اخبار التعليم

خطة التدريس : نحو إعداد خطة تدريس فاعلة قبل كل درس

كيف تضمن كتابة و إعداد خطة تدريس فاعلة قبل كل درس؟ كتبنا في مقال سابق عن فوائد كتابة خطة التدريس قبل الدرس  (اُنقر هنا لقراءة المقال). حظيَّ هذا المقال بعدد من الاستفسارات التي تتساءل عن محتوى الخطة و فحواها. و بناءً على هذه التساؤلات -التي أراها أنا شخصياً غاية في الأهمية- قررت كتابة هذا المقال لنستعرض و إياكم خطواتٍ تضمن إِعداد خطة تدريسية فاعلة هادفة.

أولا- التدوين

لم يؤكد المقال السابق على فوائد كتابة و تدوين خطة التدريس قبل كل درس فحسب، بل شدد على أهمية عدم التقاعس عن هذه الخطوة الضرورية لضمان اِعداد خطة تدريسية فاعلة و مؤثرة، و لذلك لن أُكثر من الحديث عن هذه النقطة، بل أكتفي بما قلت مُتمنيةً أنْ تقرؤوا ذلك المقال للإلمام بتفاصيله.

ثانيا- التصميم وفقاً للمتلقي

الهدف الأساس (وليس الوحيد) من إعداد خطة التدريس قبل كل درس ينبع من رغبة المُعلّم في استغلال وقت الدرس بشكل يضمن إيصال محتواه إلى المتعلمين بشكل سليم، وفعال، وشيق ومُلهِم يمكنّهم من هضم فحواه، و يمنحهم القدرة على الاستفادة مما تعلموه و تطبيقه بشكل حقيقي، أصيل و مستقل. وهكذا نرى ألاّ مفر من تصميم خطة التدريس و إعدادها بحيث تستهدف المتلقي المقصود بعينه، و ليس سواه، مع الأخذ بنظر الاعتبار عوامل مثل العمر، والقدرة على التركيز والاستيعاب، مدى المعرفة بالمحتوى و دقائقه، وأسلوب التعلُّم، والتعاون والتشارُك بين المتعلمين، وعددهم و غير ذلك… و من هنا يبدو واضحا أنّ الحجر الأساس في وضع خطة التدريس يكمن في اِدراك ضرورة كونها قابلة للتغير والتعديل كي تناسب مع المتلقي و تُوائم احتياجاته (هناك عوامل أخر قد تستدعي تغير خطة التدريس وتعديلها. سوف نأتي على ذكرها لاحقاً).

ثالثا- تحديد الأهداف

للبدء بكتابة خطة تدريس فاعلة ومؤثرة قبل كل درس لابد أولاً و قبل كل شيء من تحديد الهدف التعليمي المؤمل الوصول إليه من هذا الدرس ( و الذي هو دائما جزء من هدف أكبر يعود لمنهجية تلك المادة المراد تعليمها).

الهدف التعليمي هو وصف تام للمهارة التي على المُتعلّم إتقانها عند انتهاء الدرس، وصفٌ بسيطٌ خالٍ من التعقيد، سهل الفهم والتطبيق. كما يجب أنْ يتضمن هدف الدرس تفصيلاً لدور المُعلّم في شرح كيفية استخدام المعلومات الجديدة التي تلاقاها المُتعلّم، ليتمكنّ من أداء تلك المهارة على أتم و جه. وتأتي أهمية كتابة هذا الهدف وتحديده من كونه أولى العوامل التي ستساهم في تشكيل مجريات الدرس وأشدها ضرورة. و لو شبهنا الدرس و مجرياته برحلة، لكان الهدف التعليمي هو الوجهة التي نتأمل الوصول إليها عند نهاية الرحلة. فإن لم نكن نعرف إلى أين السفر، فكيف سنعرف الطريق التي نسلك!

