اخبار التعليم
لمحة تاريخية لتطور مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية
يعد التعليم من أهم عوامل التغيير في المجتمع، فقد حظي باهتمام لامثيل له في هذه البلاد منذ أن تأسست على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -يرحمه الله- ثم تواصلت جهود ولاة الأمر من بعده في دعم مسيرة التطوير بحزم وتصميم حتى شملت النهضة مختلف المجالات: التعليمية منها والاجتماعية والصحية والاقتصادية والعمرانية، تماشيا مع أهداف الخطط التنموية التي تبنتها الدولة ابتداء من عام 1390هـ.
لهذا أولت وزارة التعليم جل اهتمامها وعنايتها بالمنهج المدرسي، لكونه الوسيلة التي يعول عليها لتحقيق الأهداف المنشودة من العملية التعليمية، في ضوء التطورات التي يشهدها العالم مما يستوجب التمحيص والتطوير للمناهج بما لا يتنافى مع العقيدة الإسلامية.
في هذا المقال سأوضح مراحل تطور مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية بعد إنشاء مديرية المعارف، إذ أن المملكة شهدت تطورا كبيرا وقفزة سريعة في التعليم، وعليه سيتم التطرق إلى المراحل التاريخية لتطور التعليم:
– المرحلة الأولى (1319-1343هـ)
يطلق على هذه المرحلة مرحلة البدء بالاهتمام بالتعليم، فبعد أن استرد الملك عبد العزيز -يرحمه الله- مدينة الرياض عام 1319هـ أدرك أهمية التعليم، وأدرك الحاجة إلى تحقيق وثبة حضارية في مجال التعليم.
فالتعليم في تلك الفترة كان قاصرا على علوم الدين واللغة العربية، وقد ظل التعليم التقليدي غير النظامي سائدا في تلك الفترة لكن بروح جديدة وبتشجيع ومساندة من الملك عبد العزيز يرحمه الله.
فكان الملك المؤسس يشجع شيوخ القبائل على تعليم جماعتهم أمور دينهم و كان يرسل مع كل شيخ قبيلة عالما يعلمهم.
– المرحلة الثانية (1344-1373هـ)
يمكن أن نقول على هذه المرحلة أنها بداية التعليم النظامي في المملكة العربية السعودية، فبعد أن دخل الملك عبد العزيز مكة عام 1343هـ دعا إلى أول اجتماع تعليمي يعقده في تاريخ المملكة، فكان أشبه ما يكون بمؤتمر تداول فيه الملك ورجال العلم والأدب وفي مقدمتهم علماء الحرم أهمية العلم والتعليم وضرورة نشره والتوسع فيه.
وفي عام 1344 هـ أصدر الملك عبد العزيز قرارا بإنشاء مديرية المعارف وذلك لهدفين:
الأول: تعميم التعليم ونشره في أنحاء البلاد.
الثاني: إقامة نظام تعليمي متكامل.
وفي عام 1346هـ تم تأسيس مجلس للمعارف، يعد جهازا مساندا لأعمال مديرية المعارف، فهو يجمع بين الإشراف على المدارس والموافقة على ميزانية المعارف وتعيين المدرسين وعزلهم والاهتمام بدراسة برامج التعليم ومناهجه والموافقه عليها واختيار الكتب المدرسية.
ومن ملامح تطور التعليم في هذه المرحلة تحديد مراحل التعليم في أربع مراحل (المرحلة التحضيرية ومدتها 3 سنوات، المرحلة الابتدائية ومدتها 4 سنوات، المرحلة الثانوية ومدتها 4 سنوات، المرحلة العالية وتدوم سنة واحدة ).
و بعد أن تم توحيد المملكة العربية السعودية، توسعت جهود مديرية المعارف، فلم تعد جهودها قاصرة على الإشراف على التعليم في منطقة الحجاز، بل شملت الإشراف على كافة مناطق المملكة العربية السعودية. وفي عام 1347هـ صدر أول نظام للمدارس، وتضمن هذا النظام شروط القبول بالمدرسة ومدة الدراسة بها وواجبات التلاميذ و نظام التقويم والامتحانات. وظل هذا النظام ساريا لمدة 10 سنوات حتى سنة 1358هـ، حيث عدل عليه بمجانية التعليم في جميع المدارس الحكومية، وفي عام 1362هـ عدل أيضا على نظام التعليم بالمملكة، لتصبح المرحلة الابتدائية ست سنوات بدلا من أربع، بعد دمج المرحلة التحضيرية مع الابتدائية وضم السنة الأخيرة مع المرحلة المتوسطة، وقُسمت المرحلة الثانوية إلى قسمين هما المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، لكل مرحلة ثلاث سنوات دراسية.
ومن الملاحظ أن تجربة المديرية العامة للمعارف في بناء المناهج في هذه المرحلة، تجربة بسيطة غير معقدة، ويتضح ذلك من الاستفادة من المناهج المصرية، مع التغيير البسيط والتحوير الضئيل عليها، واستقدام المدرسين من مصر، وعدم وجود أهداف عامة تستند عليها عند بنائها لتلك المناهج أو عدم وجود سياسة واضحة، ومعايير علمية يتم البناء على أساسها، كما أن كان هناك فصل تام بين الموضوعات والمقررات الدراسية وغياب فكرة الدمج بين العلوم، وعدم ارتباط المناهج بالخطط العامة للدولة، والتركيز فقط على استنادها على الأصول الدينية القرآن والسنة، وتكوين أفراد متعلمين في ضوء الكتاب والسنة، وعدم ارتباطها بتطلعات وآمال واحتياجات المجتمع.
