اخبار التعليم
في سوريا التعليم عن بعد ترف في زمن الحرب وفيروس كورونا القاتل
داخل قاعة تدريس في شمال غرب سوريا، تشرح دانيال دبيس حصة في الجغرافيا بينما تصورها زميلتها، تمهيداً لإرسال الفيديو إلى طالباتها اللواتي يلازمن منازلهن خشية من وباء كوفيد-19، لكن التعليم عن بعد في زمن الحرب له عقبات كثيرة.
في مدينة إدلب، كما في مناطق أخرى في سوريا أنهكت تسع سنوات من النزاع كل القطاعات، ويبدو التعلم عن بعد ترفاً لا يمكن لكافة الطلاب الحصول عليه لأسباب عدة، على رأسها نقص الإمكانات وتردي خدمات الكهرباء والإنترنت.
في مدرسة للبنات في مدينة إدلب، وأمام لوح أبيض تزيّنه شرائط وبالونات بنفسجية اللّون، ترسم دبيس (42 عاماً) خريطة سوريا وتكتب محاور الشرح الرئيسية قبل أن تبدأ زميلتها بتصويرها عبر هاتف ذكي. وبعد الانتهاء، ترسل المدرّسة مقطع الفيديو إلى طالباتها عبر خدمة الواتساب مع مجموعة أسئلة للإجابة عليها.
وتبدو أروقة المدرسة التي ترتادها قرابة ألف طالبة عادة، خالية ومظلمة بعد تعليق الدروس قبل أسابيع قليلة في إطار التصدي لفيروس كورونا المستجد الذي لم يُعلن رسميا عن أي إصابة به في إدلب حتى الآن، فيما سجلت الحكومة السورية 19 إصابة في مناطق سيطرتها بينها حالتا وفاة. وتخشى منظمات دولية من “كارثة” جديدة في حال تفشي الفيروس في إدلب المكتظة.
وتشرح المدرسة التي تفتقد للتواصل المباشر مع طالباتها لوكالة فرانس برس أن طريقة التعليم الجديدة وإن “لاقت بعض الفائدة، لكن ثمة صعوبات عدّة نواجهها”، على رأسها “عدم توفّر الإنترنت لدى غالبية الطلاب بشكل دائم، إضافة إلى أن شحن الهواتف ليس ممكناً” نظراً لساعات التقنين الطويلة في الكهرباء، أكثر من ذلك، فإن التقنيات الضرورية المطلوبة للتعلم عن بعد، وفق دبيس، “ليست متوفرة عند الطالب كالحاسوب.. ولذلك غالباَ ما يستخدم هاتف والده أو والدته”.
وأدى هذا النقص، بحسب قولها، “إلى انخفاض عدد الطالبات من ألف إلى 650 طالبة”، ورغم العوائق، تثابر دبيس على إعداد الدروس وتصويرها “على أمل أن تكون مجدية” للطلاب وأن “نتخطى هذه الأزمة”.
في منزلها في إدلب، تمضي الطالبة في المرحلة الثانوية نور سرميني (17 عاماً) يومها وهي تعمل على تحميل مقاطع الفيديو والتنقل من مجموعة واتساب إلى أخرى، بعدما استحدثت كل مدرّسة مجموعة خاصة لمادتها. وتقول “عند مصادفتنا مشاكل بسبب الانترنت، تعطينا الآنسة وقتاً حتى نحمّل مقاطع الفيديو وتجيب على كل أسئلتنا”. وبحماس لافت، تشدد نور على “أننا سنفعل أي شي لئلا نبتعد عن العلم”، مضيفة “لا القصف ولا الطيران يمكن أن يوقفنا عن دراستنا”.
ويسري في إدلب ومحيطها وقف لإطلاق النار منذ شهر أوقف هجوماً واسعاً شّنته قوات النظام السوري وتسبب خلال ثلاثة أشهر بنزوح نحو مليون شخص من منازلهم. ولم تسلم المدارس من التصعيد الذي حرم 280 ألف طفل من متابعة دراستهم بعد وقف العملية التعليمية، وفق ما أحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
وبحسب منظمة “سايف ذي تشيلدرن”، فإن أكثر من نصف مدارس إدلب الرسمية البالغ عددها الإجمالي 1062 مدرسة تضررت أو تدمّرت أو موجودة في مناطق يعد وصول الطلاب إليها خطراً. كما يتم استخدام نحو 74 مدرسة أخرى كمراكز إيواء للنازحين. وتضيق مخيمات إدلب بعشرات الآلاف من قاطنيها وبينهم عدد كبير من الأطفال ممن هم في سن الدراسة. ويعيش هؤلاء مع عائلاتهم وسط ظروف إنسانية صعبة.
وفي خيمة تحولت إلى قاعة تدريس في مخيم قرية كفر يحمول في ريف إدلب الشمالي، يشرح المعلم أحمد راتب (29 سنة) درس رياضيات لطلابه بينما يصوره زميله عبر هاتفه الذكي.
ويقول لفرانس برس “اتبعنا أسلوب التدريس عن بعد عبر تطبيقي واتساب وتلغرام حفاظاً على سلامة الطلاب وسلامتنا ومنع التجمعات في المخيم والمدرسة”، مضيفا “نحاول قدر الإمكان ألا نحرم الأطفال من التعليم”، لكن عدداً من طلابه امتنعوا عن متابعة تحصيلهم “جراء عدم توفر هاتف ذكي أو حاسوب محمول لديهم”، خصوصاً القاطنين منهم في المخيم عدا عن عدم توفر الكهرباء لساعات طويلة.
في مناطق سيطرة الحكومة السورية، حيث أُقفلت المؤسسات التعليمية أبوابها منذ منتصف آذار/مارس، تتابع وزارة التربية المنهاج الدراسي عبر قناة تلفزيونية محلية متخصصة تعرض دروساً باللغتين العربية والانكليزية والرياضيات والعلوم للصفوف الأساسية. وبادرت بعض المدارس إلى استكمال التعليم عبر الإنترنت، إلا أن الطلاب يواجهون مشكلة انقطاع الكهرباء مع امتداد ساعات التقنين حتى 14 ساعة يومياً، عدا عن اتباع نظام باقات الإنترنت الذي يحدّد حجم الاستهلاك المُتاح لكل عائلة.
أما في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق)، فتعمل لجنة التعليم كخلية نحل لتصوير حصص دراسية سيتمّ بثها عبر قنوات تلفزيونية محلية وموقع يوتيوب، وفق ما يشرح مسؤول اللجنة نورالدين محمد لوكالة فرانس برس في مدينة القامشلي، ويوضح أن التعليم عن بعد سيدخل حيز التطبيق خلال أيام.
ويقول بندر إسماعيل (35 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال، إن بدء بث حلقات التدريس خطة “تلقى تقديرا”، لكنه يسأل عما إذا كانت الإدارة الذاتية “قادرة على تأمين الكهرباء والإنترنت المناسبين لإنجاح المشروع؟”.
بعد إنهائها شرح درس باللغة الكردية أمام الكاميرا، تقرّ حياة عباس (43 عاماً) أن وجود الطلاب في الصف ذو فائدة أكثر من تلقيهم الشرح عبر الشاشة نظراً للتفاعل، وأكثر ما تخشاه أن “يكون لدى الطلاب أسئلة لا يجدون أجوبتها”.