تربية
سلوكيات خاطئة في تربية الأبناء.
ذكرت في أكثر من مقال في موضوع التربية: بأن التربية والتوجيه، من أشق الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته؛ لما تتطلب من علم وخبرة، ولما يحتاج القائمون عليها إلى جهد ومتابعة وملاحظة، ورصد. وفي الحقيقة فإن التربية رؤية ورسالة، تستند إلى الثقافة بمفهومها الواسع، وإلى دراية بخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال.
وتربية الأبناء ـ ولا سيما الصغار منهم ـ فيمرحلة الطفولة حساسة للغاية، ولا ينبغي الاستهانة بها والنظرة إليها نظرة ثانوية؛ بل إن العناية بالطفل هي الركيزة الأولى في تعديل سلوك الطفل، وتوجيهه التوجيه السليم الرشيد.
وسأركز في هذا المقال على بعض السلوكيات الخاطئة في تربية الصغار وعرضها، وبيان الخلل الذي فيها؛ كي يتجنبها المربون؛ لئلا ينشأ من تحت أيديهم نشأة ليست على سواء.
لقد شاهدت مشهدا مسرحيا يسيرا، أبطاله طفلان صغيران، يداعبهما عمهما كي يتسلى ويضحك؛ ولكنه يقع في أخطاء سلوكية، لو تأصلت في سلوك الطفل، لتربى على الخطأ، وأثر في سلوكه ونفسيته، ولنشأ نشأة عوجاء تؤثر في مّنْ حوله إذا كبر.
من هذه السلوكيات الخاطئة التي تُطّبِّعُ الطفل بصفة العدوانية، وكره الآخر، وحب الأثرة وإرادة الأذى، وحب الأنا، والتحرش بالآخر، فينعكس سلوكه وفق هذه التربية الخاطئة والتي شجعهم عليها مُرَبٍ يجهل عاقبة ما نَشَّأ عليه الطفل ورباه.
أحد الطفلين بيده جوال، يتعلق به تعلق الرضيع بحليب أمه، ويمعن النظر في برامجه، ويديم النظر فيه، فتنبث أشعة الجوال في وجهه، وفي بعض الأحايين يقرب الجوال من ناظريه، وربما تستمر هذه الحالة مدة لا يأمن الإنسان عاقبتها، والطفل ـ وهو في نشوة النظر إلى الجوال ـ الذي بيده الجوال يطلب العم من ابن أخي الطفل ـ ليتسلى – أن يضرب الطفل الآخر، وينتزع منه الجوال، ويهاجمه مهاجمة الحيوان، فريسته؛ فتنشأ معركة بين الطفلين، والناس من حولهم يضحكون!! فيهيج المجلس بهياجهما، وتتعالى الأصوات والبكاء، وربما يتراشق الطفلان بما يملكان، أو يتضاربان بالأيدي، وللأسف فإن الكبار يشجعون هذه المبارزة التي تنتهي أحيانا بخسارة أحد الطرفين أو بكليهما، ولا يدري الكبار ماذا تركت هذه المسرحية من سلوكيات خاطئة في النفس، فإذا تأصلت صفة العدوانية والأثرة، وحب الذات والأذى، وبغض الآخر في تصرفات الطفل: فينشأ نشأة سيئة فيها العوج، وحب التعدي على الآخرين.
ينبغي على المربي في هذه الحال: أن يطلب من ابنه أن يعطي ابن عمه الجوال، ويطلب منه أن يقبله، ويلعب معه، وأن يتداعبا بروح أخوية، وأن يستهجن مّنْ حولهما كل تصرف منهما مذموم، وعلى المربي تعديل السلوك الأعوج وهو ساخن ليسهل التعديل.
الوقت وعاء إن ملأته شرا: امتلأ به. وإن ملأته خيرا: فاض خيرا. فعلينا أن نحرص عليه، وأن نحْشوه مما ينفع ولا يضر.
من السلوكيات الخاطئة: ترك الأولاد يمارسون الخطأ ـ بذريعة أنهم صغار ـ فلا تضرهم الممارسة على زعمهم، وقد يكون الخطأ جسيما مؤذيا، يكاد يتأصل في ذات الطفل، فلو اُخِذَ على يديه فورا وعُدِّلَ سلوكه، لَبَرِئَ الولد مما هو فيه من انحراف؛ لكنهم يُتْرَكون بلا بيان لخطئهم، وما سيؤدي إلى ضرر يعود على الطفل وغيره من أذى.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
إن السلوكيات الخاطئة التي شرحتها ـ وغيرها لا يتسع المجال لذكرها ـ تنشئ الولد على المعاندة والتمرد، فتجد بعض الأطفال ـ على سبيل المثال ـ وهم يلعبون بالجوالات إذا انتزع منهم أو أخذ منه: يصرخ ويبكي ويظل هكذا حتى يعاد إليه الجوال، ويفرض إرادته الخاطئة على غيره، وحتى لا يتعب الأبوان في إصلاح الخلل: يتركان ابنهما يمارس الخطأ!! والطفل عجينة يتكيف كما يريد مربوه، ولو أظهر العناد، ولكن الصابرون والحريصون على تربية أبنائهم تربية سليمة: هم المفلحون؛ فالولد أمانة، فلا ينبغي التفريط بها أو إهمالها حتى لأي ذريعة.
وما أجمل قول الشاعر الذي يصور علاقة الأب بابنه:
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض
وآخر يصور طبيعة الطفل فيقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وهكذا نلمس الحقيقة التي قررتها وهي: الطفل يعتاد على الخير إن عودته عليه، والعكس صحيح، وإذا سلك مسلكا خاطئا فإذا أُخِذَ على يديه فورا: ارتدع وتعدل، والعاطفة المفرطة في بعض الأحيان ضارة في تربية الأبناء، فيترك الطفل على إعوجاجه: رحمة به كما يزعمون!!
(لها اون لاين)