افكار ومهارات
ما هو التعليم المدمج ؟
بات من الصعب اليوم التخلي عن التكنولوجيا بشكلٍ عام نظراً لما تقّدمه من تسهيلاتِ وفوائد للإنسان على كافة الأصعدة، ومنها التّعليم. هذا وتتنافس المؤسسات التّعليمية فيما بينها على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال ومواكبة التطور الحاصل في عصرنا.
ومنذ ظهور الإنترنت ومع تطوّر طرق تخزين المعلومات واسترجاعها في أي وقت، أصبح من السهل على المعلّمين والمتعلّمين وجميع الأفراد الوصول إلى تلك المعلومات المتاحة على الشّبكة. من هنا، ظهر التّعليم الإلكتروني E-Learning وهو شكل من أشكال التّعليم عن بعد، الذي ألغى الفصول التقليديّة واستبدلها بالفصول الافتراضيّة. ونظراً لعدم القدرة على تقبُّل فكرة التّحول الكلّي من أسلوب التّعليم التقليدي إلى أسلوب التّعلّم الإلكتروني لدى المعلّمين والمحاضرين الجامعيّين واتّهام التّعليم الإلكتروني البحت بالتّسبب بالشّعور بالوحدة والعزلة، ظهر التّعليم المدمج الذي يعتبر واحدة من طرق توظيف التّعليم الإلكتروني في التّدريس.
أولاً- تعريف التعليم المدمج
يُعرف التعليم المدمج بأنه أحد صيغ التّعليم أو التّعلّم التي يندمج فيها التّعلّم الإلكتروني مع التّعلّم الصفي التقليدي في إطار واحد، حيث توظف أدوات التّعلّم الإلكتروني سواء المعتمدة على الكمبيوتر أو على الشبكة في الدروس، مثل معامل الكمبيوتر والصفوف الذكية ويلتقي المعلم مع الطالب وجهاً لوجه معظم الأحيان. (حسن زيتون،2005 :173 (.
كما يعرّف التّعلّم المدمج بأنه التّعلّم الذي يمزج بين خصائص كل من التّعليم الصفي التقليدي والتّعلّم عبر الإنترنت في نموذج متكامل، يستفيد من أقصى التقنيات المتاحة لكل منهما Milheim) ،2006 ).
التّعلّم المدمج هو شكل جديد لبرامج التدريب والتّعلّم يمزج بصورة مناسبة بين التّعلّم الصفي والإلكتروني وفق متطلّبات الموقف التّعليمي، بهدف تحسين تحقيق الأهداف التّعليمية وبأقل تكلفة ممكنة. ( حسين عبد الباسط ،2007. (
ويعرف أيضاً بأنه مقاربات مختارة بعناية وبصفة تكاملية بين التّعلّم وجها لوجه ومن خلال الإنترنت.(Harrisson & Vaugh148:2008)
ويعرف بأنه أي نظام تعليمي رسمي يتلقى من خلاله الطالب تعليمه جزئياً من خلال الإنترنت، مع بعض العناصر التي تتيح للطالب التحكم بالوقت والمكان ومسار ووتيرة التّعلّم. ( Horn and Staker,2015:34).
وانطلاقاً من كلّ ما سبق يمكن تعريف التّعليم المدمج بأنه نوع من التّعلّم الذي يجمع بين التّعليم التقليدي في الفصول التقليديّة وجهاً لوجه والتّعلّم الإلكتروني عن طريق الإنترنت.
ونلاحظ في تعريف هورن وستاكر أنه تم ذكر بعض العناصر الخاصة بالطالب التي تستدعي التوضيح كونها تمكّنه من السيطرة على الوقت والمكان، ومسار و / أو وتيرة التّعلّم:
- الوقت: لم يعد التّعلّم يقتصر على اليوم الدراسي أو السنة الدراسية.
- المكان: لم يعد التّعلّم يقتصر على جدران الفصول الدراسية أو مبنى المؤسّسة التّعليميّة.
- المسار: لم يعد التّعلّم يقتصر على البيداغوجيا التي يستخدمها المعلم، فالبرامج التفاعلية والتكيفية تسمح للطلاب بالتّعلّم بطريقة تتماشى واحتياجاتهم.
- الوتيرة: التّعلّم لم يعد يقتصر على وتيرة واحدة في فصل فيه العديد من الطلاب.
ثانياً- مسمّيات التّعلّم المدمج
تعدّدت مسمّيات هذا النوع من التّعلّم وهي:
- التّعليم المزيج .
- التّعليم الخليط أو المختلط .
- التّعليم المتمازج .
- التّعليم المؤلف.
ثالثاً- متطلّبات التعليم المدمج
يتطلب التّعليم الإلكتروني بشكل عام إحداث تغييرات كثيرة في الفصول التقليديّة. لذا تحتاج المدارس للاستثمار ليس فقط في التكنولوجيا، ولكن أيضاً في التنمية المهنيّة.
المتطلّبات التقنيّة:
1- توافر البنية التحتية واحتياجات المتعلم من مصادر التّعلّم المختلفة.
2- توافر الفصول الافتراضية بجانب الفصول التقليديّة، بحيث يكمل كل منهما الآخر.
3- توافر البرمجيّات الخاصّة بإدارة التّعلّم الإلكتروني.
4- توافر الأدوات والوسائل التي تستخدم في التدريب العملي.
المتطلّبات البشريّة:
أ- المتعلم لديه القدرة على:
1- المشاركة بفاعليّة في العمليّة التّعليميّة.
2- التواصل الإلكتروني أو وجهاً لوجه.
3- التعامل مع تكنولوجيا المعلومات.
4- التعاون والتفاعل مع المعلم ومع زملائه وخاصة في الأوراش التدريبية.
5- تحقيق الأهداف التّعليمية.
6- الحوار والنقاش أثناء المحاضرات.
7- التعامل مع مصادر التّعلّم المختلفة المطبوعة والإلكترونية.
ب- المعلم لديه القدرة على:
1- الاتصال الفعال وجهاً لوجه.
2- التعامل مع تكنولوجيا المعلومات.
3- التفاعل المباشر مع المتعلمين.
4- تصميم الاختبارات وأدوات التقييم المطبوعة والإلكترونية.
5- البحث عن المعلومات في المصادر المطبوعة وغير المطبوعة.
6- التحول من التّعليم التقليدي إلى التّعليم الإلكتروني.
7- تقديم التغذية الراجعة المباشرة للمتعلم.
وغالبا ما يتم تسهيل بيئة التّعلّم عبر الإنترنت من خلال أنظمة إدارة التّعلم Learning management system.
رابعاً: محتويات نظام إدارة التّعلم
وهي بصفة خاصّة أدوات الاتصال وأساليب التقويم التي تخدم التّعلم المدمج.
1- وسائل الاتصال: Communication Tools
تحت هذا العنوان، توجد مجموعة من الأدوات الفرعيّة التّالية:
أ-البريد الإلكتروني: تتيح هذه الأداة للطلبة والمُتعلمين المسجلين داخل المقرر وأستاذ المقرر إرسال واستقبال الرسائل البريدية فيما بينهم، حيث إنها تتضمن نفس المميزات المتواجدة في أي بريد إلكتروني آخر. و من الأمور المهمة التي توفرها هذه الأداة: إرسال استفسارات للطلبة، ثم إضافة التكليفات التي يجب على المتعلم إرسالها عبر البريد الإلكتروني.
ب- أداة المناقشة ( Discussion Tool ): تتيح أداة المناقشة للطلبة المسجلين في المقرر تبادل وجهات النظر في المواضيع المرتبطة بالمقرر، ولهذه الأداة دور كبير في بيئة التّعلّم الافتراضيّة حيث إنها تعوض الحضور الاجتماعي للطلبة والذي يوجد في الفصول التقليديّة. تتيح هذه الأداة النقاش حول أفكار مرتبطة بموضوع الدرس ومناقشة إجابات المُتعلمين عن تكليف معين و طرح آرائهم في مواضيع مختلفة وعرض الواجبات وعرض مراجع مفيدة ترتبط بالمقرر.
نذكر أن التواصل قد يكون متزامناً أو غير متزامنٍ:
– التواصل المتزامن وهو أي نوع من الاتصالات التي تجري في الوقت الحقيقي، ولا تتطلب دائماً نظام إدارة التّعلّم، و مثال ذلك: الفصول الافتراضيّة والمؤتمرات عبر الفيديو وغرف المحادثة.
– أمّا في التّواصل غير المتزامن فيكون التّعليم فيها غير مباشر. وغالباً ما يسهل ذلك من خلال البريد الإلكتروني ومجموعة المناقشات داخل نظام إدارة التّعلّم.
وتجدر الإشارة إلى أنه يتم تقسيم الدّروس عادة إلى وحدات، غير أنه لا يتم العثور على جميع متطلّبات المواد على الإنترنت. فيكون جزء من بعض المواد فقط موجوداً على الإنترنت والجزء الآخر اللازم لاستكمال المحتوى موجود في الكتب المدرسية أو في أيّ مرجع آخر.
