إرشادات
توظيف تقنيات اللعب المسرحي في تعليم التواصل الشفوي
تعتبر كفاية المتعلّم في التّواصل الشّفويّ من أهمّ أهداف تعليم وتعلّم اللّغة. ورغم أنّ الدّراسات التربويّة (1) تؤكّد نجاعة التّواصل الأفقيّ بين المتعلّمين في تطوير هذه الملكة، فإنّ الممارسات التّعليميّة لا تزال مقصورة في جلّها على التّواصل العموديّ (مدرّس- متعلّم) ما أغرق هذا النّشاط في الرّتابة والإملال، والحال أنّه يمكن إضفاء الحيويّة على هذا النّشاط ورفع دافعيّة المتعلّم في الإقبال عليه بمجرّد فتحه على المواقف الحياتيّة واعتماد تقنيات لعب الأدوار في تنشيطه.
وفي ما يلي مقترح منهجيّ عمليّ لتنشيط مادّة التّواصل الشّفويّ، جرى تجريبه في المدارس الابتدائيّة لولاية أريانة بالجمهوريّة التّونسيّة فكانت ثماره حقّا ممتازة.
وتتكوّن هذه المنهجيّة من مرحلتين أساسيّتـيْن هما موقف الاستكشاف و مواقف التّرسيخ اللّغويّ، يتخلّلهما عمل تقويميّ توجيهيّ. فإليكم هذا المقترح:
1 – موقف الاستكشاف
يعرّف معجم المعاني الموقف على أنّه ” تهيُّؤ عقليّ لمعالجة تجربة أو أمر من الأمور، تصحبه عادة استجابة خاصّة.” وهو ما سيعتمده المدرّس كسند للدّرس. يتمّ استثماره تلقائيّا في البداية، فالتّدرج بإيحاء وتشجيع من المعلّم ليبلغ المتعلّم العمل اللّغويّ المنشود.
يُستمَدُّ الموقفُ من معيش الطّفل الاجتماعيّ (المدرسة، العائلة، السّوق، ساحة الحيّ، الأحداث المحليّة أو/ و العالميّة…)
يقدّم المعلّم الموقف دون إغفال مكوّناته، وهي كالآتي: ( كما في هذا المثال المستمدّ من برنامج اللّغة العربيّة الرّسميّ للدّرجة 2 بالجمهوريّة التّونسيّة)
كيف ينشّط المعلّم عمليّا بهذه التّقنية التي تدعى لعب الأدوار أو المحاكاة الجزئيّة؟
– يكفي أن يقف وسط التّلاميذ ويقول: علم ريّان وأخته فاطمة بمرض عمّهما سليمان. هما لم يستطيعا زيارته لأنّهما يجريان الامتحانات. قرّر الطفلان أن يهاتفا ابنة عمّهما نادية للسّؤال عن أحوال عمّهما المريض.
[حين يكون المعلّم بصدد الإعلان عن الموقف يشير إلى التّلاميذ الذين سيلعبون الأدوار. في هذا الموقف: نادية/ ريّان/ فاطمة] – التّلاميذ سيلعبون الأدوار، ويمكن أن يستعملوا، بمساعدة من المعلّم، اكسسوارات بسيطة لتسهيل الأداء. في هذا الموقف مثلا هاتفين قديمين لمحاكاة المهاتفة. أحدهما للأمّ والآخر للأخوين. يمكن حتّى استعمال الخنصر والإبهام مع إطباق بقيّة الأصابع لمحاكاة جهاز الهاتف.
في الأثناء:
– يقبل المعلّم اللّعب التّواصليّ التّلقائيّ من التّلاميذ ويشجّعهم ليسترسلوا.
– يخفّف ما استطاع التّقويم النّحوي لصالح السّيولة اللّغويّة.
– يمُد اللاعبين (لاعبي الأدوار) بما يحتاجونه من عبارات، و يقرّبهم من العمل اللّغويّ المستهدف، تماما كما يفعل المخرج المسرحيّ مع الممثّلين الذين يؤلّفون النصّ بالارتجال على الخشبة.
كيف ينجز المعلّم ذلك عمليّا؟
– يقف المعلّم إلى جانب التّلاميذ اللاعبين للأدوار.
يهمس مثلا لفاطمة: اسألي نادية ما إذا كانت آلام العمّ سليم قد خفّت؟
يحضّ على الحوار بين نادية وريّان:
– يا نادية هل أجرى عمّي التّحاليل الطبّيّة؟
– لا يا ريّان لم يجر أبي التّحاليل الطبّيّة بعدُ. (حتّى السّاعةِ… إلى الآن… في الوقت الحاضرِ…)
…
مع مجموعة أخرى من التّلاميذ (مواصلة الحكاية، بعد يومين)
ريّان: هل أجرى عمّي العمليّة الجراحيّة؟
نادية: لا، يا ريّان لم يجر أبي العمليّة إلى حدّ الآن.
