تربية

تعليم جديد يحاور البروفسور سليم المصمودي، أستاذ علم النفس المعرفي

يعتبر علم النفس المعرفي من أهم العلوم ذات الصلة الوثيقة بالعملية التعليمية ـ التعلمية ، و التي تهتم بالنشاط المعرفي للإنسان و تغوص في العوالم الخفية للسلوك ، بحثا عن تفسير علمي لهذا الأخير . و لعل علم النفس المعرفي من العلوم التي شهدت طفرة علمية كبيرة في السنوات الأخيرة ، حيث ازداد إقبال الطلبة على هذا التخصص ، كما تطور عدد المؤلفات و الأبحاث العلمية المنشورة ، والدوريات العلمية المتخصصة ، و برز عدد من العلماء و المتخصصين العرب في هذا المجال ، و الذين كان لموقع تعليم جديد شرف لقاء أحدهم على هامش مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم المقام مؤخرا بالدوحة .

في هذا المقال سنأخذكم في رحلة علمية شيقة لتتعرفوا معنا على البروفسور سليم المصمودي ، أستاذ علم النفس المعرفي ، و أحد أبرز الباحثين في هذا المجال العلمي الواعد ، حيث سيطلعنا البروفسور على دواعي اختياره لهذا التخصص ، كما سيشرح العلاقة الكائنة بين علم النفس المعرفي و الإبداع و الابتكار ، ليختم حواره معنا بالحديث عن إدماج التكنولوجيا الحديثة في الممارسة التعليمية ـ التعلمية من وجهة نظر علم النفس المعرفي .

نترككم مع هذا الحوار العلمي الشيق ، و الذي نرجو أن تستفيدوا منه و تفيدوا غيركم عن طريق نشره على وسائل التواصل الاجتماعي .

تعليم جديد : الأستاذ سليم المصمودي ، مرحبا بك في موقع تعليم جديد ، أولا هل يمكنكم أن تعرفونا بنفسكم بروفسور ؟

البروفسور سليم المصمودي: أنا البروفسور سليم المصمودي ، باحث و دكتور في علم النفس المعرفي و العلوم المعرفية في جامعة تونس ، حاصل على الدكتوراه في علم النفس المعرفي من جامعة Lumière, Lyon 2  بفرنسا ، أقوم ببحوث حول التفاعل و الاندماج بين المعرفة و الوجدان و الدافعية ، و في إطار هذا البحث أقوم بعدة تطبيقات في مجال الرياضيات و القراءة والتعليم ما قبل المدرسي أو التعليم الأولي ، إلى غير ذلك من التطبيقات . أنا أيضا نائب العميد و مدير التربصات بكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس ، و مؤسس المؤتمر العالمي حول المعرفة و الوجدان و الدافعية الذي سيقام في دورته الثالثة من 4 إلى 7 نوفمبر 2015 بتونس .

تعليم جديد : بروفسور سليم ، ما الذي دفع سيادتكم لاختيار تخصص علم النفس المعرفي ؟

البروفسور سليم المصمودي : كان هذا التخصص نادرا في الزمن الذي اخترته فيه ، سواء خلال تحضير الإجازة سنة 1992  في تونس ، أو كذلك خلال تحضير الدكتوراه بفرنسا سنة 1994 . ما الذي دفعني لاختيار هذا التخصص ؟ كنت في السنوات الأولى للدراسة من ضمن التلاميذ النجباء في الرياضيات و العلوم ، و التساؤل الأول الذي كان يراودني حينها هو : كيف توصلت إلى أن أصبح بارعا في الرياضيات و العلوم ؟ أو بالأحرى : كيف توصل الآخرون مثلي لأن يكونوا بارعين في هذا المجال ؟ و لماذا يجد الآخرون بعض الصعوبات في تعلم هذه المواد؟ أما التساؤل الثاني : فإلى جانب مادتي الرياضيات و العلوم ، كنت أحب أيضا المواد الأدبية ، مما جعلني أتساءل عن ماهية الذكاء ، عن سر الذكاء ، عن القدرات المتعلقة بحل المشكلات ، عن كيفية حل المشكلات و الآليات و العمليات المرتبطة بها . و عندما كنت أقوم بحل التمارين كنت دائما أتساءل : ما الذي يجعلني أجد هذا الحل ، أو أجد صعوبة في الوصول إلى الحل؟ و كنت دائما أبحث عن ما وراء السلوك ، و بعد اختياري لهذا التخصص تأكدت فعلا أن هناك الكثير من العمليات الذهنية التي نقوم بها خلال هذه الأنشطة ، فبدأت أبحث عن المعارف التي نكتسبها ، عن الآليات التي تمكننا من اكتساب هذه المعارف ، و عن كيفية تحول هذه المعرفة إلى أداء و سلوك فعال . و هكذا بدأت تخصصي بتساؤل شخصي ، و هذا التساؤل هو الذي دفعني لاختيار علم النفس ، حيث كان من الممكن اختيار مجال علمي آخر ، كمجال الإلكترونيات مثلا ، لكنني اخترت مجال علم النفس ، و كان اختيارا مقلقا في الحقيقة حتى للعائلة. بعد ذلك قمت بعدة تربصات في مجال علم النفس الإكلينيكي ، لكنني لم أتعلق بهذا المجال ، و كان التساؤل الذي تحدثت عنه آنفا يدفعني لعلم النفس المعرفي . و من بين الدكاترة الذين تتلمذت على أيديهم ، كان هناك دكتور يطبق طريقة في العلاج تسمى الطريقة المعرفية السلوكية ، لكن ما لفت انتباهي لم يكن العلاج النفسي في حد ذاته ، ولم يكن الطريقة المعرفية و لا الطريقة السلوكية ، و لكن ما شغلني هو الدخول إلى المعرفة و التوغل في الآليات الذهنية التي تنتج الفكرة و التي تترجم الفكرة إلى سلوك . و هكذا تركت نهائيا علم النفس الإكلينيكي متوجها إلى علم النفس المعرفي ، و منذ ذلك الوقت بدأت مغامرتي في هذا التخصص الذي يعتبر مجالا مركزيا في علم النفس ، بل في العلوم المعرفية ككل ، باعتباره العلم الذي يقود التساؤلات و البحوث في هذا المجال ، لكونه يكشف ما وراء السلوك و يفسر هذا الأخير بالرجوع إلى الآليات الذهنية ، بالرجوع إلى العلاقة بين المعرفة و الإدراك ، بين المعرفة و أخذ القرار … و يهتم خاصة بالتواصل بين هذه الآليات . و للإشارة ، فعلم النفس المعرفي قد شهد تطورا كبيرا في حيز قصير من الزمن ، هذا التطور مكن الباحثين الآن من التوصل إلى تساؤلات جديدة ، حيث كان علم النفس المعرفي في أول تاريخه يتساءل عن الآليات ، ثم قادت البحوث إلى التعرف على هذه الآليات واحدة تلو الأخرى بطريقة منفصلة ، ليكتشف الباحثون أخيرا أن السلوك لا يمكن أن يفسر بفصل آلياته عن بعضها ، فأنا عندما أقوم بحل تمرين حسابي مثلا ، فأنا لا أستعمل قدرتي على اتخاذ القرار فقط ، بل أستعمل كذلك مهاراتي الوجدانية ، و أيضا مهاراتي الدافعية ، و التي تجعلني أقوم بهذا التمرين أو أرفض القيام به.

تعليم جديد: هذا قريب جدا مما دعا إليه أنصار النظرية الجشطالتية ؟

البروفسور سليم المصمودي : نوعا ما ، فالنظرية الجشطالتية نظرية وصفية بينما علم النفس المعرفي علم تجريبي ، و هذا الأمر هو ما خلق العلاقة بيني و بين هذا المجال ، لأن هذا العلم و عكس ما يتصوره البعض ، علم تجريبي يكشف ما وراء السلوك ، فالطفل مثلا عندما يقوم بحل مشكل ، فإنه طبعا يستعمل قدراته على حل المشكلات ، لكنه إلى جانب ذلك يستعمل أيضا وجدانه ، لهذا وجب اتباع مناهج تجريبية مدققة  ، و المنهج المتبع الآن في العلوم المعرفية هو منهج متعدد الوجوه يشمل إلى جانب المنهج التجريبي ، المنهج الوصفي القائم على الدراسات الإحصائية . تنبغي الإشارة أيضا في هذا الصدد إلى أن علم النفس المعرفي قد دخل في صلب العلوم المعرفية التي تشمل بالإضافة إليه : الذكاء الاصطناعي و العلوم العصبية المعرفية ، و هذه العلوم يتم التعامل معها في العالم المتقدم كعلم واحد ، و ما يشغل الباحثين الآن هو أنه لا يمكن تفسير أو تغيير السلوك إلا بكشف آلياته ، لكن ليس بطريقة منفصلة بل بطريقة إدماجية ، توصلنا إلى أبعد من ذلك : لا يمكن تفسير السلوك إلا بإدماج الوجدان و الدافعية ، و هو ما دفعني إلى اختيار هذا المجال الآخر في البحوث ، محاولا الإجابة عن التساؤل : كيف يمكن أن نفسر و نغير السلوك انطلاقا من دراسة الاندماج الحاصل بين المعرفة و الوجدان و الدافعية ؟

