبادل الخبرة وتصميم أدوات ملاحظة للممارسات المطبقة.
7- التوأمة المهنية:
بربط مؤسسة تعليمية بقيادة ذات خبرة وذات تجارب ناجحة لتحقيق مستوى أكبر من الفائدة.
8- الشبكات المهنية:
وهي شبكات تربط بين مجموعة من المتخصصين أو المعلمين أو المشرفين التربويين من خلال قنوات إلكترونية، لتوفر فرصة تبادل الخبرات والتجارب ودعم بعضهم بعض، وترسيخ مفهوم مجتمع المعرفة.
9- مجموعات التخصص:
تتشكل المجموعات بناء على اهتمامات محددة سواء أكانت اهتمامات علمية أم كانت اهتمامات تربوية، فقد تتكون مجموعة التخصص اعتمادا على اهتمامات أعضائها بمشكلة تربوية محددة، أو تطوير طريقة معينة، وتمثل فرصة لتبادل الخبرات والتعاون في سبيل تحقيق أهداف مشتركة (البرنامج الوطني لتطوير المدارس، 1436هـ)
تعليم جديد