التعليم عن بعد

البحث الإيجابي، استعراض المنهج والمبادئ والتطبيقات

البحث الإيجابي آلية لإحداث التغيير، تستمد أصولها التكوينية من مبادئ علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم ما وراء الطبيعة metaphysics. و عادة ما يوصف البحث الإيجابي بأنه طريقة للعيش و العمل. فهو منظور يمكننا من النظر إلى أنفسنا والعالم حولنا نظرة استحسان و تثمين و تقييم. فقد أدرك الباحثون أن طريقة استخدامنا للغة و طريقة طرحنا للأسئلة و نوع القصص التي نرويها جميعها تقوم بتقرير مصائرنا و مصائر الآخرين من حولنا.

1- تعريف البحث الإيجابي ؟

البحث الإيجابي إذن هو البحث التعاوني التطويري عن أفضل ما في الناس و ما في مؤسساتهم و العالم من حولهم. إنه يتضمن فن طرح الأسئلة التي تدعم قدرات النظام على فهم الواقع والتنبؤ بالمستقبل واستنهاض الهمم. و هو يركز على تسريع الخيال والابتكار. فبدلا من البحث الروتيني الذي يركز على السلبيات و نقدها ، نجد البحث الإيجابي يركز على الإيجابيات وتفعيلها عبر أربع خطوات هي: الكشف و الحلم و الخطة و الالتزام.

2- التغيير في المؤسسة

البحث الإيجابي طريقة مؤكدة لإحداث التغيير في المؤسسة عند غرسه في المكون البشري والتنظيمي. حيث يقوم البحث الإيجابي -بفضل استراتيجياته الإحيائية- بتعبئة طاقات المكون البشري و دفعهم باتجاه أكثر ما يرغبون فيه. فالبحث الإيجابي يجعل الأفراد في المؤسسة يركزون على الموجود فعلا من القدرات والنجاحات ونقاط القوة، ثم بناء عليه يجعلهم يتصورون شكل المستقبل الذي يرغبون في تحقيقه. فبالتعاون التام بين الناس في المؤسسة تتم عمليات التعرف على الفرص وتصميم المشاريع والنشاطات والالتزام بها.
وعموما، يعتمد البحث الإيجابي على فكرة أن أي نظام فيه شيء ما يسير على خير ما يرام و يساهم في حيوية وفعالية ونجاح ذلك النظام، و يربط ربطا حسنا بين أصحاب المصلحة في النظام والمجتمع الخارجي. وباستخدام منظور البحث الإيجابي هذا يمكننا إحداث التغيير الإيجابي المستدام المؤدي للرفاه و الازدهار.

3- ثقافة المؤسسة

ثقافة المؤسسة نِتاج عمل تشاركي للمكون البشري فيها عبر الكلام والقصص والممارسات والعلاقات. ويلعب نوع و نبرة الكلام والعلاقات والقصص الدور الحاسم في جعل الثقافة انسجامية وإبداعية وفعالة أو عدائية ومثبطة ومدمرة، أو حتى مسخا بلا هوية.
فالثقافة يمكنها أن تدعم الاندماج والشمول أو الإقصاء والإبعاد، و يمكنها أيضا أن ترفع الناس إلى الأعلى أو تطيح بهم إلى الأسفل، برفع الروح المعنوية أو خفضها. لهذا فالبحث الإيجابي هو التوجيه المنظم الذي يسعى لرفع طموحات الناس إلى أعلى مستوى.

4- القدرة على التخيل

تعد القدرة على التخيل إحدى أعظم المكونات الفطرية للبشر. فبإمكاننا أن نتخيل الأفضل، كما بإمكاننا أن نتخيل الأسوأ. و في نفس السياق، يقول آينشتاين: ″الخيال هو كل شيء. إنه استعراض لمحفزات الحياة القادمة″. والبحث الإيجابي -باعتباره عملية تغيير تتمحور حول الحياة- يركز اهتمامه على أفضل ما فينا لا أسوأ ما فينا، و على قوتنا لا ضعفنا، و على التفكير في الممكن لا التفكير في المشاكل، لأن تنمية القدرة على استخدام قوة الخيال و الأحلام تؤثر في مصيرنا كأفراد أو جماعات.

