مفاهيم

التعلم النشط: تعريفه ـ أسُسُه ـ استراتيجياته ـ إيجابياته

يكاد يجزم الفاعلون التربويون جميعهم على كون استراتيجيات وطرق التدريس التي تسعى إلى أشراك المتعلم في تعلمه هي الأكثر نجاعة، وهي التي تخلق تعلما حقيقيا، عكس نظيرتها التقليدية التي يزداد مُنتقدوها يوما بعد يوم.
وعموما، لا يمكننا الجزم بكون طرق التعليم التقليدية أصبحت متجاوزة أو غير مفيدة، كما لا يمكن بأي حال تبخيسها. فعلا، قد تكون قاصرة، لكن وقتَ وضعِها جانبا على الرف لم يحن بعد.
ولتجاوز مكامن ضعف هذه الطرق التقليدية اجتهد المنظرون والممارسون في الحقل التربوي وأبدعوا طرقا وأساليب واستراتيجيات أكثر تقدما وفاعلية وإنتاجية، ومنها التعلم النشط الذي سنحاول الإحاطة به في هذا المقام.

1- ما هو التعلم النشط ؟

التعلم النشط Active learning فلسفة تعليمية تربوية تهدف إلى تفعيل دور المتعلم وجعله -أي المتعلم- محوريا في العملية التعليمية التعلمية وتسعى إلى الانتقال بالمتعلم من حالة المتلقي السلبي (كما هو الحال في طريقة المحاضرة) إلى إيجابية المتعلم وفاعليته في المواقف التعليمية (كما هو الحال في استراتيجيات التعلم النشط)، وذلك باستهداف مهارات التفكير العليا بالدرجة الأولى كالتحليل والتركيب والتقويم، اعتمادا على مواقف تعليمية وأنشطة مختلفة تستلزم البحث والتجريب والعمل والتعلم الذاتي أو الجماعي أيضا… لاكتساب المهارات والحصول على المعلومات وتكوين الاتجاهات والقيم.

و هي كلها أمور تستلزم:
– المشاركة الفاعلة والإيجابيّة للمتعلم في مختلف المواقف التعلمية.
– إلقاء مسؤولية التعلم على الطالب أو المتعلم.
– الخروج من إطار التعليم التقليدي والانفتاح على الجديد.
– اعتماد المتعلم على نفسه في اكتساب المهارات والحصول على المعلومات (وحل المشاكل بصفة عامة) دون اللجوء إلى أساليب كلاسيكية كالحفظ.
– تنمية قدرات المتعلم التفكيرية ليستطيع حل مشاكله بنفسه.

2- التعلم النشط باختصار

– هو محاولة للقطع مع التلقين والحفظ والطرق التقليدية عامة، حيث يقدم المعلم المعارف و يكتفي المتعلمون بالاستماع.
– يعتمد بالدرجة الأولى على تنمية التفكير وإكساب المتعلمين القدرة على حل المشكلات.
– يُشجع العمل الجماعي والتعلم التعاوني .
– يراعي تنويع مصادر التعلم.
– يزيد فرص التواصل بين المعلّم والمتعلمين.
– يحفز المتعلمين على التفكير فيما هم بصدد تعلمه.

3- فلسفة ومبادئ التعلم النشط

تتلخص هذه الفلسفة في جعل المتعلم في قلب العملية التعلِيمية التعلُّمية، بنقل بؤرة الاهتمام إليه المتعلم وجعله محور هذه العملية، وذلك بجعل التعلم:
– ينطلق من استعدادات المتعلم وقدراته.
– مرتبطا بحياة المتعلم واهتماماته واحتياجاته.
– قائما على تفاعل المتعلم مع بيئته ومحيطه.
– يحدث في أماكن أخرى غير الفصل الدراسي مثل البيت أو النادي أو أي مكان ينشط فيه المتعلم.

