مفاهيم

نحو اتجاهات معاصرة في التعليم ”مدن التعلم“

بدعوة خاصة من اليونسكو، حضرت تدريبا لمدة شهر كامل بالمقر الرئيسي لمعهد التعليم المستمر التابع لليونسكو UNESCO Institute for lifelong learning  في مدينة هامبورج بألمانيا، وكان ذلك شهر يونيو 2016. و كنت خلاله المرشحة العربية الوحيدة في هذا العام، والمرشحة الوحيدة على مستوى مصر التي تحصلت على مثل هذا النوع من التدريب في تخصص ” مدن التعلم “. وقد سبقت هذه الدعوة، استضافة أخرى من اليونسكو لحضور المؤتمر الأول عن مدن التعلم عام 2013 في بيكين بالصين، وتشرفت بأن أكون في لجنة الصياغة.

وقد شمل هذا التدريب، دراسة كيفية بناء مدن تعليمية، بداية من مرحلة التخطيط، حتى التنفيذ والمتابعة، وبناء علاقات شراكة مع مؤسسات الدولة الحكومية، والأهلية، والقطاع الخاص، والمتطوعين، والمؤسسات الدولية المهتمة بالتعليم، وفي مقدمتها اليونسكو. وكان من متطلبات هذا التدريب، وضع خطة لتنفيذ مدينة تعليمية في مصر، وبالفعل وُضعت خطة لكيفية تطبيق هذا النموذج التعليمي الفريد في مصر. ومن العوامل التي ساهمت في أن تكون هذه الخطة قابلة للتنفيذ الفعلي، هو قبول محافظة الجيزة كعضو في شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلم. وجدير بالذكر أن هذه التجربة مطبقة في أكثر من 100 مدينة على مستوى العالم الغربي، ولم تنتشر في العالم العربي، سوى محاولات بسيطة في مدينة عمان بالأردن، ونطمح أن تكون مصر من أولى الدول العربية التي سينطلق فيها هذا المشروع المُثمر.

وتقوم فكرة مدن التعلم على خلق مجتمع تعليمي بكل عناصره، فيصبح كل شخص مصدرًا للتعلم والمعرفة، ليتيح الفرصة لاكتساب معارف جديدة في كل لحظة، وفي الوقت الذي يكتسب فيه الفرد معرفة ما، يكون مصدر تعلم للآخر بما لديه من معارف وخبرات. ويمتد هنا مفهوم التعلم ليكون أعم وأشمل من التعليم، فالتعليم يقتصر على المؤسسات التعليمية، النظامية منها وغير النظامية، ليجتاز الفرد مراحل دراسية متخصصة. بينما التعلم يهتم بالمعارف والمعلومات والمهارات الحياتية والخبرات التي تؤهله ليكون فردا مُنتجا في المجتمع، منتجا للمعرفة بكافة أشكالها ومجالاتها، وللثقافة والعلوم، والتي يمكن ترجمتها إلى خبرات علمية وعملية، تتناقلها الأجيال وعلى كافة المستويات.

هذا النموذج يقدم فهما جديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لجميع أشكال التعلم رسميا كان أو غير رسمي، للناس من جميع الأعمار، وفي جميع القطاعات والمجالات المهتمة بالأسرة والمجتمع والعمل. ومن أولوياته توفير تعليم ممتاز، ونظم للتدريب على جميع المستويات، وتوفير معلومات لتمكين المواطنين من الحد الأقصى لفرص التعلم، وتنمية وتدعيم رأس المال الاجتماعي من خلال الشراكات والشبكات.

ومن مزايا مدن التعلم :

  • زيادة الوعي بوجود مجموعة كبيرة متنوعة من فرص التعلم في جميع المناطق.
  • تشجيع كل من يفكر في التعلم بطرق مختلفة، سواء للحصول على شهادة دراسية أو لتحسين ظروف العيش.
  • إتاحة الفرصة للمشاركين لعرض إنجازاتهم بالوسائل المختلفة.
  • تشجيع تطوير ثقافة التعلم مدى الحياة في المدينة.

ماذا نفعل لبناء مدن التعلم ؟

في البداية يجب أن يتسم نمط أفكارنا بالمرونة و الرغبة والجدية في التغيير والتعلم، مما يتيح الفرصة لتحمل العقبات ووضع الخطط والبدائل لتخطيها. فالرغبة الجادة في التغيير للأفضل، و خلق مجتمع تعليمي وتثقيفي، هي حجر الأساس. فمن أهم المبادئ التي يستند إليها المشروع هو أن يتعلم المجتمع كيف يتغير، وأن يغير ما لديه ليتعلم، ويشرك جميع أعضائه في العملية التعليمية.
وتبدأ الخطوات التنفيذية للمشروع بتطوير شبكة فعالة من المؤسسات والاتحادات والائتلافات المتميزة فكريًا، ووضع برامج تهدف إلى تعزيز إدماج المؤسسات المبتدئة والفئات المستبعدة. وحشد أصحاب المصلحة الحاليين ( المتعلمين، ومقدمي الخدمات، والمدارس، والمجتمعات المحلية، أولياء الأمور…) للعمل معًا من أجل تنفيذ السياسات التي تهدف إلى زيادة التكامل والتعاون والتواصل بين أصحاب المصلحة من خلال تبادل البيانات والشبكات والأنشطة المشتركة. وتدريب المعلمين والمستشارين في مدن التعلم لمساعدة الناس على وضع خطط التعلم الشخصية، أي تحسين خدمات الدعم التعليمي للجميع. وتطوير استراتيجيات لتعليم المتسربين من الدراسة، وتلبية احتياجات الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وزيادة التركيز على الرياضة والترفيه في كافة المراحل التعليمية.
إن الحديث عن مدن التعلم وما تحمله من أفكار جديدة وجدية تتسم بالعمق والبساطة، وقدرة فائقة على إحداث تغيير ملموس يتطلب سلسلة من المقالات واللقاءات. ويمكننا إجمال الفكرة الرئيسة لمدن التعلم في كونها فرصة لجعل الخدمات التعليمية متاحة أكثر، وتعظيم مشاركة المواطنين في هذه الفرص، عبر حشد وتنظيم كافة الموارد من أجل مدى الحياة.

إغلاق