مقدمة
هناك العديد من المصطلحات في مجال التربية وفروعها وتخصصاتها المختلفة، كما أن هناك زيادة مطردة في هذه المصطلحات بفعل عوامل كثيرة. فما استجدت معرفته عن طبيعة عملية التعلم أدى إلى ظهور مصطلحات مثل: التعلم البنائي، التعلم بالاستقصاء، التعلم القائم على الأداء، كما أن دخول وسيطرة التقنيات الحديثة على كل مراحل وخطوات عملية التعليم والتعلم، أدى إلى استحداث عدة مصطلحات مرتبطة بأشكال وطرق استخدامها في هذه العملية مثل: التعلم المدمج، التعلم القائم على المشاريع، تفريد التعليم وغيرها… وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
وتتعدد في هذا الصدد المصطلحات التي تعبر عن المفاهيم ذات الصلة بالعملية التدريسية ومراحلها المختلفة. و لأن إلمام المعلم بالمصطلحات المرتبطة بعمله خطوة جادة وضرورية لمساعدته هو وطلابه على التقدم نحو الأهداف المطلوبة، و لأن التدريس الفعال يرمي إلى تعزيز المهارات والمفاهيم العلمية التي تعتبر نواة الاستمرار في عملية التعلم ونواة عمليات البحث والاستقصاء والاكتشاف، فإننا سنقف بالتوضيح عند ثلاثة من المصطلحات المهمة التي تحقق هذا الهدف وهي: وقت الانشغال، ووقت الانتظار و التغير المفاهيمي.
1- وقت الانشغال
تعلم المهارات (العقلية أو اليدوية) يحتل حيزا ذا أهمية لا تخفى على القائمين بأمر التربية فهو يشكل إحدى الغايات المهمة للتعليم. وإذا كانت المهارة تُعرّف بأنها القدرة المكتسبة التي تمكن الفرد المتعلم من إنجاز ما اُوكِل إليه بكفاءة وإتقان وفي أقصر وقت ممكن، فإن على المعلم أن يحدد وعند تخطيطه لدرسه مقدار زمن الانشغال المطلوب لأداء المهارة المعينة لأنه أحد مقاييس مستوى الإتقان والكفاءة.
فما هو وقت الانشغال؟
هو مقدار الوقت الذي يقضيه الطلبة في أداء مهمة ما بصورة مباشرة بما يتناسب مع مقدار ما تعلموه.
وهذه بعض الاعتبارات المهمة التي على المعلم مراعاتها عند تحديد زمن الانشغال الذي يجب أن يُحدَّد عند التخطيط للدرس:
- وقت الانشغال قد يكون يدويا أو عقليا (ذهنيا) أو كليهما.
- وقت الانشغال يختلف من طالب لآخر ومن مرحلة لأخرى ومن مهمة لأخرى.
- وقت الانشغال مهم بصفة خاصة للطلبة ذوي القدرات العقلية المنخفضة.
- وقت الانشغال مهم في المراحل المبكرة من تعلم المفاهيم أو المهارات.
2- وقت أو زمن الانتظار
يُعدُّ استخدام الأسئلة أحد أكثر السلوكيات التدريسية تأثيراً بسبب قدرة الأسئلة على تحفيز التفكير والتعلم. وتلعب الأسئلة كذلك دوراً مهما في التعلم النشط وبخاصة في طرق وأساليب التدريس التي تركز على البحث وتنمية التفكير العلمي وطرق التعلم وميكانيزماته.
فما هو وقت الانتظار؟
هو الوقت الذي ينتظره المعلم بعد طرح السؤال على الطلاب وقبل تحديده لطالب معين للإجابة على السؤال.
وقد وجدت الأبحاث أن انتظار 2 إلى 3 ثوان كحد أدنى يمكن أن ينتج زيادة في مستوى الدقة والابتكار والتنوع والتفكير الإيجابي، كما وجدت الدراسات أيضاً أن انتظار خمس ثوان في المتوسط بعد طرح السؤال أدى إلى النتائج المرغوبة الآتية:
- أعطى الطلاب إجابة أطول وأكثر اكتمالاً بدل الإجابات القصيرة.
