اخبار التعليم

مستقبل التعليم : هكذا ستكون الفصول الدراسية عام 2030

في هذا المقال ، يحاول الكاتب John B. Mahaffie  أخذنا في رحلة إلى المستقبل لاستشراف ما سيكون عليه التعليم في سنة 2030 ، و ذلك في قالب سردي ، يمزج بين الخيال و الاستشراف المستقبلي المبني على الحاضر بامكاناته التكنولوجية الهائلة ، و الذي يمكن للتعليم أن يقطع أشواطا كبيرة  نحو تكييف التعلمات إذا استفاد منها. ”

تدور أحداث هذه الحكاية الافتراضية عام 2030 في أحد الفصول الدراسية التابعة لمدرسة ابتدائية في مدينة لوزون في الفلبين، إلّا أنّ هذا الفصل يمكن أن يتواجد في أي مكان آخر في العالم .

التعلم هنا ممتع، و مكيف مع احتياجات كل طفل، ويستفيد من قوّة التكنولوجيا. لا يجسّد هذا التصوّر المستقبل الحتميّ للتعليم، إنّما هو الاحتمال الذي نتمنّاه بشدّة. إن استشراف المستقبل بهذه الطريقة سيساعدنا على تقييم النظام التعليمي، نظام حان موعد تغييره، نظام يحتاج  لإعادة التفكير وإعادة التصميم. دعونا إذن نعيش هذه الحكاية لنعرف ما سيكون عليه التعليم مستقبلا :

” ضوء الشاشة ينعكس على وجه مارتا غوميز بينما تتابع لوحة قياس أداء الطلّاب على لوحتها الإلكترونية. الطلاب يعملون بشكل جيد هذا الصباح. ولكن ما الذي يحدث مع سيرجيو ؟ هناك وميض بطيء حول الأيقونة الخاصة به على الشاشة يخبر المعلمة أنه يعاني من بعض الصعوبات في استيعاب مفهوم مرتبة العدد. مما يعني أن سيرجيو سيجد صعوبة في مواكبة وتيرة التعلم في فصل الرياضيات القادم.

تلقي المعلمة نظرة على الرسم البياني الذي يظهر الأداء الدراسي لسيرجيو في مادة الرياضيات خلال الأشهر القليلة الماضية . “آه… هكذا إذن”، تقول مارتا و هي تبتسم.  لقد اكتشفت أن سيرجيو  لم يحضُر بعض الدروس السابقة مما جعله غير مستعد لدرسه الحالي. الأمر أصبح واضحا الآن، التقييم المستمر أو المراقبة المستمرة، كبديل للاختبارات الكلاسيكية، تحدث فرقا في مساعدة الطلاب لتحقيق النجاح.

تأمر مارتا برنامج LearnQuest أن يقدم لسيرجيو الدرس الذي فاته على شكل  لعبة، مما سيجعله يعيد عناصر الدرس السابق بطريقة ممتعة. بعد بضع دقائق، تنظر مارتا إلى سيرجيو من جديد، لم يعد يحدّق شاردا من النافذة كعادته، لكن بالرغم من ذلك، تتجه مارتا نحوه، و تسأله: كيف تسير الأمور؟ “بخير معلّمتي”، يقولها محدّقا في وجه معلمته بعينيه البنيتين اللامعتين. في الحقيقة هو لم يعلم أنّه كان يواجه صعوبة معيّنة، لكنّ المعلّمة أرادت أن تتأكّد من ثقته بنفسه.

 

كافحت مارتا كثيرا في تعلمّ الرياضيات عندما كانت في المدرسة سنة 2010. من الجيد أن برنامج LearnQuest يمكنه تدريس هذه المادة بكفاءة الآن، كلّ ماعليها هو أن تتأكّد أنّ سيرجيو و غيره من الأطفال سعداء ويشعرون بالرضا التام تجاه التقدم الذي يحرزونه. أحيانا تتساءل مارتا كيف كان ليكون التعلّم في زمنها هي لو توفر LearnQuest حينها ، لكانت قضت ليال أقلّ في البكاء، هذا أكيد.

تتفقد مارتا تلاميذها، بينما تتفحّص لوحة قياس أداء الطلّاب على كمبيوترها اللوحي.  في فترة قبل الظهر، يكون فصلها الدراسي هادئا: مجموعات الطلاب منهمكة في العمل على مواد  دراسية  مختلفة يختارها البرنامج تبعا لوتيرة تعلمهم، و الكثير من العوامل الأخرى التي  لا تضطر مارتا للقلق بشأنها، فـ LearnQuest  يتتبع عيونهم و لمساتهم لشاشات أجهزتهم، ويقوم في نفس الوقت بتحليل عمل كل طفل. لا تعلم مارتا  كيف يقوم learnQuest بذلك،  لكن هذا البرنامج سيقوم بتنبيهها عندما يقع ما يستدعي ذلك.

