اخبار التعليم

جودة الأداء التعليمي لمعلم القرن 21

لقد ظهرَ مفهومُ الجودة في البدايةِ في مجالِ الصناعةِ، وكان المستهدفُ منها تحديدَ مواصفاتٍ ومستوياتٍ منتجِ الصناعةِ، وتمتْ استعارةُ هذا المفهومُ من الصناعةِ إلى التعليمِ، من منطلقِ أنه إذا كان الهدفُ من تحقيقِ الجودةِ في الصناعةِ هو الحصولَ على منتجٍ صناعيٍ ذو قيمةِ عاليةَ الجودةِ، فإن المستهدفَ من تحقيقِ الجودةِ في المجالِ التربويِ والتعليميِ هو تحسينُ مخرجاتِ العمليةِ التعليميةِ، واتخاذُ الإجراءاتِ والأساليبِ والممارساتِ و اللازمةِ لتحقيقِ الأهدافِ المرسومةِ.

وتتعد التعريفات التي وضعها الكاتبون للجودة، و نذكر منها أن الجودةُ تعرف على أنها استراتيجية هادفةٌ إلى إحداثِ تغيراتِ جوهريةِ في التنميةِ البشريةِ تحققُ الطموحاتِ في تنظيمِ مخرجاتِ العملَ، ورفع الكفاءةَ الإنتاجيةِ وزيادة القدراتِ التنافسيةِ، بما يؤدي في النهايةِ إلى الإسهامِ الحقيقي في عمليةِ بلورةِ و تكوين رأسمالٍ بشري في شتى المجالاتِ. (الزاووي,2003م:33)

و الجودة في المؤسسةِ التعليميةِ والتربوية بشكلٍ أساسيٍ وجوهريٍ تكون بالبيئةِ التربويةِ والمدرسيةِ السائدةِ فيها والخاصة بها، أي بالثقافةِ التي أنتجتها المدرسةُ على مرِ السنين بصفتها مؤسسةٍ، فهي محصلةُ تفاعلِ عناصرَ الثقافةِ المتداولةِ داخلَ المُنَاخ الفيزيائي والنفسي والتاريخي والبيئي والتنظيمي, إذ  أن المدرسة تعُد المؤسسة التعليمية التربوية الرسميةُ التي يُناط بها تربية النشء تربية سليمة وتكوينهم وإكسابهم القيمَ والمهارات الملائمةَ للمجتمعِ الذي ينتمون إليه.

ونظراً للمتغيراتِ والتحدياتِ التربوية المعاصرةِ، ومطالب التربية المتزايدةِ؛ فقد لجأت العديد من المؤسساتِ التعليميةِ إلى زيادة الاهتمامِ بالأطر (الكوادر) التربوية العاملةَ لديها وتنمية قدراتهم، والارتقاءَ بمستوياتهم ورفع كفاءاتهم المهنيةِ، في سبيل تأدية أدوارهم المتعددةِ والمختلفة، متابعين كل ما هو جديدٌ في ميدان عملهم، مؤكدين على ضرورة وأهميةِ جودةَ الأداءَ التعليميُّ لمعلم القرن 21 من جراء ذلك.

وعليه فإن المعلمَ الفعال المعاصرُ والناجحُ هو المعلمُ المبادرُ بالتعرفِ على العواملِ السلبيةِ والإيجابيةِ السائدةِ في بيئةِ العمل المدرسيةِ، الأمر الذي يدفعه إلى تبني خطط من شأنها تدعيم وتقوية العواملِ الإيجابيةِ لأدائهِ التعليمي ومهنته، وتحسينُ العواملِ السلبيةِ، و هذا بدوره يساعُد الإدارةِ على توفيرِ بيئةٍ مدرسيةٍ مناسبة يسودها الرضا والتعاون والكفاءة في الأداءِ؛ مما يؤدي إلى تفاعلِ العاملين مع هذه البيئة، وهو ما ينعكسُ بصورةٍ إيجابيةٍ على جودةِ أدائه التعليمي.

كما تعُد مهنةُ التعليم من المهنِ التي تتضمنُ قدرا كبيرا من الجودةِ التي تتخللها العديدُ من المشقةِ والضغطِ، فكثيراً ما يواجه المعلمُ في المدرسةِ مواقفَ وظروفا عديدة يتعرضُ خلالها لحالاتٍ من الاضطرابِ والقلقِ والإحباطِ؛ مما يؤدي إلى عدمِ الانسجامِ واختلالِ العملِ، وهو ما ينعكسُ بدوره على مستوياتِ أدائهِ المهني، ومن ثمَ القدرةعلى تحقيقِ الأهدافِ، وتأتي معظمَ الضغوطِ والتوتراتِ من مصادر مرتبطة ببيئةِ العملِ وطبيعتها الماديةِ والبشريةِ والتنظيميةِ؛ و بناء عليه فإنَ تحقيقَ درجة عالية من النوعيةِ والفعاليةِ، ورفع مستوى الأداء المهني للمعلمين، والوصول بهم إلى الرضا والانسجامِ النفسي والصحي يتوقف إلى حدٍ كبيرٍ على توفيرِ بيئةِ مدرسيةٍ مناسبةٍ ترتفعُ فيها الروحُ المعنوية ودرجاتُ الانتماءِ والنزعة الإنسانيةُ، التي تؤدي إلى تفاعلِ الأفراد العاملين بهذه البيئة؛ مما يشجعهم ويزيد قدرتهم على الاستمرارِ في العملِ وتحقيقِ الأهدافِ بكفاءةٍ وفعاليةٍ. (أبو زيان وآخرون،2004م:63-64)