رابعا- تسلسل مُجريات الدرس

الآن و قد تم تحديد الهدف التعليمي، يمنكننا البدء بوضع خطة لمجريات سير الدرس (أو الرحلة من التشبيه السابق). و هنا من المهم اتباع التسلسل التالي:

  • المُقدمة

و يقصد بها كل ما من شأنه الإيذان ببدء الدرس وحمل المتعلمين على توجيه اهتمامهم الذهني والبدني إلى متابعة سير مجرياته. و تتضمن المقدمة عادة عدة أجزاء، بعضها قد يتمثل في إجراءات بديهية يومية بسيطة كالتحية، و البعض الآخر قد يكون نشاطات تذكيرية لمراجعة أمور تطرق المُعلّم لها في دروس سابقة، أو مهام كان قد كلّف المتعلمين بإنجازها قبل الدرس. ولا ضير أنْ يكون جزء منها أحيانا طرفة تستهدف إسعاد المتعلمين و تنبيههم إلى بدء الدرس و حملهم على الانتباه إليه. أياً كان شكل مقدمة الدرس و مضمونها، على المُعلّم أنْ يتذكر أنّه يحاول من خلالها أنْ يُشوّق المتعلمين و يُرّغبهم في مواصلة رحلة التعلم حتى النهاية. وكلُّ ما من شأنه تحقيق هذا الهدف يندرج ضمن المقدمة و لاشك أنّ إبداع المعلمين كفيلٌ بتشكيلها وتنويع أساليبها.

  • التعليم المباشر

هذا هو الجزء الذي يقوم فيه المُعلّم بتقديم مفاهيم الدرس ومحتوياته بشكل مباشر للمتعلمين، كأنْ يقرأ من كتاب أو يعرض جدولا، أو يستعرض أمثلة حياتية حقيقية، أو يستخدم مواد و وسائل الإيضاح. كما يقوم بتجسيد واستعراض المهارات التي يتعين على المتعلمين إتقانها نهاية الدرس (النقطة الثالثة أعلاه). و هنا كما في أجزاء اُخرى من الدرس، من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أنماط التعلُّم (مرئي، بدني/حركي، لغوي/لفظي، سماعي/صوتي، منطقي، تعاوني) والعمل على اختيار الأنسب للمتعلمين (و هذا لا يكون بدون معرفة دقيقة للمتلقي، النقطة الأولى أعلاه).

و تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التدريس و فق منهج “الدرس المقلوب” ينقل جزء “التعليم المباشر” هذا خارج الصف كليا أو جزئيا، باستخدام الكتب المنهجية أو الفيديوهات أو كلاهما، و بذلك قد يلغي المُعلّم هذا الجزء من مجريات سير الدرس كليا، أو يقلّل منه جزئيا حسب حاجة الطلاب له. لكنّه ما يزال جزء من الخطة اللازم وضعها للتدريس وإنْ تغير وقته.

  • المِران المُوجَّه

يقوم المُعلّم في هذا الجزء، و كما يدل العنوان، بتوجيه المتعلمين و الإشراف عليهم وهم يتمرنون على أداء ما تم شرحه و استعراضه مُسبقاً، فهو فرصتهم لإتقان المهارات و تطبيق المعلومات. و كغيره يمكن لهذا الجزء أنْ يتخذ أشكالا عدة كالعمل الفردي أو الثنائي أو الجماعي على حل مسالة ما أو إكمال مَهمة ما.

  • المِران الحر

لا يقصد بالمران الحرّ هنا أنْ يتمرن المتعلم على الإتيان بالمهارات كيفما شاء، بحرية مطلقة. كلنا -معلّمون و متعلمون- نعرف عين المعرفة ما يسمّى بالواجب المنزلي أو البيتي. فما الغرض الأساس من هذا الواجب إلاّ توفير فرصة يتمكن خلالها المتعلم من التمرّن على المهارة التي تعلمها مِراناً حرّاً فردياً مستقلاً بعيدا عن توجيه المعلّم وإسناده، كي يعيَّ هو والمعلّم كذلك كم من هذه المهارة قد أتقن فعلا إذا طلِب إليه أداؤها بلا مساعدة. كما يهدف المِران الحر إلى ترسيخ هذه المهارات و تثبيتها لدى المتعلمين.

  • الإنهاء

يختم المعلّم في الجزء الأخير من الدرس كل ما تمّ التطرق إليه أثناء الدرس، بشكل يعمّق المعلومات و يرسّخ المهارات، وذلك بتنظيمها بشكل يوضح معانيها وأهميتها في أذهان المتعلمين بما يتوافق مع السياق المطروح.

يقوم المعلمون أحيانا و ضمن الجزء المخصص للإنهاء بإعداد نشاط غير معقد في تصميمه أو تأديته. يطلق على هذا النشاط اسم ” تذكرة الخروج”. يحمل نشاط “تذكرة الخروج” ذات الأهداف المُبتغاة من هذا الجزء (أي الإنهاء) من حيث ترسيخ المهارات عن طريق تنظيمها، و يبقى الفرق هو أنّ الطالب هو من يتوجب عليه إكمال النشاط فيحصل بعد ذلك على إذن أو “تذكرة الخروج”.

