افكار
المدرسة كوحدة تطوير مهني للمعلمين
يُعد التطوير المهني من خلال المدرسة كوحدة للتطوير اتجاها عالميا ظهرت تطبيقاته في كثير من دول العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت بدايات هذا الاتجاه؛ حيث أوضح كل من بولز (Boles, 1990)؛ و شورت ورينارت (Short & Rinehart, 1992) أن إدارة وتمويل التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية هي من مهمات الولايات والمناطق التعليمية والمجالس المحلية للتعليم، وأن نُظم التعليم الأمريكية تتحول تدريجياً لنقل معظم السلطات إلى الوحدات الإدارية الأصغر المتمثلة في اللجان والمجالس المُشكّلة على مستوى المدرسة. و على ضوء هذا التوجه تظهر مفاهيم متنوعة للتطوير التعليمي، مثل مفهوم إعادة هيكلة المدرسة، والمدرسة الذاتية في التعلم، و برنامج المدرسة كمركز للتطوير، والمدرسة كوحدة تطوير، والمدرسة التفاعلية، وكل هذه المفاهيم وإن اختلفت في ألفاظها إلا أنها تستند في معناها إلى فكرة تمكين المدرسة من تطوير كافة عناصرها الداخلية ذاتياً وخاصة المعلمين، وتأكيد بناء الروابط بين المدرسة والمجتمع.
ويجعل منحى المدرسة كوحدة للتطوير من المدرسة أداةً فعّالة في إحداث تغيرات إيجابية داخلها و في بيئتها، من خلال تفعيل الطاقات الكامنة فيها ومن خلال تعزيز العلاقة مع المجتمع الدولي، وهو اتجاه يرتكز على ما لدى المدرسة من الموارد المادية، والقدرات البشرية التي يُمكن تنميتها وتحسين ممارساتها المهنية بشكل ذاتي مستقل، بحيث تصبح المدرسة وحدة تطوير تُوجِه وتُدير برامج التنمية المهنية ذاتياً، وتتحمل مسْؤوليتها في تطوير العملية التعليمة.
وقد اتجهت العديد من نظم التعليم الدولية لتبني اتجاه المدرسة كوحدة للتطوير المهني، وذلك من خلال إقرار العديد من السياسات والإجراءات، ففي الولايات المتحدة الأمريكية الرائدة في هذا الاتجاه يُعتبر تمكين المعلم واحد من المعايير الثمانية التي تم اقتراحها للتحسين المدرسي المستمر. وفي السويد أكدت السلطات التعليمية على تغيير العوامل البيئية غير الملائمة، وتحقيق التوازن بين المحاسبية المهنية والتمكين. فقد اهتمت عدد من الدراسات ببحث اتجاه المدرسة كوحدة للتطوير؛ حيث قام نيومان وآخرون (Newmann, King, Bruce, & Youngs, 2000) بدراسة هدفت إلى فحص وقياس خمسة جوانب من جوانب التنمية المهنية للمعلمين، وذلك من خلال قياس مستوى المعلمين في المعارف والمهارات والممارسات، المجتمع المهني، وتماسك البرنامج، والموارد التقنية، والقيادة الرئيسية، وكانت مدة الدراسة عامين ونفذت في تسعة مدارس ابتدائية في المناطق الحضرية في الولايات المتحدة، وأظهرت نتائج الدراسة تفاوتاً كبيراً في استخدام المدارس للتنمية المهنية. لكن على العموم، حدث تطور مهني بشكل عام من خلال البرامج المنفذة والمبادرات المستندة إلى المدرسة.