4- إيجابيات التعلم النشط

للتعلم النشط وَقْعٌ إيجابيٌ على العمليةِ التعلمية التعليمية، يمكن اختصاره في:
– تشجيع التفاعل بين المتعلمين بعضهم البعض، وبينهم وبين معلمهم، سواء داخل الفصول الدراسية أو خارجها.
– تشجيع التعاون والعمل الجماعي.
– تقديم تغذية راجعة سريعة وفورية، ومتابعة مستمرة للمتعلمين بهدف التدخل في الوقت المناسب.
– توفير الوقت الكافي للتعلم.
– مُناسب لتوظيف الذكاءات المتعددة.

5- لماذا التعلم النشط ؟ (الأهمية والدواعي)

قد يتساءل البعض عن الجدوى من التعلم النشط وعن مميزاته، ودواعي اعتماده. للجواب، نقول أنه يمكننا الاستعانة به لأنه:

– يجعل التعلم متعة، مما يزيد من فرص اندماج الطلاب أثناء التعلم.
– يُعوِّد الطلاب على تحمل المسؤولية.
– يحفز الطلاب على الإنتاج المتنوع والجيد والمتراكم.
– يُكسِب الطلاب القدرة على التعبير عن الرأي.
– ينمي الثقة بالنفس لدى الناشئة.
– يُعزِّز مستويات التفكير العليا عند المتعلمين.
– ينمي البحث والتفكير.
– ينمي القيم والاتجاهات لدى الطلاب.
– يعود الطلاب على اتباع التعليمات وقواعد العمل.
– يساعد على توفير جو للتفاعل الإيجابي بين المتعلمين خصوصا في المهام المعقدة (التعلم التعاوني والجماعي).
– يحقق استمرارية التعلم (التعلم المستدام).
– يُعزز المنافسة الإيجابية بين المتعلمين.
– ينمي الرغبة في التعلم، ويروم درجة الإتقان.
– متوافق ومحفز لاستخدام أساليب وطرق التعلم الجديدة.

وهذه أسباب أخرى تبرر الحاجة إلى التعلم النشط الذي يعد عاملا مساعدا في تحقيقها:
– المتعلم، في طريقه للفهم، يسعى إلى ربط الأفكار والمعرفة الجديدة بمواقف من الحياة.
– المتعلم يسعى دائما إلى ربط كل موضوع جديد بالموضوعات ذات العلاقة، والتي سبق له دراستها.
– المتعلم يفضل في الغالب الموضوعات التي تتضمن حقائق ومعلومات كثيرة عن تلك النظرية التي تتطلب تفكيرا أعمق.
– المتعلم يحرص في العادة على فهم المعنى الإجمالي للموضوع قبل جزئياته.
– المتعلم يحتاج في الغالب وقتا كافيا للتفكيـر.

6- أُسُس التعلم النشط

هي أسس وأركان لا يقوم إلا بها وأهمها:

– توظيف استراتيجيات التدريس (النَّشِطَة) المتركزة حول المتعلم .
– إشراك الطلاب في تحديد الأهداف التعليمية ونُظم العمل وقواعده .
– إتاحة الفرصة لكل طالب للتعلم حسب سرعته الذاتية (الفارقية) .
– الحرص على توفير أجواء المتعة والمرح و الطمأنينة أثناء التعلم.
– تنويع مصادر التعلم وأدواته ووسائله.
– الاعتماد بالدرجة الأولى على التقويم الذاتي وتقويم الأقران.
– تعويد الطلاب على الإدارة الذاتية (الاعتماد على النفس واتخاذ القرار).
– تقديم المساعدة للطلاب متى احتاجوا إليها (المتابعة).
– مساعدة الطالب اكتشاف مكامن القوة في شخصيته وعمله…

7- أبرز فوائد التعلم النشط

زيادة على ما يمكن أن نسميه فوائد بديهية (وتلقائية) كإتاحته الفرص للمتعلمين للمشاركة وطرح الأفكار والمناقشة والحوار وقضائه (إلى حد بعيد) على مشاكل من قبيل السرحان والنوم والشغب، فإن للتعلم النشط فوائد كثيرة لعل أهمها:

– تعويد المتعلمين على البحث والنقد والتعلم الذاتي وطرق الحصول على المعرفة (تَعلُّم التعلمِ).
– يوفر اتباع التعلم النشط تعزيزات كافية للطلاب تساهم في فهمهم للمعارف الجديدة .
– خلال التعلم النشط يصل المتعلمون إلى حلول ذات معنى مألوفة لديهم.
– غالبا ما يعطي المتعلمون أهمية بالغة للمَهمة أو الأعمال التي ينجزونها بأنفسهم (سواء فرديا أو جماعيا) و هو ما يجعلهم يركزون معها ويعيرونها انتباها يساهم في الوصول إلى نتائج طيبة.
– يجبر التعلم النشط الطلاب على استرجاع واستعمال معلومات متعددة تتعلق بموضوعات مختلفة، (كما في المواقف الحياتية الحقيقية).

8- عوائق قد تعترض التعلم النشط

يمكن تلخيصها في:

– اكتظاظ الفصول الدراسية.
– عدم قدرة المتعلمين (بعضهم أو كلهم) على استخدام مهارات التفكير العليا.
– قِصر المدة المخصصة للحصة الدراسية .
– عدم مسايرة المنهاج لاستراتيجيات التعلم النشط، بتركيزه على اكتساب المعلومات والمهارات والقيم والاتجاهات و المبادئ، دون الاهتمام بالقدرة على التحليل والتركيب وتنمية المهارات العقلية لدى المتعلم.
– مشاركة ضعيفة للمتعلمين (دون المستوى المتوقع).
– عدم توفر الأدوات والتجهيزات والوسائل التعليمية والأجهزة المساعدة…
– الشغب وعدم الانضباط وفقدان التحكم في الفصل الدراسي (فوضى مصحوبة بكثرة الأحاديث الجانبية) .
– عدم استعداد بعص المعلمين لتجريب الجديد، والعمل به.
– عدم التوفق في إدارة المناقشات.
– قلق وعدم ارتياح لدى بعض المعلمين في تطبيق التعلم النشط، قد يكون راجعا للخوف من نقد الآخرين لكسرهم للطرق المألوفة في التدريس والتعليم، وقد يكون راجعا لقلة الحوافز الضرورية والمشجعة على التغيير، أو غيرها من الأسباب.

9- الفرق بين التعليم التقليدي و التعلم النشط

الجدول أسفله يوضح أوجه الاختلاف بينهما:

التعلم النشط

10- التقييم و التعلم النشط

غالبا ما تكون المَهام في التعلم النشط ملموسة وواقعية (بحث، دراسة، إنجاز، مشروع…) ومنه -غالبا- ما يصبح التقييم في التعلم النشط تقييما يشارك في المتعلمون تخطيطا وتنفيذا. وهو -للإشارة- تقييم مستمر ومتكامل يسير بالتوازي مع تقديم الدروس وعمل الطلاب.
حيث يحصل الاتفاق والتوافق حول معايير التقييم وأدواته، بعد مناقشتها وتطويرها، بهدف الحكم على جودة الإنتاجات والإنجازات. وهو الشيء الذي يجعل الطلاب منخرطين في العمل مقبلين على التعلم نتيجة شعورهم بالاستمتاع وهم يناقشون إنجازاتهم ويفحصونها (التقييم الذاتي وتقييم الأقران).

11- دور كُلٍّ من المعلم والمتعلم في التعلم النشط

أ- دور المعلم

في التعلم النشط -باعتباره يركز على فاعلية المتعلم وإيجابيته- لم يعد المعلم هو الملقن والمصدر الوحيد للمعلومة بل أصبح موجها ومرشدا ومحفزا ومُيسِّرا للتعلم. فالمعلم لا يسيطر على الموقف التعليمي، بل يديره بذكاء و يوجه المتعلمين نحو الهدف بكل سلاسة عبر:

– طرح الأسئلة المناسبة.
– تصميم المواقف التعليمية المحفزة والمشوقة.
– فعالية اختيار الوسائل التعليمية.
– تنويع طرق التدريس وتقنيات تنشيط الفصل الدراسي.
تشجيع المتعلمين وتحفيزهم.

