تربية
الثقة بالنفس مفتاح نجاح طفلك..
أتحب أن يكون ابنك إنساناً ناجحاً؟ يتمتع بروح المبادرة، شجاعاً، لديه شخصية قوية من الصعب تأثرها برفاق السوء، سعيداً في حياته، جريئاً مجرباً لكل جديد, مبدعاً واثقاً من عمله، متماسكاً في مواجهة الخطوب، إذن عليك أن تدربه علىالثقة بالنفس، فهي المفتاح الذي يستطيع به فتح الأبواب الموصدة، وإنجاز المهام وإن صَعُبت.
ذهب أحمد (8 سنوات) إلى البقالة المجاورة؛ لشراء حاجيات للبيت، ولكنه عاد ليخبر والدته أن البقالة مغلقة. تثور الأم، ويتغير وجهها وتصرخ في وجه ابنها قائلة: “مقفلة ولما؟!! لابد أنك ذهبت إلى مكان آخر كالعادة، أغلقتها، أغلقتها يا أحمد”، ثم تهدأ قليلاً، وتشيح بوجهها بعيداً عنه، قائلة: “كنت أعرف أنك لن تشتري لي شيئاً. أنت هكذا دائما”.
كان رد فعل هذه الأم محبطاً جداً لولدها؛ وربما قال في نفسه: “نعم أنا هكذا, لا أستطيع إيجاد أو شراء أي شيء، أنا لا يعتمد عليّ، لا تعتمدي عليّ في أمر بعد الآن”، وإذا تكرر هذا الموقف تثبت هذه الصورة في ذهن الطفل؛ لأنه يصدّق ما تقوله له أمه عن نفسه، فنجده لا يثق بنفسه في إنجاز مهام مختلفة، خاصة تلك التي تتعلق بشراء حاجيات للمنزل، أو البحث عن أشيائه المفقودة، وهو أيضا غير مثابر، ولا يكلف نفسه عناء تكرار المحاولة” ولِمَ المحاولة والتعب إذا كنت أنا دائما هكذا؟”.
وقعت هذه الأم في عدة أخطاء، من شأنها أن تؤثر على ثقة هذا الصغير بنفسه, ومنها: الصراخ، النقد، والسخرية، ووصفه بالغباء.
التحدث المستمر عن الخطأ: يثَّبته في سلوك الأبناء، ويجعله يحدث مرات ومرات. فإذا أخبرت ابنك بأنه يسكب الحليب كل يوم، فإنه سيسكبه كل يوم، ولن يستفيد شيئا من نقدك، ولن تعلمه تعليقاتك اللاذعة السلوك السليم. أما إذا توقفت لفترة – في الغالب- ينسى الطفل، وتتحسن أخطاؤه العادية بمرور الوقت.
النقد المستمر، وتصيّد أخطاء الأبناء: ليسا طريقة سليمة للتربية، ولا يعلمهم ذلك تجنب أخطائهم، فقط يضعف ثقتهم في أنفسهم، كما أن ذلك لا يسمح للآباء باكتشاف بعض عيوب أطفالهم, ويمنع مساعدتهم في علاج المشكلة.
أحس عبد الرحمن (6 سنوات) بالملل من كتابة الواجبات، فدخل المطبخ وصنع بنفسه كوبين من عصير الليمون، كوباً له وآخر لأمه، وعندما قدمه لها ابتسمت، وقالت: “عصير لذيذ، سلمت يداك يا ولدي، كنت بحاجة إليه، كيف صنعته؟ تشجع الولد وامتلأ ثقة في نفسه، وهو يشرح لأمه كيف وضع السكر، وكيف كان حريصاً وهو يستخدم السكين في قطع الليمون؛ وأمه تنظر إليه بإعجاب واهتمام وتشجيع.
ويمكنها أيضا أن تقترح بعض التحسينات على عصير الليمون, بأن تقول: “غداً اصنع لي عصير ليمون، ولكن ضع ملعقة أخرى من السكر؛ أو ليموناً أكثر لأنه مفيد، ويحتوي على فيتامين سي الذي يحارب الأنفلونزا، شكراً لك”، دون التعليق على حبيبات السكر المبعثرة، أو الملاعق التي استخدمت، أو منضدة المطبخ التي تحتاج إلى تنظيف.
يذكر الدكتور داركي لاينس- أخصائي الطب النفسي- أنه “إذا حاول الابن فعل شيء، ونجح مع بعض الفوضى، فلا تنتقدهُ وأعطه الفرصة للتعلم من أخطائه بنفسه”.
كيف؟
كلنا نأمل أن يتحلى أولادنا بصفات الشخصية الناجحة، ومن بينها الثقة بالنفس؛ ولكن كيف يمكن لأطفالنا أن يكتسبوا هذه الصفات الطيبة؟
طلبت المعلمة من أماني -12 سنة- أن تستعد للاشتراك في مسابقة مادة العلوم أثناء الإذاعة المدرسية، وبينما هي تراجع ما درسته في تلك المادة، أحست بالخوف الشديد -ألاّ تتذكر تلك المعلومات- وبالرهبة من الوقوف أمام جميع الطالبات والمعلمات، وفي صباح يوم المسابقة: لاحظت أمها توترها الشديد وقلقها المفرط, فما كان منها إلا أن عبست في وجهها، وقالت لها بنبرة يغلب عليها اللوم أكثر من التشجيع: “ثقي بنفسك”.
كلام وطريقة الأم لم يساعدا أماني في تهدئة قلقها, بل زادها العبوس توتراً فوق توترها, وعندما بدأت المسابقة، كانت يداها ترتعشان, وصوتها يرتجف, وخرجت الكلمات متقطعة غير مفهومة، كانت أماني الوحيدة في فريقها لم تشارك بأية إجابة صحيحة!.
لا يمكن أن نخبر الطفل بأن “يثق في نفسه» أو «يتحمل المسؤولية» أو «أن يصبح رجلاً» أو «أن يكون منظما”، هكذا ونصمت.
في الغالب تكون معاني تلك الكلمات مبهمة، وغير واضحة في أذهان الصغار, ولذلك من الأفضل أن ندربهم على اكتساب تلك الصفات أولا.
فإذا أردنا أن يثقوا في أنفسهم: يجب علينا أن نثق نحن بهم؛ فكيف نبين لهم أننا نثق بهم؟! وللإجابة على السؤال نقترح الآتي:
1- سرد النجاحات والإنجازات التي حققوها والإعجاب بها، ولا تعني كلمة إنجازات أن يكون الطفل قد أحرز المركز الأول على مدينته في اختبارات المرحلة الابتدائية؛ ولكن أن يكون قد استطاع تحسين خطه عن ذي قبل، أو أن درجاته الشهرية قد زادت عن الشهر الماضي، أو أنه تمكن من ربط حذائِهِ لأول مرة بمفرده. أي إنجازات تناسب عُمر وقدرات الطفل, ليست بالضرورة أشياءً مبهرة.
2- أن نهمس له: “أنا أثق بك”.
3- ابتسامة الثقة البعيدة عن التوتر، والمشبعة بالتقدير، لاسيما عند خوض اختبار أو تجربة جديدة.
4- عند خوفه واضطرابه من تجربة شيء جديد، نقول له: “حاول ولن تخسر شيئاً”.
5- أن نهتم بآرائه ونقدرها ونتقبّل وننفّذ المناسب منها.
كان هاني (خمس سنوات) يجلس بالقرب من والدته، وهي تتابع مسلسلاً تلفزيونياً, وفجأة قال لها: “ماما لا تشاهدي هذا المسلسل مرة أخرى إنه سيّئ وغير مناسب”.
ففكرت الأم بسرعة ثم قالت: “والله كلامك صحيح، إنه فعلا غير مناسب, أنا سأستمع لنصيحتك شكراً لك ياولدي”. وقامت من فورها وأغلقت الجهاز, وعندما عاد الأب، أخبرته بما كان من فطنة وذكاء وحسن تقدير هاني, الذي زاده هذا الموقف ثقة في نفسه.
يقول د. داركي لاينس, الطبيب النفسي المتخصص في مشكلات الطفولة والمراهقة: “تنبع الثقة بالنفس من الإحساس بالكفاءة (أي القدرة على فعل الأشياء)، فالأطفال لا يشعرون بالثقة لأن الآباء يخبرونهم بأنهم رائعون، ولكن لإحساسهم بالإنجازات صغيرة كانت أو كبيرة.
كلمات التشجيع من الأب أو الأم مهمة، ولكن عندما تكون كلمات مدح لمجهود محدد قام به الطفل، أو تعلمه مهارة جديدة, يكون لها تأثير قويٌّ”.
