اخبار التعليم
التربية النفطية في مناهجنا الدراسية
يشهد العالم بين الفينة والأخرى تقلباً في أسعار النفط، وبات هذا الأمر الحديث الشاغل لجميع وسائل الإعلام والمهتمين بقضايا الاقتصاد والطاقة، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان دائماً موضوع النفط وأهميته كمادة حيوية في هيكلية السياسة والاقتصاد العالمي.
والمتابع لموضوع هذه المادة الحيوية ” النفط ” يجد أنها منذ تزايد استخدامها والطلب عليها في أوائل القرن العشرين وحتى اليوم، تحولت إلى مفهوم واسع ارتبطت به العديد من المفاهيم العلمية والتربوية والاجتماعية فضلا عن الاقتصادية.
والمقالة الحالية تحاول ربط هذا المفهوم (النفط) بعمليات التربية والتعليم، وكيفية التعامل مع هذا المفهوم الحيوي في المدرسة والمنهج الدراسي، خاصة لدينا هنا في المملكة العربية السعودية، حيث تعد المملكة الدولة الأولى المصدرة لهذه المادة في العالم، فضلاً عن امتلاكها لاحتياطات ضخمة منها، الأمر الذي كانت له ولازالت العديد من الآثار الداخلية والخارجية، والتي رفعت أسهم ومكانة المملكة على مستوى العالم، وتحول المجتمع السعودي بفضل هذه النعمة التي منّ الله بها عليه، إلى مجتمع عصري متطور، وباتت المملكة دولة عصرية، يحسب لها الحساب.
لكن الملاحظ – خاصة من يعمل في ميدان التربية والتعليم- للعلاقة بين هذه المادة الحيوية (النفط) وبين طلاب المدارس والجامعات والذين يشكلون أكثرية في المجتمع السعودي، سرعان ما يكتشف بساطة المعلومات لدى هذه الفئة حول النفط وما يتعلق به من مفاهيم، التي لا تعدو أن تكون مفاهيم سطحية، ربما امتلك طلابا في دول غير نفطية مفاهيم أكثر عمقا وتخصصا منها، مما يوجب ضرورة إعادة النظر في كيفية عرض وتقديم هذه المفاهيم للطلاب من خلال المناهج والمقررات الدراسية في المملكة من خلال التربية النفطية.
تربية الطاقة Energy Education
ظهر هذا المفهوم في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، حين فوجئت الحكومة الأمريكية والمجتمع الأمريكي، بالآثار التي ترتبت على قطع إمدادات النفط إليهم من البلدان العربية نتيجة تواطئها – أي أمريكا – مع العدوان الإسرائيلي ومساندته الكاملة، وهو ما سبب أزمة في الطاقة أثرت على جميع أنماط الحياة في الولايات المتحدة والبلدان الغربية. وكما يقال رب ضارة نافعة، فقد أثارت هذه الأزمة، العديد من الأسئلة لدى الساسة والمفكرين والتربويين وصنّاع القرار هناك، حول الطاقة بشكل عام وأهميتها، والخلل الكبير الذي يتركه نقصها أو فقدها بالكلية، والحلول التي يجب إعادة التفكير فيها، لمواجهة ذلك، وكانت السرعة والحسم هي القائدة للدراسات والبحوث التي أجريت حول هذه الأزمة وآثارها، والبدائل التي يجب استحداثها سواء في منظومة تفكير المجتمع وسلوكياته، أو في مجال البحث عن مصادر أخرى وتقليل الاعتماد على النفط، لتكتمل القناعة لدى الجميع بضرورة جعل التربية هي من يقود هذا التغيير بدءا من المنهج والصف والمدرسة، لأن التربية هي وسيلة الإقناع الأولى نحو تغيير السلوك المجتمعي تجاه الطاقة.
الوعي النفطي Petroleum Awareness
يمكن توضيح المقصود بهذا المفهوم بأنه يعني عملية اكتساب الفرد قدراً من المعرفة والفهم والمهارة والتقدير والشعور نحو النفط كأحد مصادر الطاقة، من أجل التعامل معه على النحو المرغوب، بما يحقق للفرد والمجتمع أعلى قدر من الاستفادة من إيجابياته، وتقليل مخاطره وسلبياته .
والتعامل مع النفط بالنسبة للفرد العادي اليوم، يكون من خلال الاستفادة من مشتقاته المتنوعة التي دخلت في تطبيقات حياتنا المعاصرة بشكل واسع، بدءا من المشتقات المباشرة كالغاز والبنزين، والديزل، والكيروسين، وانتهاء بالمشتقات البتروكيميائية كالأسمدة والبلاستيك وغيرها من المواد الكيميائية التي باتت لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا اليوم. يضاف إلى ذلك، قضية التعامل مع الآثار التي تتركها هذه المشتقات النفطية على البيئة، وضرورة التقليل من سلبياتها، وتفعيل التربية البيئية عند تدريس المفاهيم النفطية. كما يشمل الوعي النفطي ما يتعلق باقتصاديات النفط كمادة حيوية تؤثر بشكل كبير على منظومة الاقتصاد العالمي، وتؤثر أسعار بيعه وشرائه على اقتصاد معظم دول العالم، حيث تعد هذه المادة العصب الرئيس للأنشطة التجارية والصناعية والزراعية في عالم اليوم.
ولذلك فأهمية الوعي بمفاهيم الطاقة عموما والنفط على وجه الخصوص، تبرز في كونها:
- تؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول التعامل مع موارد الطاقة للفرد والمجتمع.
- تحسين أمن الأمة.
- تعزيز التنمية الاقتصادية.
- تؤدي إلى الاستخدام المستدام للطاقة بما يعود بالنفع على الجميع.
- الحد من المخاطر البيئية والآثار السلبية.
- مساعدة الأفراد والمنظمات على الاستفادة من تلك الموارد.
آلية تطبيق الوعي النفطي في المناهج الدراسية
يعد المنهج المدرسي بمفهومه الشامل، الوسيلة الملائمة، لتحقيق التربية النفطية أو الوعي النفطي، لدى الطلاب في المدارس، حيث يمكن تضمين المفاهيم المتعلقة بالنفط في جميع المناهج الدراسية دون استثناء، وليس كما هو الحال الآن، حيث يتم التركيز على تلك المفاهيم من خلال مناهج العلوم، باعتبارها- أي المفاهيم النفطية- مفاهيم علمية بحتة، وهذه النظرة غير دقيقة، خاصة في ظل النظرة التكاملية للمعرفة العلمية.
والمفاهيم النفطية التي ينبغي تضمينها في المناهج الدراسية يمكن تصنيفها تحت عدة مجالات كما يوضح الجدول التالي:
المجالات | أمثلة للمفاهيم النفطية المرتبطة |
العلمية | مفهوم النفط، أصل النفط، استخراج النفط، تركيب النفط، تكرير النفط…الخ |
الاقتصادية | صناعة النفط، تسويق النفط، منظمة اوبك، ناقلات النفط، خام برنت، صندوق الأجيال…. الخ |
البيئية | التلوث النفطي، الضباب الدخاني، الاحتباس الحراري، الترشيد، الطاقة النظيفة،…..الخ |
الاجتماعية | الطفرة النفطية، التغير الاجتماعي في البلدان النفطية، التوطين، مستقبل النفط …الخ |
وكل مجال من تلك المجالات السابقة تندرج تحته مجموعة مفاهيم متداخلة بحيث يمكن إدراجها تحت أكثر من مجال. وتضمين المفاهيم النفطية في المناهج الدراسية، وفق تلك المجالات يمكن أن يتم من خلال ثلاثة مداخل، هي:
أ/ مدخل الدمج
ويقوم هذا المدخل على ربط أو دمج الحقائق والمفاهيم والأبعاد ذات العلاقة بمفاهيم النفط، مع المفاهيم العلمية والتقنية للمواد الدراسية المختلفة بحيث تقدم مع بعضها البعض بدون فصل.