- زاد عدد الأسئلة التي وجهها الطلاب مقابل عدد أقل من الأسئلة وجهها المعلم للطلاب.
- زاد عدد التجارب العلمية المقترحة وتعددت المداخل وطرق الحل للمشاكل العلمية.
- قدم الطلاب عددا أكبر من الاستدلالات العقلية المنطقية والمعقولة.
- زادت مشاركة الطلاب بطيئي التعلم.
- تغيرت توقعات المعلمين عن أداء الطلاب.
وهذه الإيجابيات تعني أن وقت الانتظار الذي يستخدمه المعلمون بعد طرح السؤال، يؤثر على نوع و كم إجابات الطلبة لأنه يتيح الفرصة للطلاب للتفكير والتأمل وإدراك العلاقات والربط بين المعطيات (خبرات التعلم السابقة) ذات الصلة بموضوع السؤال من حقائق وقوانين وغيرها.
و يحتاج تطبيق وقت الانتظار إلى إرساء المعلم لقواعد ثابتة و واضحة في إدارة الصف خصوصا فيما يتعلق بكيفية الإجابة على السؤال الذي يطرحه، حتى لا تقتصر الإجابة على الطلاب الذين يسارعون برفع الأيادي أحيانا حتى قبل اكتمال السؤال.
3- التغير المفاهيمي
يبدأ تشكيل الطلاب للمفاهيم العلمية حول الظواهر في سن مبكرة قبل تلقيهم لمعرفة علمية منظمة، أي قبل دخول المدرسة، وقد أُطلق على هذه المفاهيم العديد من المصطلحات مثل: المفاهيم البديلة – المفاهيم الخطأ – الأطر البديلة – المفاهيم السطحية.
فما هو التغير المفاهيمي؟
هو العملية التي يتم بها تغيير هذه المفاهيم البديلة أو الخطأ إلى مفاهيم علمية مقبولة ومتعارف عليها.
ويتطلب تغيير المفاهيم البديلة من المعلم القيام بالآتي:
- استخدام الأسلوب التدريسي المناسب لتدريس المفاهيم، فالطرق التقليدية لا تساعد على تصحيح التصورات البديلة.
- التعرف على المفاهيم البديلة وأسباب تمسك الطلاب بها، فهناك العديد من الأساليب التي يمكن أن تساعد المعلم على اكتشاف هذه المفاهيم.
- تقديم دروس العلوم للطلاب بصورة تجعلهم يواجهون الظواهر المراد دراستها بصورة مباشرة بدلا من إخبارهم بها كمعلومة بغرض حفظها واستظهارها ويمكن للتقنية أن تقوم بدور كبير في هذا المجال.
- بما أن الفهم يتأتى من خلال عمليات التقريب المتتالي، ويتطلب ذلك بذل جهد عقلي لا يستهان به من قبل الطلاب، فإن على المعلم إعطاء الطالب الوقت الكافي للفهم حتى يستطيع وضع المفهوم في سياقات أخرى.
- العمل على تثبيت المفهوم الجديد حتى لا يتلاشى، ويمكن أن تساعد الاختبارات واستخدام المعلومات في سياقات جديدة على ترسيخها في العقل.
و بما أن النموذج البنائي في التعلم يولي تركيزاً أكبر على الفهم وتشكيل العلاقات بين المفاهيم وربط الخبرات الجديدة بالخبرات السابقة، وتطوير تطبيقات للمعرفة الجديدة على مشكلات يصادفها الطلاب، فإن أسلوب حل المشكلات والاستقصاء يمكنه أن يكون من أكثر الطرق فاعلية في ترسيخ التغير المفاهيمي.
خاتمة:
تنبع أهمية المصطلحات عمومًا من أنها الوعاء الذي تُطرح من خلاله الأفكار. فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلت دلالاته التعبيرية أو تميعت معطياته، اختل البناء الفكري ذاته، واهتزت قيمته في الأذهان. وقد قيل إنّ فهم المصطلحات نصف العِلم، لأنّ المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم.