اخبار التعليم

الأفكار القافزة ، فكرة أصيلة لاحتضان الإبداع

مفهوم الأفكار القافزة

كثيرا ما تراودنا أثناء لحظات الصمت أو التفكير التأملي فكرة تقفز إلى الذهن بمحض الصدفة، وكأنما تذكر بوضع أرخميدس عندما قال : ” يوريكا ” أي ” وجدتها “. لكن ” وجدتها ”  هي قاعدة طرأت على ذهن أرخميدس حين كان يبحث عن حل لمشكلة صعبة جدا، هذه المشكلة بدأت حين أوكل الملك هايرون ملك سيراكيوس في القرن الثالث قبل الميلاد إلى أرخميدس بناء سفينة ضخمة جدا أطلق عليها مسمى سيراكوسيا تكون محملة بالبضائع حيث كان يرغب إهداءها للملك بطليموس حاكم مصر آنذاك، ولم يكن بناء السفن الضخمة معروفا في ذلك الوقت، فكان على أرخميدس البحث في كيفية هندسة البناء الضخم وتحميله بأطنان من البضائع دون أن تغرق. استشعر أرخميدس صعوبة المهمة، فكيف يمكنه أن يعرف ذلك دون أن تغرق السفينة؟ وعندما كان يغتسل في حمام عام، لاحظ أن منسوب الماء ارتفع عندما انغمس في الماء وأن الماء اندفع على جسمه من الأسفل إلى الأعلى، فخرج إلى الشارع يجري ويصيح ( يوريكا، يوريكا ) ؛ أي وجدتها وجدتها، لأنه تحقق من أن هذا الاكتشاف سيحل معضلة بناء السفينة الضخمة. وقد تحقق أرخميدس من أن جسده أصبح أخف وزناً عندما نزل في الماء، وأن الانخفاض في وزنه يساوي وزن الماء المزاح الذي أزاحه، وتحقق أيضا من أن حجم الماء المزاح يساوي حجم الجسم المغمور. وعندئذ تيقن من إمكانية أن بناء السفينة الضخمة وتحميلها بآلاف الأطنان من البضائع المهداة للملك بطليموس دون أن تغرق، وكانت النتيجة أن نجح المشروع وحظي أرخميدس بتكريم الملك هايرون، ووضع أرخميدس قاعدته الشهيرة المسماة قانون الإزاحة والتي بنى عليها قاعدة الطفو فيما بعد (محمد جودة،2015).

والمقصود بمسمى (الأفكار القافزة) أنها تلك الأفكار الإبداعية المفاجأة التي تختلف عن يوريكا أرخميدس بأنها قد تأتي في لحظات من السكون والهدوء الداخلي، ولا تشترط أن يمر الإنسان بمشكلة يفكر فيها عن حل، ولكنها أفكار تطرأ فجأة. فلطالما مرت بنا أفكار قافزة ونحن في المدرسة أو بالسيارة أو على السرير نستعد للنوم أو  ونحن نشرب الشاي أو في أي وقت، ولكن كثيرا منها لا يخرج إلى حيز التداول حولها وإثرائها ورعايتها، أو حتى مباشرة تطبيقها وتفعيلها، أو على الأقل سرعة تدوينها، فتندثر وتنسى غالبا رغم أهمية الكثير منها وأصالته.

كيف طرأت فكرة الأفكار القافزة ؟

كثيرا ما فكرت الكاتبة في واقع البحث العلمي في مجال تخصصها، لماذا ليس هناك أصالة للأفكار البحثية التي تتناولها الأبحاث العربية في مجال المناهج وطرق التدريس؟ فكل ما نقوم به هو مجرد أخذ طرق تدريس مبتكرة من أحد العلماء وتطبيقها على عينة مغايرة واستقصاء فاعليتها فقط، لكن ماذا لو أنتجنا نحن الباحثون طرائق تدريس واستراتيجيات منهجية من وحي أفكارنا واختبرنا فاعليتها وحثثنا الخطى لمنحها سمة رسمية يستعين بها المعلمون والباحثون ليطوروها أكثر وأكثر. هذه مجرد فكرة قفزت، وأمنية نأمل تحقيقها. وبشأن الأفكار القافزة فإنه لابد وبكل جدية أن يهتم كل معلم وكل أستاذ جامعي وكل باحث وكل تربوي وكل أسرة بأي فكرة تقفز في مخيلة المتعلمين والأبناء، فلربما تُهمش فكرة طرحها طالب على معلمه أو ابن على والده؛ لعدم ارتباطها بالموقف اللحظي، أو لعدم الإحساس بأهميتها وقتها، أو للانشغال عما قاله، أو لكبت الأفكار التسلطي.

أهمية الأفكار القافزة

الأفكار القافزة هي أفكار مفاجئة وغالبا ما تكون مبتكرة وأصيلة؛ أي أنها ليست مأخوذة من أي موقف معتاد. وبما أن التربويين ينادون اليوم برعاية الإبداع والموهبة وأهمية التركيز على تنمية مهارات التفكير، فإنه لا بد أن نولي كل فكرة إيجابية طارئة كل اهتمام، حتى وإن لم تكن ذات صلة بالموقف؛ لأنها ستكون بداية لمشروع جديد ليس له مثيل، وإن كانت الفكرة غير قابلة للتطبيق فلعل الأسرة أو المعلم لا يهملونها بل يحاولون جاهدين أن يساعدوا المتعلم على تحويرها لإمكانية تنفيذها، فتشكل بذلك مبادرات علمية أو فكرية أصيلة ذات فائدة على الفرد والمجتمع، والأهم من ذلك تشجيع النشء باستمرار على التعبير عن أي فكرة جديدة يأملون تحقيقها طرأت عليهم في أي وقت، سواء بتدوينها كتابيا أو بطرحها شفهيا.

أحيانا تطرأ فكرة حول كتابة مقالة عن موضوع ما، لماذا لا نبدأ بكتابة فكرة المقال فورا قبل أن ننساها؟ ومتى تسنى الوقت المناسب تكتب المقالة وتخرج إلى حيز الوجود. وقد تطرأ فكرة حول ابتكار جهاز ما، فلماذا لا يتم تشجيع المتعلم على كتابة ما يلزم ورسم تصميمه الأولي الذي تجسد في مخيلته مباشرة؟

إن الأفكار القافزة أفكار تصادف عقولنا صغارا كنا أو كبارا بدون سابق تخطيط لها ولا تحديد المكان والزمان المناسب لقفزها، إنها بداية لنجاح وتحفيز لأبنائنا للتعبير بلغتهم، ولابد أن تهتم المدرسة والمنزل معا بالالتفات لها، وحث النشء على إظهارها وعدم الخجل من ذلك، وتشجيعهم على مباشرة تدوينها أو عرضها كي لا تنسى.

أساليب مقترحة لرعاية الأفكار القافزة

  • الاعتراف العلمي بمصطلح الأفكار القافزة في الأوساط التربوية وترجمته Popup Ideas.
  • حث النشء على إبداء أية أفكار تقفز إلى مخيلتهم وعقولهم وتقويمها.
  • الاستفادة من الأنشطة الكتابية في المدرسة أو الجامعة، وإتاحة الحرية للمتعلم لكتابة الفكرة التي تقفز إلى ذهنه أيا كانت علمية، اجتماعية، اقتصادية، أدبية أو غير ذلك.
  • إشراك المتعلمين في القرارات والتنظيمات المدرسية وحل بعض المشكلات التعليمية، فلربما لديهم أفكار قد تذهل الهيئة التعليمية والإدارية وتساهم في تطوير البيئة التعليمية.
  • تشجيع الشخص المبادر بالفكرة الأصيلة والثناء عليه وإبراز فوائدها فور إدلائه بفكرته.
  • إقامة ناد مدرسي أو جامعي بمسمى ( الأفكار القافزة ) لتبني الأفكار القافزة واحتضانها ورعايتها وتوجيه كل من تطرأ عليه فكرة إليه.
  • تنمية مهارة الاستماع لدى أفراد المجتمع، من خلال البرامج التدريبية والتوعوية، فكلما استمعنا وأنصتنا جيدا لما يقوله لنا (موظفونا، أبناؤنا، طلابنا، أصدقاؤنا ) تمكنا من احتضان أفكارهم وتشجيعهم على الحديث عنها وتطويرها.
  • تعويد الأبناء على تدوين كل ما يتعلق بيومياتهم أو أفكارهم بصورة دائمة، فلعل من بينها ستكون هناك فكرة قافزة مميزة.
  • عقد حلقات تفكير وحوار هادف في المدارس تعزز نمو القدرات العقلية واللغوية لدى النشء.
  • الاستفادة الفعلية من قبل المؤسسات التعليمية من دراسات العلماء حول التفكير وماهيته وأساليب تنميته.
  • الحث والتشجيع على إبراز الأفكار القافزة بصورة منتج ماثل في الواقع؛ كنشر المقال الذي كان مجرد فكرة قافزة، أو تطبيق فكرة تنظيم الملفات التي طرحت من قبل أحد الموظفين، أو تغيير مكان السرير فتتسع الغرفة مثلا…
  • تدريب المعلمين عامة ومعلمي اللغة العربية خاصة على مهارات التدريس الإبداعي المتميز بالأصالة والمرونة والطلاقة.
  • الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال التعليم مثل فنلندا وسنغافورة في استراتيجيات رعاية أفكار المتعلمين ومشاركاتهم المعرفية.

 

تعليم جديد

إغلاق