إرشادات
أخلاقيات البحث العلمي: رسالة قصيرة إلى الباحث والمشرف
يعد التحلي ب أخلاقيات البحث العلمي مدخلاً هاماً لتحقيق جودة البحث العلمي في عالمنا العربي وفي العالم أجمع؛ وحقيقة فإن أخلاقيات البحث العلمي مسؤولية عظيمة لا تقع على عاتق الباحث وحسب، بل إنها تمتد لتشمل المشرف الأكاديمي ومؤسسات البحث العلمي وحتى المجلات والدوريات العلمية، وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث تم تحديد الأخلاقيات التي لابد وأن يتصف بها محكمي البحث العلمي كما في دراسة (البقعاوي، 2014)، لذلك من خلال هذا المقال سوف نحاول تسليط الضوء على أهم أخلاقيات عناصر البحث العلمي.
أخلاقيات البحث العلمي
أولاً: أخلاقيات الباحث وفقاً لخطوات البحث العلمي
-
أخلاقيات اختيار عنوان البحث “مشكلة البحث”
إن التفاوت بين الباحثين في هذا المحور عظيم، فنجد أن هناك باحثين يكون هدفهم هو نيل الدرجة العلمية وحسب، بغض النظر عن فحوى البحث المقدم أو فائدته وأهميته، وبالتأكيد فإن هذا يناقض أخلاقيات البحث العلمي؛ حيث يجدر بالباحث أن يرتقي بذاته وبفكره عن سمات الأنانية وأن يستشعر دوره ومسؤوليته المجتمعية، ويكون ذلك من خلال:
- اختيار مشكلة بحثية ذات أهمية وقيمة علمية للحقل المعرفي وللمجتمع بشكل عام.
- اختيار الموضوع الملائم لقدراته وميوله واهتمامه.
- أن يكون البحث واقعياً يمكن تطبيقه والإفادة منه على أرض الواقع.
- مراعاة اتساق هذا البحث مع طبيعة المجتمع وخصائصه، بحيث لا يتعارض مع فلسفة المجتمع وعقيدته أو يثير النزاع والفرقة والطبقية بين أفراده.
-
أخلاقيات النقل والاقتباس
يحتاج الباحث العلمي دوماً إلى مراجعة الأدبيات المتعلقة بموضوع دراسته ومتغيراتها، كما يلزمه إعداد إطار نظري واف حول الدراسة مستنداً في ذلك على نتائج وجهود من سبقوه في هذا الميدان، ومن الأخطاء التي قد يقع فيها الباحث أثناء ذلك:
- عدم الدقة في النقل، بحيث يقوم بعض الباحثين بتحريف وتكييف ما ورد عن كاتب ما، أو التعديل بالزيادة أو النقص وهذا ما يتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي التي توجب على الباحث أن ينقل كما ورد في المصدر دون زيادة أو نقص.
- عدم الإشارة إلى بعض المصادر والمراجع التي نقل أو اقتبس منها، حيث يتحتم على الباحث أن يوثق كل ما استقى منه صغيراً أم كبيراً، ويتحرى في ذلك غاية الدقة والأمانة وفقاً لنظام التوثيق المتبع في المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها، والمطلع على أحدث إصدارات نظام التوثيق APA يلاحظ شموليته ودقته في تحديد طرق الاقتباس من جميع المصادر التي قد يستعين بها الباحث؛ بما فيها تلك المصادر التي قد ينقصها بعض البيانات مثل عدم وجود رقم الطبعة أو سنة النشر أو حتى اسم المؤلف، وكما أنها لم تغفل آلية توثيق الاقتباس حتى من مواقع التواصل الاجتماعي.
-
أخلاقيات الباحث في التعليق على الدراسات السابقة
من الخطوات التي يتوجب على الباحث العلمي أن يقوم بها خلال إعداده للدراسة، هي تقديمه عدداً من الدراسات السابقة حول موضوع البحث ومن ثم القيام بالتعليق عليها ومقارنتها مع موضوع الدراسة التي هو بصدد إعدادها وهنا يقع البحث في إشكالية؛ حيث أن رغبة الباحث في الإشارة إلى تفرد وتميز دراسته في حقل ما، قد تؤدي به إلى النقد البعيد عن الموضوعية والمنطق للدراسات التي هو بصدد الإفادة منها، وهذا ما يتعارض مع أخلاقيات البحث العلمي حيث يتوجب على الباحث أن يقدم الدراسات السابقة كما هي ويعلق عليها بكل موضوعية وحياد ودون إجحاف أو تقليل في حق تلك الدراسات.
-
أخلاقيات الباحث عند القيام بإجراءات الدراسة
يتحتم على الباحث القيام بعدد من الإجراءات للتوصل إلى نتائج الدراسة، وخلال ذلك قد يصدر منه ما يتعارض مع أخلاقيات البحث العلمي، نورد هنا عددا من المحاذير على سبيل الذكر لا الحصر:
- إجراء دراسة دون أخذ موافقة الجهات المعنية، وأخذ موافقة أفراد العينة التي سوف تطبق عليهم الدراسة.
- اختيار عينة يعلم مسبقاً بأنها تتسق مع نتائج الدراسة أو الاتفاق مع أفراد العينة لضمان سير الإجراءات بما يحقق نتائجه التي يرمي إليها.
- إفشاء ونشر المعلومات السرية والخاصة التي حصل عليها من أفراد العينة دون أخذ الموافقة منهم.