مثال / مفهوم التلوث النفطي يمكن تقديمه من خلال عدة مناهج دراسية كما يوضح الشكل، ففي مناهج العلوم يمكن تناول المفهوم من حيث تعريفه ومسبباته وآثاره على الكائنات الحية والبيئة المحيطة. وفي مناهج التربية الاسلامية يمكن تناوله من حيث التعرف على الأحكام الشرعية له، والأضرار الناجمة عنه. وفي مناهج التربية الاجتماعية يمكن تناوله من حيث مناطق انتشاره وتأثيره على المناخ والتربة والمياه، وتأريخه. وفي منهج اللغة العربية يمكن دراسته من حيث معنى المفهوم ومرادفاته ودلالاته.
وفي كل الحالات يقع على المعلم الدور الرئيس في الربط بين مفهوم النفط والجوانب الأخرى، التي يعرضها الدرس، وفق آلية تكاملية توضح العلاقة بين هذه الأبعاد المعرفية.
ب/ مدخل الوحدات (الموضوعات)
وفي هذا المدخل يتم إضافة موضوعات أو دروس أو وحدات مستقلة تتناول المفاهيم النفطية، وذلك إلى جانب الموضوعات المقررة في محتوى المنهج القائم، كما هو الحال مثلا في منهج علم الأرض (الجيولوجيا) حيث توجد وحدة مستقلة عن جيولوجية النفط وما يتعلق به من مفاهيم، وفي منهج الكيمياء حيث تخصص وحدة مستقلة لكيمياء النفط.
ج/ المدخل المستقل
ويقوم هذا المدخل على تخصيص منهج أو مقرر دراسي مستقل يناقش قضايا ومجالات ذات علاقة بالمفاهيم النفطية، حيث تتم فيه معالجة تلك القضايا بطريقة تكاملية، وهذا النوع من المناهج يوجد في المعاهد والكليات المتخصصة ذات العلاقة بالتعليم والتدريب في مجالات النفط.
وبغض النظر عن نوع المدخل التنظيمي، فإن دور المعلم يعد نقطة الارتكاز، في نشر الوعي النفطي بين طلابه، من خلال توفّر القناعة لديه أولا بأهمية هذا الموضوع، ثم من خلال قدرته على إيصال هذه المفاهيم لطلابه، باستخدام استراتيجيات وأساليب تدريسية تخرج عن المألوف وتربط ما بين الطلاب وبين هذه المفاهيم، من جهة ومابين واقع البيئة التي يعيشون فيها من جهة أخرى، حيث لن يكتمل نجاح أي تنظيم منهجي للمقرر الدراسي إلا بدور فعّال للمعلم الذي يقوم بتنفيذه.
ولضمان نجاح تطبيق الوعي النفطي في المناهج الدراسية ينبغي التركيز من قبل المخططين على عدة أمور منها:
- أن يتم اختيار المفاهيم النفطية من واقع القضايا والمشكلات التي يعيشها المتعلم والبيئة والمجتمع السعودي، وارتباط ذلك بالمتغيرات الإقليمية والعالمية.
- إشراك الوزارات والشركات ذات العلاقة بالنفط في عملية تخطيط المناهج
- أن يتم التركيز عند اختيار المفاهيم النفطية، وتضمينها في المنهج الدراسي على جميع أبعاد الخبرة التعلّمية (المعرفية، المهارية، الوجدانية، الأخلاقية، الاجتماعية، ..الخ) وضرورة توافرها بنسب متوازنة.
- توظيف المصادر الرسمية وغير الرسمية في تعلم المفاهيم النفطية مثل تقنيات التعليم والتعلم، مشاريع التعلم، القراءة الحرة، الزيارات، المتاحف العلمية، الندوات، إجراء البحوث وغيرها من المصادر التي تبرز القيمة الوظيفية لهذه المفاهيم.
- استخدام استراتيجيات وأساليب تدريسية تطبيقية كالعصف الذهني و التعلم النشط والتعلم التعاوني وتمثيل الأدوار والقضايا الجدلية وحل المشكلات و التعلم الذاتي.
تعليم جديد