اخبار التعليم

إعادة التربية النفسية الحركية : استراتيجية تكاملية في مواجهة صعوبات التعلم الأكاديمية

مدخل حديث في علاج صعوبات التعلم الأكاديمية والاضطرابات المصاحبة لها

1- مؤشرات صعوبات التعلم الأكاديمية

لقد اختلف العلماء حول ما إذا كانت صعوبات التعلم تشكل اضطرابا واحدا، أم أنها عبارة عن اضطرابات متنوعة تصنف تحت فئات فرعية، مما يستوجب دقة التشخيص العيادي لهذه الاضطرابات وما ينجم عن ذلك من إجراءات وقائية وعلاجية. ولعل من أبرز تعريفات صعوبات التعلم نجد تعريف مكتب التربية الأمريكي المقدم عام 1977، والذي يعتبرها اضطرابا في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية القاعدية، الضرورية لفهم واستخدام اللغة المقروءة والمكتوبة، والتي قد تتجلى في قصور القدرة على الاستماع والتحدث والقراءة والتهجئة والحساب. ويتضمن هذا المصطلح أيضا، حالات عجز الإدراك واختلال النطق والأفازيا النمائية، التي يتسبب فيها الاختلال الدماغي الوظيفي البسيط، بينما يستثني التعريف التأخر العقلي ومختلف الإعاقات الحسية والحركية، والاضطرابات العاطفية والفقر الثقافي الاجتماعي ونظام التعليم الغير ملائم.

وهناك تعريف آخر أكثر اتساعا من هذا التعريف، صادر عن لجنة الوكالات المشتركة لصعوبات التعلم سنة 1987، تعريف يجمع بين مجموعة كبيرة ومتنوعة من الاضطرابات، حيث تتجلى في صعوبات ذات دلالة في اكتساب واستخدام القراءة والكتابة والتفكير والحساب والمهارات الاجتماعية، وهي كلها صعوبات ذات منشأ فردي، يعتقد أنها تعود إلى خلل وظيفي ما في الجهاز العصبي المركزي. وحسب هذا التعريف فإن صعوبات التعلم تشمل أيضا قصور المهارات الاجتماعية والانفعالية، وفرط النشاط الحركي، مما يوسع الإطار المعرفي للاضطراب ويستوجب وضع محكات للتشخيص الفارقي بين مختلف أنواع الصعوبات، بعد استبعاد الإعاقات الحسية والإعاقات الحركية والتأخر العقلي والاضطراب الانفعالي الشديد والفقر الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وعدم ملاءمة النظام التعليمي وتدني فعاليته.(1)

2- صعوبات التعلم الأكاديمية وفق المنظور التقليدي

تشكل صعوبات تعلم القراءة والكتابة والحساب النواة الأساسية للتصنيف التقليدي لصعوبات التعلم الأكاديمية بمنظوره الضيق، الذي يستبعد أثر العمليات الإدراكية المعرفية والأبعاد الانفعالية الاجتماعية على الظاهرة، وهو بذلك يشكل إطارا كلاسيكيا لدراسة وتشخيص صعوبات التعلم الأكاديمية، واقتراح برامج علاجية لها بالاعتماد على صعوبات التحصيل بالدرجة الأولى.

3- صعوبات التعلم الأكاديمية وفق المنظور الحديث

يربط التوجه الحديث لصعوبات التعلم الأكاديمية ( القراءة والكتابة والحساب )، بعمليات إدراكية ومعرفية، من خلال توضيح أهم القضايا المعرفية المرتبطة بها، مما فسح مجال البحث واسعا أمام علم الأعصاب وطوبوغرافيا الدماغ وعلم النفس العصبي ـ المعرفي والتركيز في ذلك على عمليات الإدراك وتنظيم المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها.(2)

4- دور إعادة التربية النفسية-الحركية في علاج حالات صعوبات التعلم الأكاديمية

إن إعادة التربية النفسية ـ الحركية أو إعادة التربية من خلال الحركة نظرية جديدة واتجاه جديد في التربية، مثلها مثل التعلم عن طريق الخبرة والنشاط وغيرهما مما حملته نظريات التعلم منذ ظهور التربية الحديثة خلال القرن الماضي، وبخاصة خلال العقود الأخيرة، بقصد إخراج التعليم المدرسي من صيغته التقليدية الجامدة في مناهج وطرق التعليم والتعلم، إلى صيغ أكثر إيجابية وفاعلية في تكوين الفرد وتنميته بأقصى ما تؤهله إمكاناته و قدراته ومواهبه، وضمانا لحسن توجيهها وإحكام الإفادة منها، يمكن إعادة تنظيم محتوى التربية النفسية ـ الحركية في 3 محاور هي:
ـ التغير والانتقال الحركي.
ـ التحكم والسيطرة.
ـ الثبات والاتزان.
وتحت كل محور من هذه المحاور يمكن إدراج مجموعة من الموضوعات المتداولة في التخصص، هذه الموضوعات يتم تجزئتها خلال العملية إلى مهام حركية يقوم بها الطفل من خلال استكشافه لإمكاناته وقدراته الحركية، ويمكن تلخيصها في 5 خطوات أو مراحل متتابعة موصولة تبيانها كما يلي:
أ ـ تحديد مهمة حركية مناسبة، لتشكل جزءا من موضوع لإعادة التربية النفسية ـ الحركية.
ب ـ استكشاف الطفل لبعض الأساليب المناسبة، التي تمكنه من القيام بهذه الحركات تنفيذا للمهمة واختبارا لقدراته.
ج ـ تمكين الطفل من اختيار الحركات والأساليب التي يتمكن بمقتضاها من أداء المهمة المطلوب منه القيام بها.
د ـ تدريب الطفل على تأدية حركات انسيابية متسلسلة يتم اختيارها.
هـ ـ تشجيع الطفل على صقل وإتقان ما كرره وتدرب عليه، والخروج بخبرات تزيد من قدراته على الاستكشاف و الاختيار والتدريب و إتقان المهمة الحركية.(3)

5- فن التدريس في التربية النفسية-الحركية

تتميز طرق واستراتيجيات التدريس في التربية النفسية ـ الحركية بالخصائص التالية:
أ ـ أن تكون الخبرة الحركية المقدمة ذات معنى ( حركة هادفة، منظمة ومنطقية).

ب ـ أن تكون الخبرة الحركية المقدمة ممتعة وتتحدى قدرات الطفل.
ج ـ إتاحة فرص الاشتراك لكل التلاميذ بغض النظر عن اختلاف قدراتهم.
د ـ تجنب المقارنة والمنافسة بين الأطفال إلا في أضيق الحدود.
هـ ـ طرق الاستكشاف وحل المشكلات كونها أفضل وأنسب طرق التدريس.(4)

6- العوامل المرتبطة باكتساب المهارة النفسية-الحركية

يمكن تقسيم هذه العوامل إلى عوامل خاصة بكل من شروط التعلم وطريقة التعلم وخصائص المهمة وخصائص التعلم وذلك على النحو التالي:
أ ـ شروط التعلم: متمثلة في الممارسة، معرفة النتائج، ورفع مستوى التعلم.
ب ـ طريقة التعلم: متمثلة في الطريقة الكلية والجزئية، التمرين الموزع والتمرين المركز، توجيه المتعلم و إرشاده إلى طبيعة الأداء الجيد.
ج ـ خصائص المهمة: متمثلة في درجة الترابط والتماسك والتعقيد.
د ـ خصائص المتعلم: متمثلة في الخصائص العقلية والخصائص الإدراكية والخصائص التنسيقية والخصائص الفسيولوجية والخصائص الوجدانية والخبرة السابقة.(5)

7- قيم التربية النفسية-الحركية

تشكل التربية النفسية ـ الحركية الإطار العام لنمو الطفل نفسيا وجسميا، بالنظر إلى فوائدها ومبررات وجودها كنظام مستقل، ويمكن التعبير عن القيم الناشئة عن برامجها فيما يلي:
أ ـ خبرة النجاح متاحة لمعظم الأطفال، وهناك توقعات لأداء نوعي جيد على كل المستويات.
ب ـ الانضباط الفردي والتوجيه الذاتي حيث يتمكن الطفل من اتخاذ القرارات، ويتعود على تحمل المسؤولية كاملة عن سلوكه.
ج ـ الموقف التعليمي يخلق حرية وابتكارا وتعبيرا، من خلال محاولات الطفل تقديم البدائل والحلول الذاتية دون خوف من الفشل.
د ـ زيادة اهتمام الأطفال واندماجهم، بالإضافة إلى الرضا والخبرات السارة التي تخلقها مواقف التعلم وتطبيق البرنامج لديهم. (6)

8- أهمية إعادة التربية النفسية-الحركية

تستمد إعادة التربية النفسية ـ الحركية أهميتها من أهمية النشاط الحركي ودوره في التربية والتنشئة الاجتماعية والنفسية، وذلك على النحو التالي:
أ ـ اكتساب الطلاقة الحركية من خلال تهيئة الظروف المناسبة التي يمارس فيها الطفل الحركة، حيث يتعلم ماذا يمكن أن يفعله بجسمه، ويفهم الكثير عن نفسه وعن البيئة من حوله.

بـ تنمية الاستكشاف الحركي، من خلال الاستعانة بأفكار حديثة كالتعليم الاستكشافي والتعليم القائم على المعنى لتدريس الحركة الأساسية التي تعتبر جوهر المهارات الحركية.
ج ـ تنمية الكفاءة الإدراكية الحركية للطفل، باكتسابه لمختلف المعلومات من خلال التعامل الحسي معها، حيث تتم عملية الإدراك من خلال تعرض الأعضاء الحسية للطفل لتأثير بعض العوامل، وما يحدثه ذلك من تنبيه في المخ تنتج عنه استجابات حركية معينة.
د ـ تنمية الجوانب المعرفية والوجدانية للطفل، من خلال تفاعله الإيجابي مع البيئة من حوله، ومن خلال مواقف المشاركة المتعددة التي يشملها برنامج إعادة التربية ـ النفسية الحركية، فكلما زادت خبرة الطفل الحركية زادت معرفته للبيئة و تعددت خبراته. (7)
هـ ـ تمكين الطفل من استخدام الخبرات السابقة بعد تجريدها في مواقف حياته الجديدة، فكلما زادت خبرات الطفل بأنماط الحركة كلما حدث بناء للمعرفة ودعا ذلك لتعميمها.
وـ إن التعميم الحركي هو ظاهرة تعبر عن تكامل وتعاون يتم بين الأنماط الحركية للمتعلم في واجبات أكثر اتساعا وتعميما، وبذلك تسهم إعادة التربية النفسية ـ الحركية في تكوين البناء المعرفي لدى الطفل بفضل ما تتيحه له من خبرات جديدة.

إغلاق