- الإفادة من أدوات بحثية أنتجها باحثون سابقون دون أخذ الموافقة منهم أو دون الإشارة إلى ذلك.
-
أخلاقيات الباحث في عرض وتفسير النتائج
مع وصول الباحث إلى عتبات البحث الأخيرة؛ تتجلى أبهى صور الأمانة العلمية في عرض الباحث ما توصل إليه من نتائج بلا تعديل ولا زيادة ولا نقصان فقد يلجأ بعض الباحثين إلى تعديل وتزييف نتائج بحث ما لتوافق هوى في نفسه أو فكراً يتبناه، لذلك يلزم الباحث أن يعرض ويفسر ما وصل إليه بكل دقة ومصداقية وموضوعية.
-
أخلاقيات الباحث والنشر العلمي
بعد أن ينتهي الباحث من إجراء دراسته يتوجب على الباحث ألا يبخل بنشرها ومشاركتها مع من يحتاجها من باحثين أو مؤسسات ذات علاقة، وهنا نشير إلى عدد من التوجيهات في هذا الشأن:
- أن يعي أهمية النشر العلمي في تقدم ورقي الأوطان وأن يساهم في ذلك بنشر بحوثه ودراساته.
- أن يتحرى أفضل مجلات ودوريات النشر العلمي وذات معامل التأثير العالي حتى يحقق الفائدة المرجوة من نشر بحثه.
- أن يشير بوضوح لكل من ساعده في إنجاز دراسته ودعمه خلال ذلك، من مشرف أكاديمي، ومؤسسات تعليمية وممولين وغيرهم.
إن كل ما ورد من أخلاقيات لا يمكن أن ينفك عن الصفات الخُلقية الشخصية التي لا بد أن يتحلى بها الباحث، كالصبر والجلد على مشقة الطريق البحثي، والتواضع وتقبل الآراء والنقد، وسعة الأفق وسرعة البديهة، والنظرة الثاقبة الحيادية للأمور.
وإن كنا نرى أن الباحث هو باني البحث العلمي بأدواته المحكمة؛ فإن المشرف الأكاديمي هو مهندسه، لذلك نورد هنا بعضاً من الأخلاقيات التي لابد أن يتخلق بها المشرف الأكاديمي.
ثانياً: أخلاقيات المشرف الأكاديمي
1- أن يكون قدوة حسنة في ذاته وبما يتصف به من أخلاق حميدة كالصدق، والتواضع والصبر، والحلم، والتعاون، ولين الجانب وأن يعي أن الطالب هو أمانة بين يديه.
2- توعية الطالب بأخلاقيات البحث العلمي وحثه الدائم على ضرورة الالتزام بها.
3- الاعتراف بحق الطالب فيما أنجزه من أعمال وأبحاث وعدم التنكر له.
4- المتابعة المستمرة والتواصل الدائم مع الطالب لضمان سيره بالشكل السليم وعدم الانقطاع عنه.
5- ترك الحرية للطالب لتبني فلسفته الخاصة وعدم إجباره على تبني فكر محدد يميل إليه المشرف في نفسه.
6- تشجيع الباحث وشحذ همته للتقدم في بحثه وتقديم أفضل ما لديه.
7- تفهم مخاوف الباحث وقلقه وحالات الإحباط التي قد تصيبه، وخصوصاً الباحث الجديد الذي يخوض غمار البحث العلمي للمرة الأولى.
8- التجاوب مع استفسارات الباحث وتقبل كثرة أسئلته بصدر رحب.
وتوجد حالات عديدة تعرقل فيها البحث العلمي بسبب عدم اتصاف الباحث أو المشرف أو كليهما بأخلاقيات البحث العلمي، ونورد من ذلك من انقطع عن متابعتها المشرف لانشغاله بأعمال أخرى خاصة، وهي بدورها أتاحت له ذلك بقلة تواصلها معه وعدم دأبها على طلب رأيه وتوجيهه، واتضحت المشكلة عندما أنهت كتابة البحث وأحضرته للمشرف وألمح لها بصعوبة مراجعته كاملاً نظراً لطوله! ، وبذلك وقع كل من الباحث والمشرف في مشكلة قد تخل بجودة البحث العلمي المقدم.
لذلك تقترح الباحثة عدداً من الاقتراحات التي من شأنها أن ترسخ أخلاقيات البحث العلمي:
- إعداد المؤسسات التعليمية للدلائل الدقيقة التي توضح أخلاقيات البحث العلمي بدقة، مثل عمليات النقل والاقتباس والنشر العلمي.
- إلزام طالب الدراسات العليا على اجتياز دورة تدريبية حول أخلاقيات البحث العلمي كمتطلب للبدء بإعداد رسالته، على غرار المتبع في بعض الجامعات الأجنبية.
- إقامة الدورات التدريبية لتوعية الباحثين حول الأخطاء المنافية لأخلاقيات البحث العلمي والتي قد يقع فيها الباحث نتيجة الجهل وقلة المعرفة بحقوق الملكية الفكرية.
- متابعة المشرف الأكاديمي للباحث وتوعيته حول أخلاقيات البحث العلمي وأن يكون قدوة حسنة يقتدي بها الباحث.
ختاماً.. فإن كل ما ورد في هذه المقالة، هو أخلاقيات البحث العلمي للباحثين والمشرفين عامة وإن الباحث والمشرف المسلم هو أولى الناس اتصافاً بها؛ كونها جزءاً أصيلاً من دينه يثاب عليه، فالأول يلتمس طريقاً للعلم يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ)، والثاني يعلم الناس الخير ويقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير.