التعليم عن بعدمفاهيم
3 من أهم استخدامات الكفايات التدريسية
مقدمة
يكاد يكون من المتفق عليه أن النظرية السلوكية لم يعد لها تأثير يذكر اليوم في مجال علم النفس التربوي، لكن من الواضح أن لها تطبيقات مؤثرة وفعالة في مجال التعليم، مثل الصياغة السلوكية للأهداف التعليمية، والتعليم المصغر، وتحليل التفاعل اللفظي، والكفايات التعليمية.
ويعتبر مصطلح الكفايات من المصطلحات الشائعة في مجالات متعددة بما فيها التربية، وفي التربية تتعدد أنواع ومجالات الكفايات فهناك الكفايات الفنية، و الكفايات التدريسية ، والكفايات الإدارية وغيرها… بالإضافة إلى أن الكفاية الرئيسية تنقسم إلى العديد من الكفايات الفرعية، استنادا إلى ما يزخر به الأدب التربوي عن الكفايات ومفاهيمها وأسس اشتقاقها. وما سنتطرق إليه في هذا المقال، هو مجالات استخدام الكفايات التدريسية تحديداً في العملية التعليمية، وسنتناول هنا ثلاث استخدامات وهي كما يلي:
1- الكفايات وإعداد المعلم
لقد زاد الاهتمام ببرامج إعداد المعلمين القائمة على الكفايات، بحيث بدأ استخدامها على نطاق واسع في معظم البرامج المستخدمة في الدول المتقدمة، ” فمعرفة الكفايات تجعل من الممكن رسم الخطوط العريضة لفلسفة تربية المعلمين قبل الخدمة في كليات التربية وإعداد المعلمين”.
ويقوم مفهوم الكفايات التدريسية على مسلمة رئيسية مفادها أن عملية التدريس يمكن تحليلها إلى مجموعة من السلوكيات. ولقد تأثرت حركة إعداد المعلمين القائمة على الكفايات بالمدرسة السلوكية، بالإضافة إلى ارتباطها عضويا بالبرنامج القائم على الأهداف السلوكية الإجرائية.
ويوضح (مرعي 40 – 29: 2003 ) أن العوامل التي أدت إلى نشأة حركة تربية المعلمين القائمة على الكفايات يمكن حصرها في الآتي:
- اعتماد الكفاية بدل المعرفة.
- ظهور حركة المسؤولية.
- حركة منح الشهادات القائمة على الكفايات.
- حركة التربية القائمة على العمل الميداني.
- حركة تفريد التعليم.
- التدريب المتجه نحو العمل.
- تطور أساليب التقويم للمعلم.
وبذلك فإن التربية بالكفايات Competency Based Teacher Education CBTE ترتبط ارتباطا وثيقا بحركة منح الشهادات القائمة على الكفايات Competency Based Teacher Certificate CBTC وأن مفهوم الواحدة منهما يُكمل الأخرى، فكلتاهما تؤكد على الأداء والتطبيق أكثر من المعرفة، وعلى أن معيار تقويم الطالب المعلم هو ما يستطيع عمله لا ما يعرفه أو يعتقده، وذلك لأن ما يستطيع عمله يعكس ما يعرفه ويشعر به.
و تقوم فكرة إعداد المعلم القائم على الكفايات على عدة مبادئ منها (كمال عبد الحميد زيتون 2005 :53):
- يمكن لأي طالب إتقان المهام المختلفة للتدريب على مستوى عال، وذلك إذا ما وفُر له الوقت الكافي للتعلم، والنوعية الجيدة من التدريب.
- يجب إرجاع الفروق الفردية في مستوى إتقان الطلاب مهام التدريس إلى أخطاء في نظام التدريب، لا إلى خصائص المتعلمين.
- توفير الإمكانيات المناسبة يجعل الطلاب المعلمين متشابهين إلى حد كبير في معدل اكتساب التعلمات.
- يجب التركيز على الاختلافات في التعلم أكثر من التركيز على الاختلافات بين المتعلمين.
- إن أكثر العناصر أهمية في عملية التدريس هي نوعية خبرات التعلم التي تتوفر للطالب المعلم.
- ينتهي إعداد المعلم حين يثبت قدرته على أداء العمل التدريسي بغض النظر عن مدة التدريب.
- معيار النجاح يعتمد على أداء متطلبات العمل الفعلي، حيث يمارس الطالب المعلم نشاطات تدريسية فعليا، فالتقويم يرتبط بالأداء والقدرة على العمل.
- تصميم برنامج الإعداد على أساس تقديم التدريب في ظروف واقعية مشابهة تماما للظروف التي سيعمل بها المتدربون بعد تخرجهم.
- يتلقى المتدرب تغذية راجعة مستمرة تعطيه صورة دقيقة عن مدى التقدم اليومي.
- تقدم الكفايات في شكل مواد متطورة كالحقائب التعليمية، والتعليم المصغر لمجموعة من النشاطات المرتبطة بكفاية معينة بحيث تؤدي إلى إتقان هذه الكفاية.
إن معرفة الكفايات يمكن أن تقوم بدور هام في سد فجوة عدم الانسجام أوالتباين الكبير بين خطط مؤسسات إعداد المعلمين الدراسية وبين ماهية الإعداد التربوي التخصصي المطلوب في تلك البرامج بما يتفق والمهارات التدريسية المطلوبة فى معلم البيئة المكانية والزمانية المعينة. فالكفايات يمكن أن تشكل المعايير التي ترى الجهة المسؤولة عن توظيف المعلم أن على مؤسسات إعداده تنفيذ برامج مخرجاتها تتفق وما هو منصوص عليه في الكفايات المشتقة من الأطر المرجعية لها.
2- الكفايات التدريسية وتمهين التعليم
وهذا الاستخدام يبدو واضحاً في التعريفات التي شملت الكفاية باعتبارها شرطا من الشروط المطلوبة للإجازة في مهنة التعليم، مثل تعريف (الأحمد 2005 :242) الذي عرف الكفايات التدريسية قائلاً: “هي مجموعة المعارف والمهارات والإجراءات والاتجاهات التي يحتاجها المعلم للقيام بعمله بأقل قدر من التكلفة والجهد والوقت، والتي لا يستطيع بدونها أن يؤدي واجبه بالشكل المطلوب، ومن ثم يُعد توافرها لديه شرطاً لإجازته في العمل”.
وهو تعريف يستند إلى فكرة اعتماد الكفايات كأساس لتمهين التعليم، وتستند فكرة اختبارات المعلمين إلى أن التدريس مهنة لها متطلباتها وشروطها الخاصة مثل المهن الأخرى كالطب والهندسة وغيرها، فالكفايات الأساسية للمعلمين يمكن اعتبارها معايير ومواصفات يفترض تحققها في المعلم.
وتأتي الاستفادة من التجارب في المهن الأخرى – مثل مهنة الطب أو المحاسبة أو الهندسة على سبيل المثال، في ضرورة وضع الكفايات التي تشترطها وزارات التربية في من يلتحق بمهنة التعليم، وبالتالي تتم الملاءمة بين متطلبات الجهة الرئيسة لتوظيف المعلمين الجدد، وبين البرامج والخطط التي تعتمدها مؤسسات إعداد وتربية المعلم.
وتُعد اختبارات كفاية المعلمين (Teacher Competency Tests) أو ما يسمى أحيانًا اختبارات المعلم في مقدمة المقاييس المستخدمة لمنح تراخيص مزاولة المهنة للمعلم، وأكثرها موضوعية لتقويم أداء المعلمين، ويمكن تلخيص مبررات اختبارات كفايات المعلمين في النقاط التالية:
- دعم الاتجاه الداعي إلى أن التدريس مهنة لها متطلباتها وشروطها الخاصة بها مثل المهن الأخرى كالطب، والهندسة … وغيرها، ويتعين وفقاً لهذا ألا يسمح بمزاولتها إلا لمن يتقنها.
- يمكن الاستفادة من الاختبارات في تقويم المعلمين الذين يرغبون في الالتحاق لأول مرة بالمهنة للتعرف على إمكانات قبولهم.
- تحديد جوانب النقص التي يمكن العمل على تحسينها فيما بعد بالتنسيق بين مؤسسات إعداد المعلم وجهات توظيفه.
- انتقاء الأفضل من خلال تطبيق معايير دقيقة للاختبار عند توفر أعداد كبيرة من المتقدمين للانضمام إلى مهنة التدريس.
- الاستفادة منها في تقويم المعلمين أثناء الخدمة للحصول على تغذية راجعة تمكنهم من تحسين أدائهم.
وهناك الكثير من التجارب العربية والعالمية في مجال اختبارات المعلمين، ففي المملكة العربية السعودية قامت وزارة المعارف بتأسيس اختبارات المعلمين وفقاً لاعتبارات موضوعية وعلمية، وهذا أتاح للوزارة فرصة انتقاء الأفضل من خلال تطبيق معايير دقيقة للاختبار الذي يتكون من الآتي:
الكفايات التربوية التي تشمل: سياسة التعليم ونظمه في المملكة، مفهوم التربية والمناهج وطرق التدريس وغيرها من فروع التخصصات التربوية.
