إرشادات

تغيير المناهج الدراسية خلال الحقبة الحالية

تستعرض المقالة التالية “ثلاثة تغييرات متداخلة في إيديولوجية المناهج وهيكلها ومحتواها الدراسي التي غيّرت مفهوم المناهج الدراسية وممارساتها بشكل أساسي في مطلع القرن الماضي.

خلال الحقبة الحالية، حدث تغيير كبير في أيديولوجية مناهج المدارس وهيكلها ومحتواها. وبحلول عام 1980م، صارت أيديولوجية المناهج علميّة، وتم تمييز هيكل المناهج الدراسية، وتم توسيع محتوياتها بشكل كبير. في حين أن هذا التغيير لازال مستمرًا في تشكيل فهمنا لطبيعة التغيير التعليمي بشكل عام والمناهج الدراسية على وجه الخصوص، وتظل المعلومات التاريخية التي تعتبر ديناميكيات هذا التغيير جوهرية. وبدون هذا الفهم التاريخي، فإن المدافعين عن تغيير المناهج الدراسية اليوم لن يكون بإمكانهم في كثير من الأحيان تجربة بعض الافتراضات حول تغيير المناهج الدراسية، وبالتالي سوف يبذلون طاقة لا حدود لها لإعادة اختراع أيديولوجيات وأنماط تغيير غير كافية لحل المشاكل المستكشفة التي تواجه مجال المناهج الدراسية.
على أمل أجرأة المناقشة الحالية حول تغيير المناهج، يستعرض المقال التالي بشكل انتقائي ثلاثة تغييرات متداخلة في أيديولوجية المناهج ومحتواها وهيكلها التي أدت إلى تغيير مفهوم المناهج الدراسية وممارساتها بشكل أساسي في مطلع القرن الماضي.

العلم وتغيير أيديولوجية المناهج الدراسية

في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، استحوذ روح العلم على عالم التعليم، حيث يعتقد الإصلاحيون في المدارس مثل جون فيلبريك أن الأنماط الطوعية والتعددية للتعليم المدرسي في القرن التاسع عشر فشلت في تلبية المتطلبات التعليمية المتغيرة للحضارة الصناعية والمدنية. ووفقا لـ فيلبريك، فإن الحل يكمن في “استكمال النظام نفسه”، وتطوير ما أطلق عليه المؤرخ التعليمي ديفيد تايك “النظام الأفضل” للتعليم. “الأفضل هو الأفضل في كل مكان” كما صرح فيلبريك في عام 1885م، “إذا اخترعت أميركا أفضل مكتب مدرسي، يجب أن تمضي إلى نهايات العالم المتحضر.”

بإيجاز، هدف فيلبريك وغيره في أواخر القرن التاسع عشر إلى تأسيس مناهج تعليمية علمية وموحدة. وقدمت البيروقراطيات الصناعية واسعة النطاق نموذجًا يسهل الوصول إليه من أجل تنظيم تلك المناهج وإدارتها، وسرعان ما صارت “الإدارة العلمية” موجهًا لتطوير مناهجها الجديدة وتطبيقها.

كما أن الأمريكي فريدريك دبليو تايلور مدير الإدارة العلمية (1911م) أعطى دافعًا قويًا للإصلاحيين في المدارس من أجل تطبيق المبادئ العلمية في مجال المناهج الدراسية. ولفت الرائد الأول لعملية تطوير المناهج العلمية جون فرانكلين بوبيت الأنظار بدرجة كبيرة إلى العمل الذي قام به تايلور، وجنبًا إلى جنب مع غيره من مطوري المناهج الدراسية مثل: دبليو. دبليو. كارتر وديفيد سنادين. وقد أوضحبوبيت أن المناهج العلميّة إذا تمكنت من زيادة الإنتاجية والكفاءة في الصناعة يمكن استخدامها لتطوير المناهج الدراسية. كما ساعد بوبيت -من خلال تأسيس مناهج علمية بغرض تحديد الوسائل التي تمكن من رسم أهداف المناهج الدراسية بشكل مباشر من الحياة اليومية- على تأسيس طريقة عالمية لتطوير المناهج الدراسية.

ومن خلال التركيز على خصائص مثل الخبرة والتخصص والكفاءة، تمكن الإصلاحيون الأوائل للمناهج الدراسية من القضاء باقتدار على ما وجدوه من ممارسات اعتبروها مبتذلة وغير علمية للمناهج الدراسية الناتجة إما بسبب ضعف التدريب أو التعارض المتعمد لتطوير المناهج الدراسية. وبحلول ثلاثينيات القرن العشرين، لم يكن تطوير المناهج الدراسية مجرد مجهودات علميّة ومهنيّة بل حقق أيضًا استقلالًا أكاديميًا كمجال دراسي مستقل ومتخصص.

وتركت الأيديولوجيات العلميّة الناشئة في المناهج الدراسية وتغيير المناهج العديد من الموروثات التي ما زالت تؤثر في سياسة المناهج الدراسية. ففي الماضي، نظر التربويون إلى المناهج الدراسية على أنها شأن مهني وليس سياسي. أما اليوم، فيعتقد المهتمون أن التربويين المدربين تدريبًا مهنيًا مؤهلين بشكل أفضل لاتخاذ القرارات الخاصة بالمناهج أكثر من أعضاء مجلس الإدارة أو الجمهور. ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الأحكام التي يتخذها المختصون تستند إلى مبادئ توجيهية فنية وتعليمية وعلميّة بدلاً من الاعتبارات السياسية. ونتيجة لذلك، يتعمد التربويون في بعض الأحيان تجنب الطبيعة السياسية للمعرفة التي ينقلونها، وكثيرًا مايفاجؤون حول ردود الأفعال السياسية القوية على هياكل المناهج الدراسية. فمشاهدة عملية تطوير المناهج الدراسية كعمليّة منطقيّة وعلميّة في بعض الأحيان تخفي محاولات القوة النافذة وسط الائتلافات السياسية ومجموعات المصالح الاقتصادية والمنظمات المهنية، وجميعهم قد يستفيدون من تغيير المناهج الدراسية. وعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن يقف مدربو تعليم القيادة إلى جانب مصنعي السيارات وتجارها على أمر مجهول في حال اعتبرت العملية المنطقية والعلمية لتطوير المناهج الدراسية أنه ينبغي إلغاء تعليم القيادة.

و تشير قابلية التطبيق العلمي للإجراءات العلميّة على المناهج الدراسية أن المناهج “ليست ذات قيمة”أو “متعادلة القيمة”، كما يضع هيربارد كلايبرد مجموعة من الأسئلة تعتبر محور مجال المناهج الدراسية:

  • لماذا يجب تدريس أشياء محددة؟
  • ومن ينبغي أن يحصل على المعرفة؟
  • وما اللوائح التي ينبغي أن تضبط تدريس المواد المدرسية؟
  • وكيف يمكن لمكونات المناهج أن تكون غير منفصلة؟

جميع هذه الأسئلة تعتبر ذات قيمة. ويخلص إلى أن “تطوير المناهج الدراسية” يتطلب “تمرسا واجتهادا وذكاء، ولا يعتبر مجرد اختصاص ثانوي.

الطفل وتغيير هيكل المناهج الدراسية

سعى الإصلاحيون مثل جون فيلبريك إلى تأسيس منهج موحد: دورة دراسية موحدة لجميع التلاميذ بغض النظر عن الاهتمامات والقدرات الفردية. ومع ذلك، ففي العقد الأخير من القرن التاسع عشر، قاد الاعتراف المتزايد بالفروق الفردية بين الأطفال ذوي الخلفيات الاجتماعية والعرقية المختلفة مطوري المناهج إلى التخلي عن منهج موحد مثالي، حيث تم تأسيس منهج دراسي واسع النطاق ومتنوع باعتبار الضرورات التنظيميّة والعرقيّة والعلميّة.

وتنبع الضرورات التنظيمية للتمايز بين المناهج الدراسية من الزيادة الهائلة في أعداد الأطفال وطبيعتهم. وبالفعل، فإن تشريعات عمل الأطفال وقوانين الحضور الإلزامي زادت من عدد المتمدرسين بموجب شروط تعليمية متقدمة.لذلك، رأى الإصلاحيون الحاجة إلى تغيير المناهج الدراسية من أجل الاهتمام وإبقاء هؤلاء التلاميذ الجدد في الفصول.
وفي التحقيق المتعلق بسبب ترك الأطفال للمدرسة الثانوية بهذه الأعداد، كان تقرير ماساتشوسيتسفي عام 1906م قد خلص فيما يتعلق بأسباب الإهدار أو التسرب المدرسي في المرحلة الثانوية إلى العديد من المشاكل اتضح معها ضرورة تفكيك محتوى المناهج الدراسية.

وبين عامي 1919م و 1980م، قدم أكثر من 23 مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس العامة وإيجاد ضرورة عرقية من أجل تطوير مناهج دراسية متباينة. وفي عام 1908م، وجدت لجنة الهجرة في الولايات المتحدة أن 58٪ من بين جميع الطلاب في 37 مدينة في جميع أنحاء البلاد أبناء لآباء أجانب. (تقدمت نيويورك جميع المدن الأخرى بنسبة 72 ٪.)

كانت الأهمية الإقليمية لهؤلاء المهاجرين بالنسبة للإصلاحيين التعليميين كأعدادهم تمامًا. ففي عام 1909م، ذكر كبرلي بي. ايلوود، الأستاذ في جامعة ستانفورد أن:

هؤلاء الأوروبيون الجنوبيون والشرقيون ينحدرون من طبقات مختلفة عن الأوروبيين الشماليين الذين سبقوهم. فهم أميون ومطيعون ومفتقرون إلى الاعتماد على الذات والمبادرة … فقد صاحب مجيئهم استنزاف المخزون الوطني بصورة هائلة.

وسرعان ما أدرك مطورو المناهج الدراسية أن المهاجرين “الجدد” يحتاجون إلى منهج دراسي مختلف – ليس فقط من أجل تعليمهم اللغة الإنجليزية ومتطلبات العيش في بيئة ديمقراطية ولكن أن يكون مقنعًا لهؤلاء الأطفال القادمين من البلدان الأجنبية من أجل قبول أفضلية -الديانات التي يعتقدونها-.

ومع زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس غير المتجانسة، عزّزت الضرورات العلميّة الجديدة الحاجة إلى مناهج دراسية مختلفة. وقد أعطت الاكتشافات الهامة في مجالات علم نفس الطفل واختبار الذكاء دعمًا “علميًا” مقنعًا لمناهج دراسية متباينة.
في دراسته الضخمة المكونة من مجلدين بعنوان “المراهقة” (1904م) ، اعترض جي. ستانلي هال على مبدأ المنهج القياسي على أساس أنه “تضليل مخادع” لإنكار مجموعة واسعة من الفروق الفردية بين الأطفال في المدارس. كما ذكر هال أن مبدأ توحيد المناهج الدراسية لا يمكن أن ينطبق على الجيش الجرار من العاجزين … الذين تنقصهم الوراثة العقلية وضعف المساحة والتوقف المبكر …  ومن أجل توافق عام يجب التفريق بين كل من الدراسات والأساليب.

قدمت التطورات الجديدة لاختبارات الذكاء مزيدًا من المبررات “العلميًة” للهياكل المتباينة، بالإضافة إلى توفير الوسائل التي تمكن موظفي المدارس من تمييز الطلاب بشكل موضوعي من خلال “مصائرهم الواضحة أو المحتملة”. ذكر لويس تيرمان في كتابه اختبار الذكاء الريادي في عام 1923م أنه:

يمكن أن تخبرنا اختبارات الذكاء ما إذا كان نبوغ الطفل المحلي يتوافق أكثر مع معدلات الطبقات المهنية، المراحل شبه المهنية … أو  العمالة غير الماهرة. هذه المعلومات ستكون ذات قيمة كبيرة في التخطيط من أجل تعليم طفل معين وأيضًا في التخطيط للمناهج المتباينة الموصى بها هنا.

وقد أدت الضرورات التنظيميّة والعرقيّة والعلميّة على السواء إلى قيام خبراء المناهج الدراسية ومنظريها بإلغاء مبدأ المثالية وتبني نظام المنهج المتباين. كما أكدت جمعية التربية الوطنية هذا التحول. ففي عام 1893م، رفضت “لجنة العشرة المرموقة التابعة لوكالة زمالة الكتابة الإبداعية” تطوير منهج مختلف لطلاب المدارس الثانوية. ومع ذلك، فيما يتعلق بالمبادئ الأساسية للتعليم الثانوي (1918م)، اعترفت اللجنة بشأن إعادة تنظيم التعليم الثانوي “بالفروق الفردية في القدرات والامتيازات بين تلاميذ المدارس الثانوية” وأوصت بمنهج يتناسب مع القدرات الفردية والوظيفية.

ولا يزال إرث هذا التحول يواجهنا بمسائل جوهرية تتعلق بقضايا السياسة. فعلى الرغم من استمرار حدوث التمييز، يجب على مطوري المناهج الدراسية أن يكونوا حذرين من المعايير التي يستخدمونها للتمييز بين الأطفال، ويجب عليهم إعادة تقييم القواعد التنظيميّة والعرقيّة والعلميّة بشكل ثابت من أجل منهج متباين. ويؤدي الاهتمام المتزايد بالأطفال واختلافاتهم في بعض الأحيان إلى “إلقاء اللائمة على الضحايا” بسبب فشل المدرسة. ومن خلال نظرية الدونية الإثنية والعرقية لـ ايلوود بي. كابريلي ولويس تيرمان، و نظرية الحرمان الثقافي لـجيمس كولميان، كثيرًا ما يتم انتقاد الطرق التي ترتكز عليها المدرسة بشكل منهجي في عدم المساواة. و بسبب المناهج الدراسية المتباينة والمطالبة الشكلية للتربويين “بتلبية احتياجات الطفل”، فالمنهج الدراسي في بعض الأحيان يفشل في معالجة السؤال الجوهري حول ماهية المعرفة التي ينبغي لنا كمجتمع أن نشترك فيها، ولماذا؟ وبعبارة أخرى، المناهج الدراسية بحاجة إلى مكون اجتماعي يتم الحفاظ عليه اجتماعيًا، فضلاً عن عنصر للتحرر على المستوى الفردي.

المجتمع وتغيير محتوى المناهج:

في محاضرة له عام 1899 م، لاحظ جون ديوي حقيقة واضحة وهي أن: ” حياتنا الاجتماعية مرت بتغيير شامل وجذري. فإذا كان لتعليمنا معنى في الحياة، فيجب أن يمر من خلال تحول كامل وعلى قدم المساواة.”

كما هو مقترح في قسمين سابقين، خضعت المناهج الدراسية إلي تحول إيديولوجي ومنهجي. أما التحول الثالث الذي حدث خلال العصر الحالي فقد أدى إلى توسيع المحتوى. “فهل نحن ماضون إلى أن تتجاهل المدارس العمل العظيم للتعليم فتظل غير مرنة لتدريس المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب؟”
تساءل روبرت روبرتس المصلح الاجتماعي في عام 1904م. حول ما إذا كانت المدرسة ستأخذ على عاتقها المشكلة المتعلقة بجميع حياة الطفل. ومن خلال الإجابة على هذا السؤال المتعلق بالإصلاح أطلق المصلحون في التعليم العنان إلى ازدهار هائل في المناهج الدراسية.

“لا محالة من التوسع حول دور ووظيفة التعليم المدرسي،” لذلك رأى تربويون معاصرون مثل ديوي وروبرت، أنه يجب توجيه المناهج الدراسية نحو تحقيق الأهداف على نطاق واسع وعلمي وأن تستمد من الحياة الواقعية. كما جاء تقرير المبادئ الأساسية في عام 1918م مؤكدًا لهذا التوسع في المناهج الدراسية “تعليم من أجل الحياة”. وكانت الأهداف السبعة على النحو التالي: (أ) الصحة، (ب) قيادة العمليات الأساسية، (ج) العضوية المنزلية المتكافأة، (د) المهنة، (ه) المواطنة، (و) الاستخدام الجيد للترفيه، و (ز) الميثاق الأخلاقي. بجانب هذه الأهداف العريضة، كان هناك القليل في واقع الحياة التي لن يتم مراعاتها كهدف من أهداف المناهج الدراسية.

ومع ذلك، كان الهدف من إعداد الطفل على نحو فردي مدى الحياة مجرد جزء من التبرير لتوسيع نطاق المناهج الدراسية، بسبب أن التربويين نظروا إلى المشكلات الاجتماعية باعتبارها مشكلات تربوية أساسية، وقد كانت المناهج الدراسية الموسعة بمثابة ذراع للإصلاح الاجتماعي. كما اعتقد الإصلاحيون أن للتصنيع على ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل، عمل وحياة منفصلة ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ نقل ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل إﻟﻰ اﻟﻤﺼﻨﻊ؛ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﺪراﺳﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ إدﺧﺎل اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻤﻬﻨﻲ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻪ مؤسسات المجتمع المدني الأخرى. كما يعتقد التربويون أن الحضارة ساهمت في إيجاد بعض الرذائل الاجتماعية مثل المشروبات الكحولية والتدخين، فالمناهج الدراسية إذن بحاجة إلى إدخال دروس توعوية تحذر من أضرار الكحول والتبغ. وأخيرًا، عندما جلبت الهجرة تلك المجموعات الأجنبية  ذات الثقافات المتنوعة، كانت المناهج الدراسية بحاجة إلى تقديم دروس خاصة في اللغة الإنجليزية و لغات أخرى تستعمل في المجتمع الأمريكي.