تعليم جديد: نشكركم بروفسور على هذه الرحلة الرائعة التي رافقتمونا خلالها للتعرف على حكايتكم مع هذا التخصص . السؤال الثاني الذي يكتسي أهمية بالغة لنا كموقع الكتروني متخصص في تكنولوجيا و تقنيات التعليم هو : كيف يمكن لعلم النفس المعرفي أن يساهم في تشجيع الإبداع و الابتكار في التعليم ؟

البروفسور سليم المصمودي : سؤال ممتاز ، انطلاقا مما قلته سابقا ، و بالنظر للتساؤلات المطروحة حديثا في هذا المجال ، نجد أن قسما كبيرا من البحوث الحاصلة الآن تدور حول الإبداع و الابتكار . لكن المشكلة مع الإبداع هو أنه ينتمي إلى الخيال الشعبي ، يعني أن كل شخص يمكن أن يعطيك تصوره للإبداع ، لكن إذا نظرت إلى هذا المصطلح بطريقة علمية ، تجد أن الإبداع متعلق بعدد من الآليات ، فأول عمل قام به الباحثون في علم النفس المعرفي هو لفت الانتباه إلى أنه لا يعني بالضرورة التفرد ، أي أن الإبداع ليس خاصية المبدعين فقط ، فالإبداع جملة من العمليات الذهنية ، و هو بذلك يعتبر خاصية إنسانية توجد لدى جميع الأشخاص . و لعلكم تتذكرون أن الباحثين فيما سبق كانوا يتحدثون عن ذكاء واحد يمكن قياسه ، لكن الأبحاث في علم النفس المعرفي أثبتت وجود ذكاءات متعددة ، مثل أبحاث هاورد جاردنر . و من ثم انصبت الاهتمامات حول كيفية تنمية الذكاءات المختلفة للشخص ، انطلاقا من الذكاءات التي يتوفر عليها . فخلاصة القول أن علم النفس المعرفي طور مفهوم الذكاء و ساهم في ظهور مفاهيم جديدة كمفهوم الذكاءات المتعددة و أهمية الأشكال الحسية في تنمية الذكاء . نفس الشيء مع الإبداع ، فعلماء النفس المعرفي قاموا بلفت النظر إلى أن الإبداع ليس خاصية المبدعين فقط ، يمكن أن ندرس أعمال و سلوك المبدعين حتى نفهم ما هو الإبداع ، هذا أكيد ، لكن يجب العودة إلى كل شخص ، فكل شخص له عمليات تمكنه من أن يكون مبدعا في مجاله ، لماذا ؟ لأن الإبداع مكون من مكونات المعرفة ، و ما ذكرته قبل حين من علاقة بين الوجدان و المعرفة و الدافعية ينطبق أيضا على الإبداع ، فهناك علاقة جدلية بين الإبداع و الوجدان و الدافعية ، فلقد أثبتت العلوم المعرفية أن الإبداع ليس فقط الإتيان بشيء متفرد originality  ، لكنه يتطلب عمليات أخرى منها على سبيل المثال : الطلاقة Fluidity  ، المرونة الذهنية و الكمالية و التي تعني القدرة على الاهتمام بكل التفاصيل خلال إنجاز عمل ما . السؤال الآن هو : ما الذي جاء به علم النفس المعرفي بالنسبة للإبداع ؟ كيف ننمي الإبداع ؟ إن التطور في مفهوم الإبداع مكننا من الاشتغال على مكونات هذا الأخير ، حيث يمكن مثلا أن نشتغل على المرونة ، فيكون السؤال مثلا : كيف يمكن أن ندخل المرونة في درس الرياضيات أو في درس الفيزياء أو حتى في درس القراءة ؟ و نفس الشيء ينطبق على المكونات الأخرى للإبداع ، و قد بينت نتائج البحوث أنه إذا أردنا أن ننشئ مبدعين للمستقبل فلابد من الاشتغال على هذه المكونات ، و في نفس الإطار ، فقد تفطن الباحثون إلى أنه من بين مكونات الإبداع ، نجد مكونات معرفية ، مكونات وجدانية ، و مكونات دافعية ، وقد لاحظت حين اشتغالي مع الطلبة ، وجود علاقة إيجابية و تناسبية بين الوجدان الإيجابي و الطلاقة و المرونة.