ب- دور المتعلم

المتعلم في التعلم النشط إيجابي ومشارك في العملية التعليمية:
– يبادر ويتفاعل ويُناقش ويسأل.
– يبحث عن المعلومة من مصادر متعددة.
– يمارس التقييم الذاتي، وتقييم الأقران.
– يعمل في مجموعات ويتعاون مع زملائه.
– يشارك في تخطيط الدروس وتنفيذها.

12- تصميم أنشطة التعلم النشط

أ- نصائح

– في البداية يستحسن اختيار الأنشطة البسيطة والسهلة.
– تطوير الأعمال وتجريبها باستمرار.
– التحقق القبلي من إمكانية إنجاز المتعلمين للأنشطة المطلوبة.
– إطلاع المتعلمين على الهدف من النشاط التعليمي.
– اختيار العمل في مجموعات.
– الاجتهاد والتجديد المستمر، ومتابعة جديد التربية والتقنية.

ب- الخطوات

قبل البدء بالتخطيط لتصميم وحدة تعليمية معينة، ينبغي أولا تحليل التعلمات والأنشطة لتحديد ما يمكن تعلمه بالاكتشاف مثلا، وما يمكن تعلمه عن طريق العمل الجماعي، و ما المحتوى التعليمي المتوافق مع طريقة الإلقاء أو غير ذلك من الطرق… و هو ما يجعل دور المعلم يتغير بتغير طرق التدريس التي ترتبط هي الأخرى بمتغيرات كثيرة من أهمها المادة المُدرَّسة والأهداف التعليمية .
بناء على ذلك:
– يُصمم المعلم الوحدة باختيار التعلم النشط عوض التعلم التقليدي، مع الأخذ بعين الاعتبار أهداف التعليمية المتوخى تحقيقها .
– يصمم أنشطة تناسب بيئة التعلم النشط .
– يصمم أنشطة تساعد المتعلمين على تقويم تقدمهم.
– يصمم أنشطة مناسبة للتعلم النشط عن طريق تحديد الهدف من كل نشاط، ومدته، وما المنتظر من المتعلمين إنجازه، وشكل العمل (فردي أم لا)، والحوامل التي سيقدم عليها المتعلمون أعمالهم، والتغذية الراجعة المحتملة (رأي المعلم)…

13- استراتيجيات التعلم النشط

تطبيقٌ للتعلم النشط. وهي، على العموم، خطة عمل عامة هدفها إشراك الطلاب للحصول على إنتاجية أفضل بإشراك المتعلمين في الأنشطة وجعلها الفاعل الرئيسي فيها، وتتصف بمواصفات عدة منها الشمولية، وارتباطها بالأهداف والإيجابية و الفعالية والمرونة والقابلية للتعديل والتطوير والجاذبية (المتعة والتشويق)…
ومن أمثلة هذه الاستراتيجيات نذكر الكرسي الساخن ولعب الأدوار والرؤوس المرقمة وحل المشكلات والتعلم التعاوني والعصف الذهني و التدريس التبادلي والتعلم بالاكتشاف…
وقد سبق لنا في المدونة تخصيص موضوع كامل عن أهم هذه الاستراتيجيات، يمكنكم الاطلاع عليه من هنا.

خاتمة

مهما تنوعت الطرق والتقنيات وأساليب التدريس والتنشيط، تبقى ملاحظةُ المعلم لطلابه محورَ العملية التعليمية التعلمية، ملاحظةٌ تمكنه في كل حين من إيجاد الحلول التي تجعل عملية التعلم تتقدم باستمرار، وتجعل -بالضرورة- الطلاب يقبلون على التعلم عن طيب خاطر بعيدا عن الضغوطات المألوفة، وهذا بالضبط هو التعلم النشط .

 

(تعليم جديد)

إغلاق