أما الصين فقد قدمت نموذجين لتمكين المعلمين داخل المدارس: نموذج تايوان المحافظ الذي يعتمد على تمكين المعلمين بصورة بطيئة وتدريجية متوائمة مع العناصر الأخرى (المديرين- الباحثين-السلطات التعليمية). ونموذج هونج كونج ويقوم على أساس تحقيق متطلبات التنمية من خلال الإعداد والتأهيل الكافي للمعلمين، ومشاركتهم في صنع القرارات التعليمية، وتوزيع السلطة بين المشاركين في العملية التعليمية كلٍ حسب دوره. (عشيبة،201)
وعلى مستوى الدول العربية تبنت الإدارة التعليمية لوكالة الغوث الدولية بغزة منذ العام 2000 برنامج المدرسة كوحدة للتطوير، و الذي يهدف إلى تفعيل دور المدرسة الريادي ومساعدتها في تحمل مسؤولياتها المتعلقة بتحسين العملية التعليمية والنهوض بها إلى أعلى المستويات (نصر، 2007). كما اعتمدت وزارة التعليم في مصر مفهوم “الإدارة الذاتية للمدرسة” واتخذت عددا من الإجراءات في سياق هذا التوجه، منها إنشاء مجموعة من الوحدات النوعية داخل المدرسة مثل الوحدة المنتجة، ووحدة التدريب والتقويم، ووحدة الإحصاء والمعلومات، ويشرف المعلمون على تيسير هذه الوحدات، بالإضافة إلى إعادة النظر في محتوى وأساليب وأنشطة إعداد المعلم سواء في كليات التربية، أو في المؤسسات المعنية بهذا الأمر (عشيبة،2010)، وفي المملكة العربية السعودية اعتمدت وزارة التعليم مشروع “أنموذج تطوير المدارس” وأقرّت في ضوء ذلك جُملة من السياسات ضمنتها في الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام، وأكدت فيها على أهمية تعزيز قدرة المدرسة على تحمل المسؤولية وقيادة التطوير ذاتياً من خلال تمكين أفرادها ومعلميها لتحقيق الاستقلالية عبر مختلف تخصصاتهم وخاصة تخصصات العلوم.
1- أهمية اتجاه التطوير المهني من خلال المدرسة كوحدة للتطوير
يرى الشمري (1435هـ) أن التطوير المهني القائم على المدرسة والذي تنفذه المدارس بصورة فردية يكمّل التدريب الرسمي، حيث أنه مصمم بشكل عملي لتمكين المعلمين من حل المشكلات التي تظهر في المدرسة، ويتم تحت إشراف المدير، ويعطي الفرص للمعلمين للمشاركة بفعالية في الدراسة والجلسات التدريبية. ويرى الشمري أن التنمية التطوير المهني القائم على المدرسة تستهدف:
-تطوير قدرات المعلمين التعليمية.
-تأهيل المعلمين الجدد في الخدمة.
-حل المشكلات التعليمية.
-تطوير القدرات المدرسية.
كما تتأكد أهمية هذا الاتجاه من خلال الخصائص التي يمنحها للمدرسة بوصفها وحدة للتطوير، من أهمها أنها (ثابت، 2003):
– تُعطي المدرسة المسؤولية في تطوير نفسها للارتقاء بعملية التعليم والتعلم.
– تحقق للمدرسة الاستقلالية في إعداد وتنفيذ وتقويم أنشطتها وخططها التطويرية.
– تعتمد في خططها التطويرية على الحاجات الحقيقية للمدرسة.
– تحقق الاستثمار الأمثل للإمكانات المادية والبشرية المتوفرة.
– توثق العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي.
– تزيد فرص النمو المهني للمعلمين بصورة فعالة من خلال زيادة مشاركة المعلمين في عمليات الإعداد والتنفيذ للمشروع التطويري.
ويضيف سمور (2006) أن من أهم ما يميز هذا الاتجاه:
– التدريب الجماعي الذي يحقق تكامل الأداء بين جميع أفراد المدرسة.
– الشعور بالرضا الذي ينتج عن ملكية الأفراد لبرنامج التدريب؛ حيث يكون أفراد المدرسة أكثر حرصاً على تنفيذه بدقة ونجاح وهم القادة الحقيقيون فيه.
– زيادة الدعم الذاتي لعملية التطوير والمسؤولية المباشرة عنها، كما تظل المبادرة الذاتية والاعتماد على الذات هي الضمان للاستمرار والديمومة.