5- تنمية نقاط القوى

مما لا يكاد يختلف عليه اثنان أن مقولة ″أن نبدأ بالتغلب على نقاط الضعف أولا″ معمول بها على نحو يومي في معظم بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا و في أماكن العمل والعبادة. تتطبعنا بسبب هذه المقولة على أن نركز على الأشياء التي تحتاج إلى إصلاح و معالجة أولا. لدرجة أصبح أول ما ننتبه إليه –في غالبا الأحيان- هو السلوكيات و العمليات والقرارات الضعيفة أو التي فيها مشاكل. و بالمقابل، فإن السلوكيات والأفكار والمشاعر والقرارات والعمليات الجيدة والناجحة لا ننتبه إليها و لا نستثمر فيها.
إننا نبدد الطاقة والمال والوقت والتفكير والعاطفة في الأشياء التي لم تنجح معنا، بدل أن نستثمر تلك الطاقات في الأشياء التي نجحت و نفعت والتي يمكنها أن تُعطينا عائدا مضاعفا و سهلا.
لهذا يحاول البحث الإيجابي أن يقلب الاتجاه و يجعلنا نستثمر في النجاحات والإيجابيات، فنختصر المسافة و الجهد نحو تحقيق ما تتطلع إليه المؤسسة.

6- خطوات البحث الإيجابي

يتكون البحث الإيجابي من أربع خطوات هي: الكشف والحلم والخطة والالتزام.
الخطوة الأولى: الاكتشاف، و يقصد بها الكشف عن التجارب الناجحة عميقة الأثر وتحديد نقاط القوة والإمكانات التي تصب جميعها في مركز الإيجابية.
الخطوة الثانية: الحلم، و يقصد بها أن يتصور الناس، بشكل جماعي، الحلم الجميل باستخدام الخيال و يتصورون شكل كل ما هو ممكن.
الخطوة الثالثة: الخطة، وضع خطة عملية لتحقيق الحلم بتحديد ما يجب القيام به.
الخطوة الرابعة: الالتزام، و يقصد به الالتزام بالتقصي والتعلم والابتكار ومتابعة النتائج من قبل كل أفراد المؤسسة.
7- مركز الإيجابية
يمثل مركز الإيجابية مجموع نقاط القوة والإمكانات والأسس المشتركة للأعضاء و للمؤسسة التي تم تحديدها في اجتماعات مرحلة الكشف. مركز الإيجابية هو المكون لمرحلة الحلم و به يبني أعضاء المؤسسة نقاط القوة المشتركة بينهم.

8- أسئلة البحث الإيجابي

البحث الإيجابي هو فن طرح الأسئلة الإيجابية غير المشروطة، و ذلك بغرض تقوية قدرة النظام على التنبؤ ودعم الإمكانات الإيجابية.
وعمما، البحث الإيجابي يؤكد على أهمية صياغة الأسئلة الإيجابية التي يمكن وصفها بالآتي:
– أسئلتنا تحدد النتائج التي نتوصل إليها.
– كلما كانت الأسئلة أكثر إيجابية كلما كانت الإمكانات أكثر تحققا.
– أسئلتنا تخلق الحركة والتغيير.
– الأسئلة هي التي تؤسس العالم الذي نعيش فيه.

وهذه نماذج للأسئلة الإيجابية

• ما هي التجربة التي تمثل قصة نجاحك الأكبر؟
• ما هي العوامل التي دعمت أو صنعت نجاحاتك الكبرى؟
• ما الذي ستحرص على بقائه لتعزيز الجودة و النجاح؟
• ما الذي يمكنك القيام به للتوجه نحو مزيد من النجاح؟
• ما هي الأمور التي لم تعد مفيدة أو داعمة للنجاح و يمكنك التخلي عنها؟
• ما هي الإجراءات التي يتوجب عليك القيام بها قبل القيام بعملية الانطلاقة الكبرى.

9- بعض تطبيقات البحث الإيجابي

يمكن تطبيق البحث الإيجابي في عدة سياقات، باعتباره يقوم على التعاون الذي يجعل المتعاونين يكتسبون أفضل ما في سياق معين، ولهذا تم اعتماده على نطاق واسع في مجالات التدريب.
يولّد البحث الإيجابي الحوار بين الناس بغض النظر عن العمر أو الثقافة. ومنه متى كانت الرغبة عارمة لإنشاء علاقات صحية و منتجة أو للوصول لنتائج مستدامة، و متى كانت الرغبة عارمة لإسماع كل الأصوات الداعمة للعلاقات الصحية والمبنية على الثقة وسط بيئة تعددية شديدة التعقيد ودائمة النمو كان تطبيق البحث الإيجابي مساعدا على تحقيق تلك الأهداف.

أما تطبيقات البحث الإيجابي فيمكن أن تشمل محاور مثل:
• المجتمعات المحلية.
• التعليم.
• الرعاية الصحية.
• الأعمال الصغيرة.
• المؤسسات العالمية.
• الأسر.
• الأفراد.

إغلاق