2- التقويم
يعرّف جان ماري دوكاتيل التقويم بأنه عملية جمع معلومات دقيقة ما أمكن وشاملة ما أمكن، يليه تحليل هذه المعلومات من أجل اتخاذ قرار أو حكم. ويتطلب التقويم وضع المتعلم في وضعية معينة للتأكد من حصول التّعلّم وبالتالي قياسه من شبكة قياس مؤلّفة من مجموعة من العناصر التّعلّميّة المحدّدة سلفاً والتي توضح الأداء.
وفيما يلي تصميم لتقويم التّعليم المدمج والتّعليم الإلكتروني، وفقا لِسُلَّم بلوم المراجع، بالإضافة إلى شموله على أنشطة التقويم الممكنة والمحكات التي ستساعد على الحكم على جودة أداء المتعلم.
خامساً- أنماط التعليم المدمج
يتم توظيف التّعليم المدمج في العملية التّعليمية وفقاً للأنماط التالية وذلك بحسب Christensen Institute:
1- التناوب Rotation
في هذا النّوع من التّعلّم يتشارك التّعليم الصفي والتّعليم الإلكتروني بشكل تبادلي في تقديم الدرس الواحد أو المادّة الواحدة.
أ- التناوب المتمركز: يشار إليه أيضا باسم الدوران في الصف، ويتم من خلال تناوب الطلاب ضمن الدرس الواحد أو المادة الواحدة وفق جدول محدد أو بناءً على توجيه المعلم بين التّعليم الصفي والتعليم الإلكتروني مرة واحدة على الأقل. ويتم ذلك كله في الفصل الواحد دون تنقل الطلاب من مكان إلى آخر. وقد يُنفّذ من خلال تقسيم الطلاب إلى مجموعات بعضها يتلقى تعليمه من خلال توجيهات المعلم أو العمل الجماعي، في حين تتلقى مجموعة أخرى تعليمها عبر الإنترنت ومن ثم تتناوب المجموعات فيما بينها.
ب- التناوب المعاملي: يتناوب الطلاب ضمن الدرس الواحد أو المادة الواحدة وفق جدول محدد أو بناءً على توجيه المعلم بين التّعليم الصفي والتعليم الإلكتروني، ولكن من خلال تنقّل الطلاب من الصف إلى مختبرات الحاسوب في المبنى التّعليمي.
ج- التناوب الذاتي: يتناوب الطلاب ضمن الدرس الواحد أو المادة الواحدة وفق جدول محدد أو بناء على توجيه المعلم بين التّعليم الصفي والتعليم الإلكتروني، و يكون الجدول مُحدداً لكل طالب على حدة، تقوم بوضعه المعلمة وذلك حسب تقديرها لما يناسب كل متعلم، أو باستخدام برنامج يتيح هذا التقسيم.
د- الصف المعكوس: يتناوب الطلاب ضمن الدرس الواحد أو المادة الواحدة وفق جدول محدد أو بناء على توجيه المعلم بين التّعليم الصفي وجهاً لوجه في حرم المؤسّسة التّعليمية خلال اليوم الدراسي والتعليم الإلكتروني عبر تسليم المحتوى التّعليمي الذي يُقدم غالبا على شكل مقاطع فيديو في نفس الموضوع المناقش في الفصل أو استكمالا له من خلال الإنترنت بعد دوام المدرسة، فيطّلع الطلاب عليه وقتما يريدون وفي أي مكان يختارونه ومن ثم يناقشونه ويستخدمون محتواه على شكل نشاطات تعلّميّة في وقت آخر داخل الفصل.
2- المرن Flex model
في هذا النّمط يتشارك التّعليم الصّفّي والتّعليم الإلكتروني تبادلياً في تعليم المادة الواحدة وفق جدول زمني محدد، غير أن التركيز الأكبر يكون على التّعليم الإلكتروني. وأثناء التّعلّم داخل الفصل، يقدم المعلم الدعم وجهاً لوجه للطلاب فقط عند طلبهم، ويتم ذلك من خلال الأنشطة مثل تعليم المجموعات الصغيرة والمشاريع الجماعية أو الدروس الفردية.
3- حسب الطلب À la carte
يتلقى الطالب تعليمه لمادة أو أكثر إلكترونيا وبشكل كامل بمساعدة معلّم على الإنترنت تابع للمؤسسة التّعليمية التي ينتمي إليها الطالب، وفي الوقت نفسه يستمر في الحصول على الخبرات التّعليمية في حرم المؤسسة في مواد أخرى. ويمكن للطالب أن يتعلم المادة إلكترونياً داخل المؤسسة أو خارجها.
4- التّعلّم الافتراضي المكثّف Enriched virtual model
وهي تجربة مدرسية بأكملها في كل مادة من المواد (على سبيل المثال، الرياضيات)، فيقسم الطلاب وقتهم بين الحضور إلى المؤسسة التّعليمية والتّعلّم عن بعد باستخدام الإنترنت حيث يجدون المحتوى التّعليمي. وعادة ما يبدأ نمط التّعلّم الافتراضي المكثّف بدوام تعلّم كامل على الإنترنت ثم توضع برامج مدمجة لتزويد الطلاب بتجربة التّعلّم ضمن المؤسسة التّعليمية.
سادساً- خطوات يمكن للمعلّم اتّبعاها لدعم تعلّم الطلاب في التّعليم المدمج
1- فهم التكنولوجيا التي سيستخدمها الطّلاب.
2- التخطيط بعناية للأنشطة.
3- تعزيز التّعلّم والتحقق من الفهم.
4- تعليم الطلاب المهارات ما وراء المعرفية والتنظيم الذاتي.
5- جعل التّعلّم ذا صلة.
6- مراقبة البيانات.
7- تقديم ردود فعل إيجابية للطّلاب والاحتفال بالنجاح.
8- تشجيع المناقشة على الإنترنت.
سابعاً- مميزات التّعلّم المدمج
يرى كل من ( Charles et al ,2004). ، و ( حسن علي حسن سلامة،2005)،و( Krause, 2007) أن مزايا التّعلّم المدمج تتمثّل فيما يلي:
- خفض نفقات التّعلّم بشكل كبير بالمقارنة مع التّعلّم الإلكتروني وحده.
- توفير الاتصال وجها لوجه؛ مما يزيد من التفاعل بين الطالب و المدرب، وبين الطلاب نفسهم، و بين الطلاب والمحتوى.
- تعزيز الجوانب الإنسانية والعلاقات الاجتماعية بين المتعلمين فيما بينهم وبين المعلمين أيضاً.
- المرونة الكافية لمقابلة كافّة الاحتياجات الفرديّة وأنماط التّعلّم لدى المتعلمين باختلاف مستوياتهم وأعمارهم وأوقاتهم.
- الاستفادة من التقدم التكنولوجي في التصميم والتنفيذ والاستخدام.
- إثراء المعرفة الإنسانية ورفع جودة العملية التّعليمية ومن ثم جودة المنتج التّعليمي وكفاءة المعلمين.
- التواصل الحضاري بين مختلف الثقافات للاستفادة والإفادة من كل ما هو جديد في العلوم.
- كثير من الموضوعات العلمية يصعب للغاية تدريسها إلكترونياً بالكامل، وبصفة خاصة المهارات العالية واستخدام التّعلّم الخليط يمثل أحد الحلول المقترحة لحل مثل تلك المشكلات.
- الانتقال من التّعلّم الجماعي إلى التّعلّم المتمركز حول الطلاب، والذي يصبح فيه الطلاب نشيطين ومتفاعلين.
- يعمل على تكامل نظم التقويم التكويني والنهائي للطّلاب والمعلّمين.
- يُثري خبرة المتعلّم ونتائج التّعلّم، ويحسّن من فرص التّعلّم الرسمية وغير الرسمية.
- يوفر المرونة من حيث التنفيذ على مستوى البرنامج، وتدعيم التوجهات الاستراتيجية المؤسّسية الحاليّة في التّعلّم والتّعليم، بما في ذلك فرص تعزيز التخصّصات، وتدويل المناهج الدراسية.
ثامناً- معوقات التّعلّم المدمج
لا يخلو نمط التّعلّم المدمج من بعض المشكلات والمعوقات في تطبيقه، ومنها:
- نقص الخبرة الكافية لدى بعض الطلاب أو المتدربين في التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والشبكات وهذا يمثل أهم عوائق التّعلّم الإلكتروني.
- عدم تكافؤ الأجهزة الموجودة لدى المتعلمين أو المتدربين في منازلهم أو في أي أماكن التدريب التي يدرسون بها، واختلافها من حيث القدرة والسرعة والتجهيزات وصلاحية المحتوى المنهجي للمساق.
- نقص في الأطر (الكوادر) المؤهلة لهذا النوع من التّعلّم والافتقار إلى النماذج العلمية المدروسة لدمج التّعلّم التقليدي بالتّعلّم الإلكتروني.