تعليم جديد : بروفسور ، ذكرت أننا يجب أن نشتغل على مكونات الإبداع ، أتقصد تقسيم هذه المكونات و الاشتغال على كل مكون على حدة فقط عند الدراسة و التحليل ، أم عند التدخل ؟

البروفسور سليم المصمودي : يجب الاشتغال عليها عند التدخل ، فما نتوصل إليه من نتائج أبحاثنا يعطينا أفكارا عديدة للتطبيق ، فعند اشتغالنا مثلا على المرونة ، يكون السؤال المطروح : كيف ندخل المرونة في التعليم أو بشكل أدق : في الحصة الدراسية ، كيف يمكن للمعلم أن يأخذ المرونة بعين الاعتبار عند التحضير لدروسه ، و عند صياغة الأسئلة المتعلقة بالدرس ، حيث أن المدرس عندما يأخذ المرونة بعين الاعتبار ، فإن ذلك يؤدي حتما إلى تنمية المرونة لدى الأطفال ، و هذا يعني أن طريقة صياغة السؤال تؤثر في طريقة اكتساب المتعلمين للمعرفة ، و نفس الشيء بالنسبة لمكونات الإبداع الأخرى ، و التي يؤدي الاشتغال عليها إلى تنمية الابداع لدى المتعلمين . و بنفس الطريقة يمكن أن ننمي الإبداع لدى المعلمين ، المديرين ، مسيري الشركات … فالإبداع كما رأينا خلال مؤتمر وايز 2014 ، يخص كل المجالات ، و فعلا سؤالكم جيد لأننا اكتشفنا الآن مكونات الإبداع ، و اكتشفنا كيف تشتغل  ، لكن الأهم من ذلك هو كيف ننميها ، و في هذا الإطار هناك العديد من أمثلة التدخل ، و لتصميم الدروس على أساس هذه المكونات .

تعليم جديد : هل هناك أبحاث في هذا الاتجاه  ؟

البروفسور سليم المصمودي : طبعا هناك العديد من التطبيقات لهذه النتائج ، و سنتطرق لهذه التطبيقات خلال المؤتمر العالمي لعلم النفس المعرفي الذي سينعقد خلال شهر نوفمبر 2015 ، خاصة كيف يمكن أن تُطَبق على أرض الواقع في مجال التعليم ، في مجال الشغل ، في مجال الثقافة ، في مجال الفن ، و كيف يمكن أن ننمي لدى الأشخاص مكونات الإبداع .

تعليم جديد : هذا شيء جيد بروفسور ، و بادرة طيبة تشكرون عليها ، لأن الناس يميلون غالبا إلى التعلم عن طريق التطبيق و ملاحظة النماذج ، دون إغفال الجانب النظري طبعا . السؤال الثالث الذي نود أن تجيبونا عنه بروفسور سليم هو : إلى أي حد يمكن لإدماج التقنيات الحديثة في التعليم أو ما يسمى تكنولوجيا الإعلام و الاتصال ، أن يؤدي إلى إعادة الاعتبار لدور الطالب و تفاعله في عملية التعلم و اكتساب المعرفة  ؟