مع مجموعة أخرى من التّلاميذ (مواصلة الحكاية، أربعة أيّام… وقد أجريت العمليّة الجراحيّة)
فاطمة: آلو… نادية …كيف حال عمّي بعد العمليّة؟
نادية: أهلا فاطمة.. هو الآن أفضل بكثير، والحمد لله.
فاطمة: هل غادر المستشفى إذا؟
نادية: لا يا فاطمة أبي لم يغادر المستشفى بعدُ.
يحثّ المعلّم ريّان على التّدخّل هامسا: اسألها هل قرّر الأطبّاء موعدا للمغادرة؟
– آلو نادية، هل قرّر الأطبّاء متى سيغادر عمّي المستشفى؟
المعلّم يشير لنادية بإصبعه كي تجيب بالنّفي
نادية: لا ريّان الأطبّاء لم يقرّروا إلى حدّ الآن موعدا للمغادرة.
2 – مواقف ترسيخ العمل اللّغويّ
– استثمار موقف جديد.
ملاحظة منهجيّة:
الأسناد هنا تتكون من حوالي 5 مواقف يُستثمر كلّ منها 3 مرّات على الأقلّ، وذلك بالمحافظة على الموقف مع تغيير طفيف لتبديل النّوايا التّواصليّة. ستستعمل البنية اللّغوية إذا 15 مرّة على الأقلّ في القسم.
الأسناد: عبارة عن سلسلة من المواقف المستمدّة من معيش المتعلّم والمستنفرة للأعمال أو الصيغ اللّغوية المستهدفة
– كيف أختار المواقف المناسبة؟
بطرح سؤال حول السّياقات الاجتماعية التّي تستدعي الحاجة اللّغوية المحدّدة.
هنا في مثالنا:
– التّعبير عن عدم وقوع الفعل إلى حدّ لحظة التكلّم، كثيرا ما يرتبط بالسّؤال عن سيرورة حدث. وتوجد مواقف اجتماعيّة ومدرسيّة كثيرة تستدعي العمل اللّغويّ المبرمج.
– أيّها المعلّم، لا تنس السّؤال الخلاّق، السّؤال الذي به تصنع المواقف بسهولة: في أيّ المواقف نحتاج هذه الصّيغة أو العمل اللّغويّ؟ متى يواتي استعمال هذه البنية أو تلك لتلبية حاجة تواصليّة ملحّة وإشباعها على الوجه الأكمل والأبلغ؟
لنواصل إذا:
يمكن في هذه الأثناء:
– استعمال المكتسبات اللّغويّة السّابقة و ترسيخها.
– العمل على إزالة التّردّد و الإحساس بالحرج لدى الأطفال (التشجيع والتثمين).
– إذا تعثّر التّلاميذ و انقطع حبل التّواصل يطرح المعلّم أسئلة تتعلّق بمكوّنات الموقف:
متى؟ أين ؟ لماذا؟ كيف؟ من؟ ماذا سيقول في هذه الحالة؟
– مساعدة التّلاميذ على إثراء لغتهم بتقديم رصيد معجمي فصيح لتوفير الأفكار.
– حثّ المتعثّرين على استحضار تعابيرهم السّابقة (مرحلة التّواصل التّلقائي).
– توجيه التّلاميذ التّلاميذ نحو القيم المحمولة و المبثوثة في مقام التّواصل (تعاون، تضامن، تسامح…)
– تنويع المواقف المؤدّية لاستعمال الأعمال اللّغويّة المستهدفة.
– تمكين التّلميذ من توظيف الأعمال اللّغويّة في وضعيّات مواقف (و هي الّتي تنطلق من خبرات التّلاميذ و تجاربهم)
3 – التّقييم
عمليّة مستمرّة خلال حصّة التّواصل الشّفوي حيث يقوم المعلّم بتّقييم ما اكتسبه تلاميذه من خلال التقييم التّشخيصي، كما يقوم بالتّقييم التّكويني خلال كلّ حصّة و في نهاية كلّ وحدة تعليميّة أمّا التّقييم الإشهادي فيكون في نهاية كلّ سداسيّة.
يعتمد المعلّم معايير و مؤشّرات وقع التّنصيص عليها بالبرامج الرّسميّة (انظر البرامج الرّسميّة للدرجة الأولى ص 48 التّقييم في التّواصل الشّفوي)
تذكّروا !
تأمّلوا هذا التّوازي المنطقيّ البيداغوجيّ في مجالين تعلّمييْن مختلفين!
– في العلوم نعتمد وضعيّة-مشكلة لخلق الحاجة للتّفكير، ولحلّها نبني المفهوم ثمّ نطبّقه في وضعيّات متنوّعة ليتملّكه المتعلّم عبر الاستعمال والتّوظيف المناسب.
– في اللّغة نعتمد وضعيّة-موقفا لخلق الحاجة للتّواصل، وللتبليغ نستدعي عملا لغويّا مناسبا ونستعمله مرارا في مواقف متنوّعة ليتملّكه المتعلّم عبر الاستعمال والتّوظيف المناسب.
الاستنتاج:
لا تعلّم دون توظيف و استعمال، غير ذلك فُرجة و سلبيّة.