في نافذة أخرى على كمبيوترها اللوحي ، تقوم مارتا أيضا بالتحقق من إنجازات أربعة أطفال يتابعون الحصة الدراسية من منازلهم. اثنين منهم تأخروا عن موعد الحافلة المدرسية، بيني مريض،  أما جيمي  فيتابع  دروسه عن بعد  بشكل مستمر لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.  مارتا  تدير عمل هؤلاء التلاميذ الأربعة  مباشرة من جهازها، و يمكنها أيضا فتح محادثة فيديو مع أي واحد منهم في حالة احتاجت إلى ذلك.

قريبا، سوف تذهب مجموعة من الطلاب إلى  فضاء الأعمال اليدوية MakeSpace ، حيث سيقومون بطباعة ثلاثية الأبعاد لتصاميم المشاريع الفنية الخاصة بهم بواسطة آلة صنع النماذج Form maker. مارتا تحب MakeSpace بسبب حجم المتعة التي يجدها الطلاب في هذا المكان، فقد صممت وزارة التربية و التعليم المناهج الدراسية بطريقة تجعل الطلاب مستعدين لتقلّد الوظائف الفنية، دون أن يشعروا حتّى أنهم بصدد التعلم. فهم يقومون باستكشاف وتجريب واختبار وتصميم وبناء الأشياء. إنه مزيج من الفن و العلم و النجارة. إنه كذلك مزيج من العمل الجماعي والتصميم و الهندسة.

مستقبل التعليم
نموذج لفضاء الأعمال اليدوية

 

مجموعة أخرى على استعداد للذهاب إلى فضاء التعلم الغامر Immersive Learning . و قد طلبت منهم مارتا إعداد محاكاة افتراضية holostage بهدف عرضها في الفصل. تمكن باكو و ايلينا من اقناع الآخرين باختيار محاكاة زيارة افتراضية لليوناردو دا فينشي يتحدث فيها عن آلات الطيران الخاصة به . الصورالمجسمة ثلاثية الأبعاد Holograms  تجلب -افتراضيا- للطلاب الأماكن و الأشخاص من أي زمان و مكان. هذه التكنولوجيا ما زالت تدهش مارتا وتخيفها حيث لم يسبق لمدرستها أن امتلكت مثلها.

 

أشرفت الحصة الصباحية على الانتهاء ، و قد قام الأطفال اليوم بالكثير من العمل. تجلس مارتا و تتنهد، تنظر إلى ساعة كمبيوترها اللوحي، و تنادي طلابها:  “من يريد اللعب في الخارج ؟!”، يجيب الأطفال بصوت موحد يعبر عن بهجتهم و ترحيبهم بالفكرة . سيرجيو يقف بالفعل ، لقد حان الوقت لبعض المرح خارج الفصل . لكن مارتا تعرف أن الدروس تتواصل حتى خارج الفصل : إنه لعب لكنه بالطبع لعب بيداغوجي. فالنهر و الأشجار المحيطة بالمدرسة هي أماكن للتعلم أيضا.

هذه الأفكار تتطلب منا أن نغير الطريقة التي ننظر بها إلى منظومة التعليم. حان الوقت لندرك الإمكانيات المتاحة من أجل إحداث التغيير المنشود في الأركان الأساسية للنظام و الاستعداد لإطلاق التغيير الإيجابي.

ينبغي لنا إذن:

1). إعادة تعريف المعلم كميسر للتعلم، فالمربون بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة لأداء هذه المهمة. ويجب علينا أن نستثمر في الأدوات البرمجية التي تمكن المعلمين من الوصول إلى المناهج المرتبطة بأهداف التعلم، و مساعدتهم على تكييفها مع  الاحتياجات الفردية لكل طفل.

2). تأمين انفتاح المدرسة على المحيط الخارجي من خلال تبني فكرة العالم كفصل دراسي مفتوح، والأدوات التكنولوجية كمفتاح للاستفادة من المعرفة والموارد والخبرات من كل مكان. و لا يلزم أن تكون المدرسة ذات موارد ضخمة للقيام بذلك، طالما أنها مرتبطة بشبكة الإنترنت و تتوفر لديها بعض الأدوات الرقمية التفاعلية.

3). تخفيف المناهج الموحدة: فبدلا من تلقين درس موحد لمجموعة من الطلاب، يمكن تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لخدمة التعلم المكيف. فالبرمجيات الذكية يمكنها تكييف المعلومات، الوسائط ، و التعلم نفسه مع احتياجات كل طالب.

4). تقييم الفعالية و ترشيد النفقات اللذين يمكن تحقيقهما عند استخدام التكنولوجيا للاستفادة القصوى من مواهب المعلمين و المربين ، فهذا المعطى يمكن أن يكون حجة قوية للاستثمار في مجال تكنولوجيا التعليم.

 

في جوهر هذه الأفكار توجد رغبة قوية في إعادة تصور الفصول الدراسية المستقبلية.  هناك الكثير من التغيير والابتكار اللذين من من شأنهما تحقيق النجاح في المستقبل، ولكن للأسف نصطدم دائما بنظام يتميز بالبطء في التغيير و الابتكار.

إغلاق