ترك توسيع نطاق محتوى المناهج، سواء لتعليم “الطفل بأكمله” أو لتقليل المشاكل الاجتماعية، العديد من الموروثات التي لها آثار مهمة في تغيير المناهج الدراسية اليوم.
أولاً، كما يرى هربرت كليبارد، فمن خلال توسيع المناهج “التعليم من أجل الحياة”، قبل مطورو المناهج العلميّة العالم ببساطة كما كان (أو بشكل أدق كما رأوه هم)، ثم افترضوا أن هذا ما كان ينبغي للعالم أن يكون عليه. فعلى سبيل المثال، تؤيد المبادئ الأساسية تدرب الفتيات على التدبير المنزلي بسبب أهميتها للفتاة نفسها وللآخرين ممن يعتمدون عليها في سعادتهم… ومعظم الفتيات اللواتي يدخلن مهنًا مأجورة… يبقين فيها لسنوات قليلة فقط، بعدها تصير المهن المنزلية مهنًا لهم مدى الحياة.

بما أن التعليم من أجل “الحياة” للشباب يظل هدفًا للتعليم العام اليوم، فيجب على مطوري المناهج الدراسية أن يتساءلوا باستمرار حول كيفية رؤيتهم الخاصة للعالم (وكيف يجب أن يكون)، فربما تتناقض مع معتقدات الآخرين أو تتقاطع مع مستقبل الأطفال.
ثانيًا، من خلال الاعتقاد بأن مناهج المدارس دائمة التغيير، كانت تعتبر السبيل لتحقيق كل من التطوير الفردي والإصلاح الاجتماعي، طوّر التربويون المعاصرون نظرة ضيقة ومحددة للمدرسة في المناهج الدراسية. فمثل جون ديوي وفرانكلين بوبييت في الماضي، يُقر مطورو  المناهج الدراسية اليوم بأن لمؤسسات أخرى مناهج خاصة ولكن بعد ذلك تفشل في العثور بجدية عن كيفية تأثير هذه المناهج المختلفة على بعضها البعض. فمعظم الولايات، على سبيل المثال، تفرض على المدارس الحكومية تدريس مخاطر الكحول والمخدرات. ومع ذلك، فإن الإعلانات التلفزيونية والمجلات وبطاقات التهنئة والأغاني الشعبية ومجموعات الأقران والآباء غالبًا ما يخبرون أن تناول المشروبات أمر ممتع ومفيد وممارسة مقبولة. سوف يجد مطورو المناهج الذين يغفلون مثل هذه العلاقات المتداخلة صعوبة في تأسيس دورة قابلة للتطبيق على استخدام الكحول.

ثالثًا، وأخيرًا، أدى الاهتمام الكبير بتوسيع المناهج الدراسية خلال الحقبة الحالية إلى قيام التربويين حينذاك واليوم بالتركيز بشكل أساسي على ما تنقله المدارس، بدلاً من التركيز على ما يتعلمه الأطفال. وعلى الرغم من أنّ معظم التربويين يدركون أن المقصود ليس بالضرورة الشأن الداخلي، فإننا نواصل تكريس اهتمامنا الأساسي على المظاهر الجوهرية لمناهج المدارس بدلاً من كيفية تجربة الأطفال في الواقع للمناهج ذات التنوع والشكل الدائم.
كما أشار لورانس كريمين، أن المؤسسات الدينية والعائلات وقوات الكشافة والتلفزيون ومراكز الرعاية النهارية جميعها لديها مناهج يومية تعليمية وأخرى تؤدي إلى (عدم تعليم) الأطفال. فعملية تطوير المناهج التعليمية من شأنه أن يعد الأطفال لفهم وتقييم هذه المناهج المتباينة – انظر ما يطلق عليهسي. أي. باورز “مناهج من أجل محو أمية ثقافية” – .

إغلاق