معلم القرن الحادي والعشرين لا بد أن يخرج عن نظام المعلم التقليدي، ويجب أن يواكب التطور التكنولوجي، ويُلم بالاستراتيجيات و توظيفها لذاته ولطلابه، واستخدام الأجهزة الذكية، والتوجه الرقمي، والتعاون، والتواصل، والتعلم القائم على المشاريع، والابتكار، والذكاءات المتعددة.

ويتطلب من معلم القرن الحادي والعشرين أن يكون مُعدا ومؤهلا أكاديميا ومهنيا، بما يتطلبه القرن الحادي والعشرين، لتمكينه من ممارسة مهنة التعليم بالطريقة الفاعلة، والتي تُسهم في بناء مُتعلم المستقبل في ضوء عصر اقتصاد المعرفة Economy Knowledge، وأن يمتاز بامتلاكه لمجموعة من المهارات، منها: تنمية المهارات التفكير العليا، وإدارة المهارات الحياتية، وإدارة قدرات المتعلمين، ودعم الاقتصاد المعرفي، وإدارة تكنولوجيا التعليم، وإدارة فن التعليم، وإدارة منظومة التقويم (الزهراني، 2012)، وذلك لولوج عصر الاقتصاد المعرفي سعيا لبناء مجتمع المعرفة في ضوء التحديات المتعددة التي تعيشها النظم التربوية.

ويتطلبُ عمل معلم القرن الواحد والعشرون جُملةً من المهاراتِ التي تزيدُ من سعةِ الجودةِ للأداءِ التعليميِ والمهامِ التربوية بشكلٍ فاعلٍ، والتي تتمثلُ في استخدامِ مهاراتٍ واستراتيجيات وطرق تدريسِ حديثة وتوظيفها بما يتناسب والمحتوى المعرفي والعلمي للمادة؛ مما يرفع من جودة الأداء المقدم من قبل المعلم، وينعكس أيضاً على عملية الاستقبال والتعلم لدى الطالب، كما ويشكل امتلاك المعلم لمهارات استخدام تقنيات التعليم الحديثة تحدياً جديداً ينضاف إلى تجويد أعماله ومهامه، إضافة إلى عملية تشجيع الطلاب، و أيضا فإن استخدام التعلم الذاتي والتدريس الإلكتروني يزيد من حتمية الجودة والأداء الذي يعد متطلباً عصرياً لا مفر منه. (الخضاب، 2015م)

و لزيادة جودة أداء معلم القرن الواحد والعشرين لا بد أن يتسم المعلم الفعال بالقدرة على توظيف المستحدثات بفاعلية، ونظراً للدور الحيوي الذي تلعبه التقنية في عصرنا الحالي في إطار مهارات القرن الحادي والعشرين، فإنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك إطار عمل جديد يساعد على فهم وتقويم المعارف والمهارات التي يحتاجها المعلمون لتوظيف التقنية بفاعلية في المحتوى الدراسي، لإن امتلاك المعلم لبعض المهارات التقنية لا يضمن الاستخدام الأمثل لها في العملية التعليمية والتعلمية.

ويمكننا القول أن المعلمَ الناجح هو من يمتلك مهارات القيادة الفاعلة القادرة على تحسين جودة أدائه وعطائه في العملية التعليمية، مما يجعل من التعليم مجالاً سهلاً للإبداع والتطوير والعطاء، فلا تنتهي حدود الناجح لمعلم القرن الواحد والعشرين عند استخدام التقنيات الحديثة للحكم على حداثته وعصرنته، بل يتوقف ذلك على مدى جودة العمل والأداء الممنوح من قبله لطلابه.

وفي الختام، فإننا نهيب بكافة معلمينا وإداراتنا التعليمية بضرورة العمل الجاد والسعي الدؤوب المتواصل من أجل الارتقاء بجودة العملية التعليمية بأثر يزيدها لا ينقصها، وهي –وبحق- رسالة تربوية هادفة تصب في مرمى التعليم بكافة روافده أملاً بتعليم تربوي مجود أداءً وفعلاً وقولاً.

 

 

تعليم جديد

إغلاق