المهارات اللغوية (مهارة اللغة العربية قراءةً وكتابةً وفهمًا).
المهارات العددية (الحد الأدنى من المهارات العددية التي تساعد المعلم على أداء مهمته وخاصة المتعلقة بتقويم أداء الطالب).
الكفايات التخصصية (اختبار في مادة التخصص) وطرق تدريسه، وهذا الجزء من الاختبار يقدم للمعلمين كل حسب تخصصه.
وفي اليابان، يتقدم المعلم لاختبار من أجل التعيين بعد اجتيازه مرحلتي الدراسة الجامعية والتدريب العملي بنجاح ويتكون الاختبار العام من:
- اختبار في المادة أو المواد التي سيقوم بتدريسها.
- كتابة مقال قصير في موضوع يحدد له.
- اختبار شخصي في شكل مقابلة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فينتشر استخدام الاختبارات للمعلمين من أجل الالتحاق بمهنة التدريس أو الاستمرار فيها، ومن أشهر اختبارات المعلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وأكثرها انتشاراً هو سلسلة (Praxis) التي طورتها مؤسسة خدمات الاختبارات Educational Testing Services ، حيث تطبق في معظم الولايات بهدف منح رخصة التدريس وتجديدها. وتتضمن هذه الاختبارات:
- الكفايات الأساسية للمعلمين مثل المهارات الأساسية: القراءة والكتابة والحساب.
- مادة التخصص وطرق تدريسها.
- الثقافة العامة المتوقعة من أي معلم.
3- الكفايات وتقويم أداء المعلم
يعتبر مفهوم الكفايات من أكثر المصطلحات ارتباطا بتقويم أداء المعلم على الرغم من أن نشأته ارتبطت أصلاً بإعداده، كما سبقت الإشارة، ” فالكفايات ليست للإعداد فقط ولكنها تمتد إلى تقويم المعلمين بحيث يمكن توظيف الكفايات اللازمة لإعداد المعلم في وضع آلية مقننة يمكن الاستفادة منها في تقويم المعلم” ( الحذيفي 2003 :1 ).
ويؤكد على ذلك (سكر والخزندار 2005 ، 123) ” فالكفاية يمكن حصرها من خلال ما يقوم به الفرد من إنجازات والتي تعتبر مؤشراً على حصول الكفاية وتحققها وتصبح في نفس الوقت معيارا للحكم عليه”.
ومن المبررات التي يمكن أن تدعم استخدام الكفايات في تقويم أداء المعلم التدريسي تتمثل نذكر:
- دعم الملاحظات الصفية التي يقوم بها الإشراف التربوي لتقويم أداء المعلم بمعايير موضوعية تعتمد على اختبارات كفايات المعلمين المقننة.
- ربط البرامج التدريبية للمعلمين التي تقدمها الوزارة وإدارات التعليم بتحديد علمي لاحتياجاتهم التدريبية.
- كونها معايير للممارسة التدريسية الجيدة والتي يستطيع المعلم بالرجوع إليها، تقويم أدائه ذاتيا، بالكشف عن مدى توفر شروط الأداء الجيد والعمل على تطوير مهاراته فيعزز الجوانب الإيجابية ويعدل الجوانب السلبية.
وتحدد الأدبيات التربوية العديد من الخصائص التي يجب أن يتصف بها التقويم القائم على الكفايات منها (كمال عبد الحميد زيتون 2005 :53 ) :
- تحديد الكفايات، ومن ثم قياسها، حيث يجب أن تكون على شكل مجموعات سلوكية لأن سلوكيات التدريس داخل الصف لا تظهر كمفردات سلوكية مفككة، بل كمجموعة من السلوكيات المتتابعة والمترابطة بعلاقة ما.
- يجب أن تُشتق الكفايات التي يُقوم المعلم على ضوئها من الأدوار المتعددة للمعلم.
- يجب ن يكون المعلم على علم بالكفايات التي سيُقوَّم على أساسها وعلى الكيفية الإجرائية لاستخدامها في تقويمه.
خاتمة
إن معرفة المعلم والجهات المسؤولة عن إعداده وتقويمه وبناء برامجه التدريبية من خلال الكفايات التدريسية التي تمثل معايير للجودة أيضاً، تدعم الاتجاه العلمي القائل -والذي أثبتته العديد من الدراسات- بأن من لديهم معرفة أكثر وضوحاً وتنظيماً بمتطلبات مهنهم ينزعون إلى أداء يتميز بترابط المعارف ووضوحها ومعرفة ما هو مطلوب منهم وما ينقصهم من المهارات اللازمة لتطوير ممارساتهم العملية.