كان محمد -7 سنوات- يلعب مع أمه لعبة من ألعاب التلاميذ اليسيرة، حيث يكتب كل منهما علامة في جدول على الورق، وبما أن الأم لم تكن ماهرة بها، فاز محمد في أكثر المرات، ولكن عندما تحسّن أداء الأم في اليوم التالي سألها: “لماذا تفوزين كل مرة اليوم؟”، أجابت الأم: “لأنك علمتني بالأمس كيف ألعب”، فابتسم وامتلأ إحساساً بالبهجة والثقة، والأهم أنه لم يحزن لخسارته.
الثقة بالنفس تعني: أن يؤمن الإنسان بأنه قادر على الإنجاز وفعل الأشياء, فما أهمية ذلك؟ يقول الكاتب التربوي ديفيد جريفث: “الطفل الذي يتمتع بالثقة، يصبح بعد أعوام رجلا يتمتع بالثقة، ويستطيع إنجاز أي شيء يضعه نصب عينيه”.
أي أن الثقة بالنفس أساس النجاح والمبادرة وحب المغامرة والإبداع؛ والعكس بالعكس.
ومن أفضل الطرائق لزرع الثقة في نفوس الصغار هو: التقبل والتقدير غير المشروط بدرجات عالية أو تفوّق رياضي, أو نبوغ علمي.
فقط أن نثق بهم ونحبهم، سواء كان دورنا في حياة الطفل هو دور الأب أو الأم أو العم أو الخال أو الجد أو المدرس أو المدرب، فإن الطفل حساس جدا للتقدير، فلا يبخل أحد على طفل بكلمات ثناءٍ نابعة من القلب.
عندما تغيب الثقة في النفس
حين يكون لدى بعض الأطفال- والكبار أيضا- شعور بالدونية والفشل, أو الإدانة من الجميع؛ يفقده ذلك الشعور الثقة والتقدير لذاته، مما يدفعه لأن يكون عدوانياً وعنيفاً، ويشك في قدراته، ويحقد على الناجحين، ولا يحاول إيجاد مجالات تميزه؛ لأنه يشعر باليأس حتى قبل أن يحاول، ويحاول استمالة المحيطين به، بأن يطيعهم في كل ما يطلبون منه، سعيا للحصول على محبتهم أو تقديرهم له.
ويميل بعض الأطفال الذين يشعرون بالدونية، إلى السعي المحموم لإرضاء الآخرين بأية وسيلة: وهنا تكمن الخطورة من تأثير الرفقة السيئة على الطفل.
حيث يجد نفسه أحياناً مرغماً على فعل أشياء يعرف أنها ليست صحيحة، فقط من أجل مجاراتهم والاحتفاظ بصداقتهم وتقديرهم له.
ومن الوسائل التي تسحب الثقة من نفوس الصغار والكبار:
عقد المقارنات: وهي من أكثر الأساليب التربوية الخاطئة انتشاراً في مجتمعاتنا، حيث نقارن أولادنا بأولاد عمومتهم وخؤولتهم، وأولاد الجيران، وزملائهم في المدرسة، والأطفال الذين نشاهدهم في التلفاز، ونلومهم على فشلهم في أن يكونوا مثل هؤلاء وأولئك, ونحثهم ونحرضهم ونوبخهم ونقرعهم ليكونوا مثل أولاد عمهم؛ متفوقين في دراستهم، ونعيرهم بأن: “فلاناً أحسن منك، أو فلاناً أشطر منك، أنت خائب وكسلان، فلان أذكى منك،…” مما يربي في الطفل الحقد والغيرة من كل من يقارن بهم.
والأخطر بين كل هذا هو مقارنة الإخوة ببعضهم البعض؛ مما يرسّخ الحسد والكراهية بينهم.
يحتاج بعض الأطفال دعماً وحباً وتقديراً غير مشروط أكثر من غيرهم، يحتاجون إلى تكثيف كل ذلك معهم؛ ليستعيدوا الثقة المفقودة، نتيجة ما تعرضوا له من حوادث استثنائية، مثل: أن يفقد الطفل أحد أطرافه في حادث، أو نتيجة لمرض خطير أصابه، أو لإعاقة جسدية تحدّ قليلاً من حركته، أو تأخّر دراسي، أو غير ذلك.
هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى: من يقدر آلامهم ومعاناتهم، ويتفهّم مشاعرهم وأحاسيسهم؛ ثم لا يعاملهم على أنهم معاقون أو غير قادرين على فعل أيسر الأشياء.
(لها اون لاين)