اخبار التعليم
صناعة الموهبة فن أم وظيفة ؟
لعلنا نبدأ هذا المقال بسؤال هام يدور بخلدي كلما نظرت إلى واقعنا التربوي والتعليمي داخل المدارس والجامعات على حد سواء أسأل نفسي وأتسأل دوماً هل دورنا يقتصر على اكتشاف
الموهبة؟ أم يتعداه إلى صناعة الموهبة؟
إن الدور المنوط بالأفراد والمؤسسات العاملة في البناء المجتمعي في أغلبه هو اكتشاف الموهبة ومن ثم التوقف عند هذا الكشف الرائع والمذهل (فقد اكتشفنا موهوباً) تتسارع إليه الأيادي لترفعه عالياً، دون التفكر كيف نمت و ترعرعت تلك الموهبة وهل من سبيل إلى موهبة أخرى في مجال آخر.. أسئلة كثيرة واحتمالات عدة وإجابات تقف بين واقع مرير وطموحات كبيرة، وآمال عريضة تصل بالأمم والشعوب عنان السماء.
فلا يختلف أحد على أن الموهبة هي شيء فطري داخلي غير مادي تظهر لدى الشخص في مجال أو أكثر، فالموهبة هي قدرة ذاتية فائقة، ولكنها تتميز بالخصوصية وتزيد بالتدريب وتحصيل المعرفة، فالموهبة تنتج عن تفاعل مجموعة من العوامل ذكرتها أنيسة فخرو “نقلاً عن وزارة التربية الأمريكية عام (1972) في تعريفها للطلبة الموهوبين وهم الذين يمتلكون قدارت ومهارات تشمل مجال أو عدة مجالات مما يلي:
– قدارت عقلية عامة.
– قدارت علمية خاصة.
– إبداع وتفكير إنتاجي.
– مهارات قيادية.
– مهارات بصرية أدائية.”
فهم بذلك قاطرة التقدم التي تساعد الدول على السير بخطى ثابتة إلى مصاف الدول في شتى مناحي الحياة، فالموهبة هي إبداع لا ينال إلا بالتدريب والمثابرة، وهبها الله سبحانه وتعالى لكل فرد في مجال معين من مختلف مجالات المعرفة والموهبة الإنسانية، ومن هنا يتوجب على كل فرد أن يبحث في ذاته عن مجال تميزه وإبداعه ومن ثم يبدأ بتعزيزه وتنميته، وهذا لا يتم إلا بالتدريب وتهيئة المناخ المناسب. ولذا لابد لنا من ذكر الكيفية والآلية التي تحدد طريقة اكتشاف الموهوبين ومن ثم صناعة الموهوب، وذلك من خلال عدد من المقاييس والاختبارات المقننة والتي أصبحت معروفة لدى الجميع ويسهل الوصول لها والتدرب على استخدامها، فكلما كان الكشف مبكراً عن قدرات الأفراد وطاقتهم الإبداعية كلما كانت النتائج أفضل بالنسبة للفرد والمجتمع والدولة، فهي الخطوة الأولى والأهم.
ثم يأتي بعد ذلك دور الرعاية بالبرامج الخاصة والمعدة سلفاً للاهتمام بتلك الفئة، حيث يرى (عبد الرحمن نورالدين) في تلك الجزئية: “أن برامج رعاية الطلبة المتفوقين والموهوبين قد لا تُنتج بالضرورة مخترعين وقادة ومفكرين قادرين على تغيير موازين الأرض، لكنها قد تضمن توفير البيئة التعليمية المناسبة لتنمية قدرات الفرد و مواهبه”، وهو ما نشير إليه في المقال (الموهبة كوظيفة) وما يتعارف عليه في الأوساط العلمية والتربوية برعاية الموهوبين. وقبل المحاولة في التمييز بين الصورتين (الموهبة كفن، والموهبة كوظيفة) لابد أن نلقي الضوء على أهم السمات والخصائص العامة للموهوبين، لكي تكتمل الصورة في محاولة للنهوض بتلك الصناعة والحرفة الهامة وشديدة الخطورة التي شابها كثير من الخلط في المفاهيم.
وقد أورد نور عزيزي(2012م) أربع سمات رئيسة – لها تفصيلات عديدة لا يتسع المجال لذكرها – للأطفال الموهوبين نقلاً عن العالمان ماسييه، وجانييه ” أهم تلك السمات والخصائص هي كالتالي:
- السرعة في التعلم
- سهولة التعلم
- التنوع في الاهتمامات
- التعمق في مجال معين
وبناء على تلك السمات والخصائص التي تعد الركيزة الهامة في الكشف عن الموهوبين، نجد أن أصحاب الموهبة هم الوحيدون الذين لديهم القدرة على تقديم إسهامات نوعية في حاضر المجتمع ومستقبله، لذا توجب على مؤسساتنا التربوية والاجتماعية العمل على اكتشاف تلك المواهب ورعايتها، وهنا تتحول الموهبة إلى وظيفة أو دور اجتماعي كأي وظيفة قد يؤول بها الحال إلى فقدان تلك المواهب أو اختفائها واندثارها وراء الروتين والبيروقراطية أو المحسوبية أحياناً أخرى إن لم تؤدى تلك الوظيفة على الوجه الأكمل، وهنا لابد أن نميز بين الصورتين: بين الموهبة كوظيفة وبين الموهبة كصناعة، ولكي نتحول من الصورة الأولى – على الرغم من أهميتها في استمرار الموهبة وتنميتها – إلى التوسع في الصورة الثانية وهي صناعة الموهبة، لابد أن يدرك الجميع أن صناعة الموهبة مسؤولية الجميع وأنه قد آن الأوان لتغيير القناعات والتصورات عن صناعة المواهب، وأن هذا التغيير لابد أن يبدأ من داخل الأسرة امتداداً ووصولاً لمؤسساتنا التربوية والتعليمية فإحداث التغيير داخل الأسرة والمدرسة والمؤسسة التربوية ككل ليس بالأمر الهين السهل وليس بالتمني، ولكنه يحتاج إلى عزيمة الرجال وصدق السرائر وإخلاص النية مع الله تعالى، وعمل دؤوب بحرفية وإتقان شديدين يسعى في النهاية لإيجاد من يتبنى تلك القضية داخل كل أسرة ومدرسة ومؤسسة، فصناعة الموهبة طريق طويل يحتاج إلى نفس طويل (علم + مهارة +إخلاص + وعزيمة) لتجنى الثمار والأرباح عاماً بعد آخر، كيفاً لاكماً، ولا مكان في هذه الطريق للهواة والمتفلسفين، فصناعة الموهبة هي فن يحتاج إلى علم ومهارة، ووظيفة لا غنى عنها.