البروفسور سليم المصمودي : سؤال جيد ، لأن موضوع إدماج تكنولوجيا الإعلام و الاتصالICT  في التعليم هي مسألة مهمة جدا ، و أعتقد أننا لحد الآن و باستثناء بعض التجارب القليلة و الناجحة على مستوى العالم ، قد اخترنا الطريق الخطأ في استعمال تكنولوجيا الإعلام و الاتصال ، فهناك العديد من التطبيقات ، و العديد من المحاولات لإدماج هذه التكنولوجيا في التعليم ، و لكن هذا الإدماج لا يتم بالطريقة الصحيحة ، فهناك مبادئ يجب الانطلاق منها لإدماج هذه التقنيات في العملية التعليمية ـ التعلمية ، فإذا انطلقنا من اعتبار المتعلم هو مركز العملية التعليمية ، فهذا الأمر من شأنه أن يغير الكثير من المعطيات ، حيث يصبح المتعلم حينها منتجا للمعرفة وليس مجرد مستهلك لها ، و أيضا مسيرا و متصرفا في بعض الموارد المتعلقة بتعلمه ، كما أن المتعلم يدخل في إطار عملية تشاركية مع فرق  أو مجموعات أخرى من المتعلمين . هذه المبادئ تم التوصل إليها في إطار بحوث علمية ، و كما قلت سابقا ، هناك العديد من المحاولات لإدماج تكنولوجيا الإعلام و الاتصالICT في التعليم ، و السؤال المطروح هو لماذا اخترنا الطريق الخطأ ؟ و الجواب هو أن جل المستثمرين و المتدخلين في هذا المجال غفلوا عن المبادئ التي سبق ذكرها ، و المشكلة في إدماج التكنولوجيا في التعليم هي أنه من السهل أن نمر من نموذج المتعلم النشيط و المتفاعل إلى نموذج المتعلم المستهلك . فعندما يستعمل المتعلم تقنيات الاتصال ، دون أن يكون التصميم التعليمي تصميما صحيحا يأخذ بعين الاعتبار دور المتعلم في إنتاج المعلومة و البحث عنها ، فإننا نسقط في نموذج المتعلم المستهلك الذي يفقد السيطرة على المعلومة . و لذلك فتكنولوجيا الإعلام و الاتصال مفيدة جدا ، لكنها لا تستثمر ما توصلنا إليه من نتائج حول المتعلم النشيط ، حول المتعلم الذي ينتج المعلومة . أعطيك مثالا  لتقنية من تقنيات المعلومات و الاتصال التي تساعد المتعلم على تنظيم المعلومات التي يتوفر عليها ، أو ما يسمى بالخريطة الذهنية Mind Mapping ، فهذه التقنية مهمة جدا و تساعد على الإبداع و الابتكار لأنها تحاكي طريقة تنظيم المعلومات بالرسم التي أثبت العلم نجاعتها ، و تطبيقات الخريطة الذهنية منتشرة و متوفرة على الموبايل و الكمبيوتر . إذن فالتقنيات الحديثة يمكن أن تدعم التعلم و تشجع الإبداع و الابتكار في التعليم ، لذلك وجب دعم البحوث في هذا المجال ، لكي تكون التطبيقات المقترحة على المتعلمين تطبيقات تكرس فعليا مبادئ التعلم . من جهة أخرى ، فإن الاستعمال المفرط لهذه التقنيات يمكن أن يحيدنا عن مبادئ التعلم السليم الذي يستوجب توفر التفاعل و استعمال الحواس و الانخراط الإيجابي في التجريب و التطبيق ، و أنا كباحث في علم النفس المعرفي أقول إن تقنيات الاعلام و الاتصال مفيدة جدا إذا وقع إدماجها كمكون و كمكمل للعملية التعليمية التعلمية .

تعليم جديد : بروفسور ، من خلال موقعنا كمدونة عربية تهتم بتكنولوجيا و تقنيات التعليم ، لاحظنا أن جل الفاعلين و المنتجين لتكنولوجيا المعلومات و الاتصال الموجهة لميدان التعليم ، يحكمهم هاجس الربح المادي ،  فالسؤال الذي يشغلنا بهذه المناسبة هو : كيف يمكن التدخل لتكوين متخصصين في إنتاج تطبيقات تعليمية تستجيب لمبادئ التعلم ؟

البروفسور سليم المصمودي : حسب اعتقادي ، فإن المتدخلين في هذا المجال ، يجب أن يكون لديهم تواصل مع الفاعلين في مجال التربية خاصة مع المتخصصين في العلوم المعرفية ، حيث يجب الانتقال أولا من نموذج معرفي للوصول إلى نموذج اقتصادي ، و أعتقد أيضا أنه يجب الاشتغال عل بعدين : بعد ما يسمى التقنيات المجانية ، و بعد التقنيات المدفوعة ، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير هذه التقنيات للجميع ، إحقاقا لمبدأ تكافؤ الفرص في التعليم ، و هناك بالفعل تجارب ناجحة تمت خلالها استشارة متخصصين في العلوم المعرفية في عملية إدماج تكنولوجيا الاعلام و الاتصال في العملية التعليمية التعلمية ، و أعطي كمثال شركة جوجل google  ،التي تقوم  باستشارة المتخصصين في العلوم المعرفية خلال إنتاجها للتكنولوجيا التعلمية .

تعليم جديد : هل يمكن أن تتحدث لنا عن تجربة جوجل في هذا المجال ؟

البروفسور سليم المصمودي : جوجل تتواصل مع المتخصصين في العلوم المعرفية ، حيث نجد أن هناك أخذا بعين الاعتبار لعدد من العمليات المتصلة مثلا بالإدراك أو العمليات المتصلة بالأرغونوميا Ergonomics . أيضا في محركات البحث يتم تسجيل و تأريخ ما تم البحث عنه ، كما أن جوجل تقوم بدراسة سلوك الباحث : ما هي المعلومة التي يبحث عنها ؟ ما هي اختياراته ؟ اهتماماته ؟ و تؤخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار في المرة القادمة التي يلج فيها المستعمل موقع البحث.

إغلاق