– المرحلة الثالثة (1373-1390هـ)
في هذه المرحلة تأسست وزارة المعارف، وعين الأمير فهد بن عبد العزيز وزيرا لها، وتم التوسع في التعليم ونشره ووضع الأسس التشريعية والفنية له، وفي عام1377هـ طبق أول منهج سعودي وُضع خصيصا لمدارس المملكة العربية السعودية، وعقد أول مؤتمر تعليمي لدراسة مشاكل التعليم واتخاذ الحلول لها والتخطيط للمستقبل. وكانت من التوصيات المهمة التي توصل لها العناية بالتعليم الفني ونشر التعليم الصناعي.
وفي هذه المرحلة أُنشئت أول جامعة سعودية وهي جامعة الملك سعود عام1377هـ، وفي عام 1380هـ أنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات، ونذكر أن تعليم البنات قبل إنشاء الرئاسة واجه معارضة شديدة من الأهالي، فكان العلماء يبينون للمعارضين أهمية تعليم البنات و أن الإسلام حث على التعلم وطلب العلم. ونتيجة هذه المعارضات تأخر تعليم البنات 30 سنة تقريبا عن تعليم البنين.
بعد إنشاء الرئاسة وفي أقل من 10 سنوات تمكنت الرئاسة من تحقيق نظام تعليمي متكامل للبنات من التعليم الابتدائي إلى المتوسط ثم إلى الثانوي، و التوسع السريع في إنشاء المدارس الحكومية للبنات. و ظلت الرئاسة تأخذ بالمناهج المطبقة لدى وزارة المعارف مع بعض التعديلات في بعض الخطط الدراسية وبعض المواد.
بدأ أيضا ظهور الاهتمام بالنوع والكيف، والتركيز على ربط المناهج التعليمية بالبيئة الاجتماعية، إلا أنها بقيت غير بعيدة عن تجربة المرحلة الثانية، حيث كانت بعيدة نوعاً ما عن وضوح أهداف التعليم العام في المملكة العربية السعودية، وعدم ربط تلك المناهج بالاحتياجات الحالية والمستقبلية للمملكة، و كذلك فعمليات بناء المناهج الدراسية لم تكن على أسس ودراسات علمية تهتم بعمليات التصميم ودراسات الحاجة واستشراف المستقبل.
– المرحلة الرابعة (1390-1423هـ)
أصبحت هذه الفترة هي فترة التخطيط الشامل للتعليم وربطه بخطط التنمية الخمسية. في عام 1390هـ صدرت وثيقة مهمة وهي “سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية” أصبحت هي المرجع الأساسي لنظام التعليم وأهدافه وكل ما يتعلق به من أحكام، فأكدت الوثيقة أن السياسة التعليمية للمملكة منبثقة من تعاليم الدين الإسلامي، وتضمنت هذه الوثيقة أحكاما عامة وغايات التعليم وأهدافه وأهداف التعليم في كل مرحلة.
و تعرف السياسة التعليمية على أنها:
- تفكير منظم يوجه الأنشطة والمشروعات في ميدان التربية والتعليم، والتي يراها واضعو السياسة التعليمية كفيلة بتحقيق الطموحات التي يتطلع المجتمع والأفراد إلى تحقيقها في ضوء الظروف والإمكانيات المتاحة.
- هي الإطار العام الذي يوجه العمل الإداري والفني في النظام التعليمي ومؤسساته، كما أنها الإطار الذي تقوم على أساسه إنجازات هذا النظام بصفة عامة.
في هذه المرحلة تم تشكيل لجنة عليا لتخطيط وتطوير المناهج الدراسية برئاسة معالي وزير المعارف، ومن الملاحظ أن هذه المرحلة بدأ فيها الاهتمام بالكيف إلى حد ما، مع وضوح تأثير الأهداف العامة لسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، وانعكاس ذلك على خططها وبرامجها ومناهجها، والاهتمام بالحاسب الآلي وإدخاله في المجال التعليمي، وكذلك الاهتمام بتنوع طرائق التدريس والتوجيه لتوظيف واستخدام الوسائل التعليمية في المجال التعليمي، وتغير صياغة محتوى الكتاب المدرسي، والاعتماد داخلياً على تصميم وتأليف الكتب والمقررات الدراسية وعدم الاعتماد على الغير في ذلك.
– المرحلة الخامسة (1423-حتى الآن)
في عام 1423هـ دمجت وزارة المعارف مع رئاسة تعليم البنات تحت مسمى وزارة التربية والتعليم، وفي عام 1436هـ دمجت وزارة التربية والتعليم مع وزارة التعليم العالي تحت مسمى وزارة التعليم وذلك من أجل توحيد الجهود في التخطيط والتطوير.
في هذه الفترة أصبحت عمليات بناء المناهج بسواعد وخبرات وطنية، مؤهلة تأهيلاً علمياً جيداً، كما اهتمت الوزارة بعمليات التجريب قبل عمليات التعميم، وتدريب المعلمين قبل التعميم النهائي للمنهج أو الكتاب المدرسي.
تعليم جديد