و مما سبق يظهر أن هذا الاتجاه يدعم تحقيق التنمية المهنية في ضوء مفهومها الحديث، الذي يجعل من التطوير المهني نشاطاً تفاعلياً مستمراً، ويمنح الفرصة للمعلمين وخاصة معلمي العلوم لممارسة النشاطات التي تطور أدائهم وتزيد كفاياتهم المهنية، كما تمكنهم من المشاركة في قيادة وتنظيم البرامج وفقاً لاحتياجاتهم وأولوياتهم، وأيضاً تمنح المدرسة الفرصة لبناء الشراكات مع مؤسسات وأفراد المجتمع الذين يمكن أن يساهموا في تطوير العملية التعليمية داخلها.
2- ممارسات التطوير المهني من خلال المدرسة
عرض جويس (Joyce,1991) خمسة فرص لتطوير المعلمين مهنياً في هذا الاتجاه، و هي:
– نشر ثقافة التطوير في المدرسة من خلال تنمية العلاقات المهنية بين المعلمين، وبينهم وبين المجتمع المدرسي، والمجتمع المحيط.
– تعويد المعلمين على ممارسة البحث الإجرائي؛ من أجل تحسين ممارساتهم والتغلب على مشكلاتهم، والوصول إلى معارف جديدة.
– تمكين المعلمين من جمع المعلومات عن تلاميذهم، وتحليلها، والربط بين ما يمارسونه من أساليب تعليمية وبين تعلمهم، ورصد آثار التغيير كجزء من التقويم الذاتي لممارساتهم المهنية.
– تشجيع المعلمين على المبادرات للتحسين، وبذل الجهود في مجالات تطوير المناهج بالتعاون مع الأطراف ذات العلاقة.
– تمكين المعلمين من تطوير ممارساتهم التدريسية وصقل خبراتهم وتبادلها مع زملائهم داخل وخارج المدرسة.
ويضيف مدبولي (2002):
– إعادة صياغة مفهوم تربية وتدريب المعلمين أثناء الخدمة بحيث يتم الجانب الأكبر منها داخل المدرسة.
– إعادة تنظيم الأعباء التدريسية للمعلمين ونظم تقويم الأداء.
– استحداث نُظم جديدة لإعداد القيادات التربوية من المعلمين المتخصصين في موضوع تقويم الأداء المدرسي وتحسين وتطوير المدارس.
– استحداث الدوريات المهنية المتخصصة في نشر البحوث الإجرائية والتطويرية.
كما يضيف نصر (2007) عددا من الممارسات التربوية التي يرى ضرورة التركيز عليها لأهميتها للنمو المهني للمعلمين، وهي:
– توجيه المعلمين للقراءات العلمية والمهنية.
– تشجيع المعلمين على مواصلة الدراسات العليا.
– إتاحة الفرص للمعلمين لحضور اللقاءات العلمية الصفية والمهنية مع المختصين والمشرفين التربويين والمشاركة في الدروس النموذجية.
– إطلاع المعلمين على الاتجاهات التربوية وطرق التدريس الجديدة في مجال تخصصهم، عن طريق المؤتمرات والندوات والمحاضرات.
– تقديم الحوافز لرفع النمو المهني للمعلمين.
مما سبق يلاحظ أن اتجاه المدرسة كوحدة للتطوير المهني ينظر إلى المعلمين كأداة للتطوير والتحسين المدرسي؛ غير أن تحقيق هذا التوجه مرهون بتفعيل ممارسات ونشاطات التنمية المهنية التي تعزز فهم المعلمين لطبيعة تخصصهم، ومسؤولياتهم كقادة وتربويين، مثل: المشاركة في مجتمعات التعلم المهنية، والقيام بالبحوث الإجرائية، وتحليل الدروس الصفية، والمشاركة مع التربويين والخبراء لتعميق خبراتهم، ومنحهم فرص التأمل في ممارساتهم المهنية. لكن ينبغي ملاحظة أن تفعيل تلك الممارسات الحديثة مرهون بقدرة المدرسة على بناء قوتها من خلال استثمار إمكاناتها المادية والبشرية، وحصولها على الدعم والمساندة الكافية من إدارات التعليم والمجتمع المحيط بها، وهذا بدوره يتطلب بذل الكثير من الجهد المنظم والمستمر لضمان نجاح المدرسة في القيام بمسؤولياتها المتجددة.