ولابد طبعا من الانتباه إلى التناسب بين الوقت المتاح من جهة وعدد المتعلمين وقابلياتهم من الجهة الأخرى عند وضع مُجريات الدرس بهذا التسلسل، و هذا مِفصل آخر من مفاصل الدرس والتي تتطلب التغير و التعديل في أحيان كثيرة.

خامسا- تحديد المواد والوسائل اللازمة

بعد الإعداد الدقيق لمُجريات الدرس حسب التسلسل المذكور أعلاه، صارا لزاماً التحديد المُسبق للمواد المطلوب من المُعلّم توفيرها والوسائل الضرورية لاستعراض المعلومات و المهارات لتمكين الطلاب من إتمام المران المُوّجه والمِران الحرّ بالإضافة إلى الإنهاء على أتمّ شكل وأحسن صورة.

سادسا- الاختبار و المتابعة

لا ينتهي الدرس و لا يكتمل الإعداد له عندما يرن الجرس مؤذنا للمتعلمين بترك الفصل، إذ يأتي بعد انقضاء مدة الدرس جزء آخرُ غايةً في الأهمية وهو الاختبار و المتابعة. و يقصد بالاختبار كلُّ ما مِن شأنه تقييم الناتج النهائي لعملية التعليم و تحديدِ مدى قدرة المتعلمين على تحقيق الأهداف التي بُني الدرس على أساسها (النقطة الثالثة أعلاه).

الامتحانات والاختبارات المكتوبة هي ما يرِد إلى الاذهان في أغلب الأوقات كأدوات تفي بهذا الغرض. لكنّ هذه ليست أدوات الاِختبار الوحيدة المتاحة أمام المعلمين، إذ بمقدور النقاشات الصفية و التقديمات الشفوية و المشاريع الجماعية و غيرها كثير من أداء الغرض ذاته. والحق أنّ المعلمين يلجؤون إلى العديد من المعطيات التي بإمكانها مساعدتهم في الإشارة إلى مدى إتقان المتعلمين للمهارات التي حددها المعلمون أنفسهم مسبقاً. لعلّ أداء الطلبة في الأجزاء آنفة الذكر (المِران الموُّجه، المِران الحر و الإنهاء) هو أحد أهم تلك الإشارات التي يستسقي منها المعلمون تلك الأدلة و البراهين.

وبغض النظر عن الأداة التي استخدمها المعلّم للاختبار، فإنّ الوصول إلى هذه الأدلة هو الآخر ليس نهاية المطاف. وعليه، يتوجب على المعلم الآن أنّ يعيد بناء خطط العملية التعليمية وأهدافها بناء على هذه المعطيات و الأدلة. فإما المُضي قدماً في التعليم وإما الإعادة شيئا ما أو كلاهما معا.  إضافة إلى ضرورة منح المتعلمين تعليمات وتوجيهات بشكل فردي وانفرادي وفريد.

سابعا- التحسب لما قد يطرأ

الآن و قد وصلتم إلى الجزء الأخير في هذا المقال، فأنتم و لا شك تذكرون أنّا قد أشرنا فيه (في ثلاث مواقع على الأقل) إلى ضرورة التزام المرونة عند وضع خطة التدريس . فهذه الخطة  الموضوعة للتدريس قبل كل درس ماهي إلّا خطة احتمالية : قد تُطبق كلّ أجزائها و قد لا تُطبق. و على المعلّم الفطِن أنْ يعي أنّ عليه الإسراع في تسيير مجريات الدرس أحيانا والإبطاء فيها أحيانا أخرى، وفقاً للعديد من العوامل التي هي بمجملها في غالب الأحيان خارج سيطرتهِ. و سيترتب على كل من هذين المنهجين تغييرٌ في خطط الأيام التالية بالتأكيد. فأما الإبطاء فتبعاته أسهل نسبيا، ذلك إنّ تبعات الإبطاء يمكن تداركها عند وضع الخطة التدريسية للدرس التالي. أما الإسراع فسيُخلّف وفرة في وقت الدرس ذاته لم تكن مدرجة ضمن الخطة الموضوعة. و لذلك فعلى المعلمين في الواقع أنْ يتحسبوا دائما لما قد يطرأُ و يفكروا ولو نظريا بالكيفية التي سيستغلون بها مزيدا من الدقائق اُتيحت لهم خلافا لما قد أعدوا.

إغلاق