افكار ومهارات
التدريب على مهارة المحادثة باللغة العربية للناطقين بغيرها
سنتحدث في هذا المقال عن مشكلات التدريب على مهارة المحادثة، وسنطرح بعض الحلول لها، لعلها تكون ناجعة، ثم بعد ذلك سنعرض لطريقة نراها مفيدة في التدريب على هذه المهارة إضافة إلى أهم الأنشطة التي يمكن تطبيقها.
لعلنا لا نُجانب الصواب إذا قلنا في البداية: إنّ معظم الطلاب الأجانب الذين يتعلمون اللغة العربية قد ينجحون في كل المهارات باستثناء المحادثة؛ ليس لأن المحادثة لا تشبه نظيراتها الأخريات من المهارات من حيث الصعوبة والسهولة، بل لأن وسائل تطويرها وأساليب عرضها غير دقيقة، وبالتالي فإن نتائجها -في الغالب- لا تُؤتي أُكُلَها. وهي إلى جانب ذلك تعاني من مشكلات، بعضها متعلق بالموضوع المطروح وطريقة علاجه، وبعضها الآخر متعلق بالطالب وببيئته التعليمية.
من حيث الموضوع تواجهنا بعض التساؤلات عند تدريس كتاب في هذه المهارة، لماذا تكون معظم الموضوعات التي يُطْلَبُ إلى الطالب مناقشتها مرتبطة ببيئته من حيث الزمان ومن حيث المكان، فمثلاً: معظم الموضوعات المطروحة للتعليم في تركيا ترجع إلى تاريخ فتح إسطنبول، وهي غالبا ما تنحصر ضمن أراضيها.
وإضافة إلى ذلك فإن تلك الموضوعات المطروحة للنقاش – في كثير من الأحيان- لا تأخذ مأخذها في قلب الطالب، ولا تشده، ولا تلفت انتباهه. فمثلاً: موضوع الحديث عن لباس سكان الريف ولباس سكان المدينة مُمِلّ، لا قيمة له لدى الطالب التركي، ولو استبدل بموضوع لباس النبي صلى الله عليه وسلم لكان أفضل وأزكى.
ومن المشكلات ما هو متعلق بطريقة التدريب المتبعة في تعليم العربية، حيث نجد فَصلا متعمدا وتجزيئا للغة الهدف، قُطّعت أوصالها إربا، وكُلّف بها أساتذة مختلفون لتدريب الطلاب عليها، فترى معلم القواعد ومعلم المحادثة ومعلم القراءة ومعلم الاستماع وهلم جرا. أو أن تجد كُتبا خاصة بكل مهارة أو كتابا يجمع المهارات على شكل وحدات شكلية لا تتصل ببعضها بعضا، وفي كلا الأسلوبين تتساوى المهارات من حيث طريقة العلاج، وتصب في مصلحة مهارة محددة.
لا شك في أن فصْل المهارات في العملية التعليمية يجعلها تتشابه ببعضها بعضا في طريقة العلاج؛ لأن جميعها سيبدأ بشرح المفردات ثم بالنص ثم بأسئلة فهمه. وإذ ذاك فليس للمهارات إلا اسمها في حقول تعليم العربية للناطقين بغيرها.
ومن المشكلات التي تعيق تطوير المحادثة لدى الطالب ما هو متعلق بالمعلم، فهناك مِن بين المعلمين مَن هو غير مقتنع بدرس اسمه المحادثة، وحجته أن الطالب يتحدث في القراءة والقواعد وباقي المهارات، فلماذا نخصص درسا للمحادثة! وكما أن من بين المعلمين من هو غير مقتنع بتخصيص درس للمحادثة فإننا نجد أيضا من بين الطلاب من هو غير مقتنع بدرس هكذا، وحجته في ذلك أننا لا نحتاج إلى المحادثة في أرض غير ناطقة بالعربية. وطالب ذو نظرة كهذه لن يتعلم المحادثة، ولو بذل المعلم قُصارى جهده.
وعلينا نحن المعلمين أن نقنع الطالب بأهمية المحادثة وانعكاساتها على تطوير باقي المهارات، حيث إن المحادثة تثبّت اللغة في الذهن، وهي وسيلة لا بد منها لإجادة أي لغة.
ومن مشكلات هذه المهارة ما هو متعلق بالفترة الزمنية. لا شك أن الفترة التي يقضيها الطالب في ممارسة اللغة هي فترة غير كافية لخلق متحدث باللغة مع العلم أننا ندرك أنه من النادر أن يحقق طالب طلاقة في لغة إذا اقتصر فقط على ما يتعلمه في الفصل الدراسي. فإذا كان طالبنا يشترك في درس المحادثة مع خمس وعشرين طالبا خلال أربع ساعات أسبوعيا فمن الممكن أن يفوز خلال العام الدراسي التحضيري بخمس ساعات في الحديث.
وإذا قارنا حال تعلم الطفل للغة مع حال الطالب نجد أن الطفل يتحدث بما له صلة بعالمه وبما له قيمة لديه تلك الساعات الخمس خلال أسبوع واحد.
وبناء على ذلك فإن مسألة إتقان اللغة ليست متعلقة بالعمر بقدر ما هي متعلقة بالبيئة؛ فإذا توفر للطالب الكبير ما يتوفر للصغير فيمكن أن يتفوق عليه، لأنه يتعلم اللغة بطريقتين حسب نظرية (كراشن) بطريقة الاكتساب وطريقة القياس.
وحتى لو سلمنا جدلا بتعرض الطالب للغة في الفصل الدراسي فهو لا يحتك بمتحدثيها؛ لأنه لا بد من وجود الاحتكاك اللغوي حتى يتم الاكتساب الناجح للغة الأولى. فالأطفال لا يتعلمون اللغة من مجرد استماعهم إلى كلام الآخرين أو استماعهم إلى المذياع، ولكن يتعلمونها بسبب كونهم جزءا من الحديث اللغوي نفسه، حيث يتم الحديث معهم، ويستجيبون له.
– بعض الحلول
لاختيار موضوعات جذابة تستنطق الطالب، وتسهم في رفع كفاءته في هذه المهارة لا بد أن نعتمد على أخصائيين في علم نفس الشباب، وأخصائيين في علم المجتمع؛ فما يصلح في بيئة لا يصلح -بالضرورة- في أخرى، وما يكون مُهما في بيئة قد يكون مُهمَلا في بيئة أخرى. وأن أساس بناء منهج في هذه المهارة يجب أن يقوم على ثلاثة أسس: الأساس النفسي واللغوي والثقافي.
يجب أن تكون الوحدة التعليمية وحدة حقيقية مترابطة، كالجسد الواحد يشد بعضه بعضا، حيث تكون القواعد هي العمود الفقري للوحدة، والقراءة هي القلب، والاستماع والمحادثة هي باقي الأعضاء.
الاحتكاك شرط أساسي لإتقان ما يسمى بالكفاية الاتصالية، ولقد فرق البحث العلمي في الكفاية الاتصالية خلال السبعينيات بين الكفاية اللغوية والكفاية الاتصالية، وذلك بإيضاح الفرق بين معرفة قواعد اللغة وأشكالها، وبين المعرفة التي تمكّن الشخص من الاتصال الوظيفي التفاعلي.
و لعل كمال تعلم اللغة لا يتمثل في إتقان أشكالها فحسب، بل لا بد من استعمالها في تحقيق الوظائف الاتصالية للغة ضمن سياقها الطبيعي.
وتعد لغة قاعة الدرس والمدرسة من الاتصال غير الطبيعي، بينما يعتبر الاتصال المباشر وجها لوجه مع الناس من الاتصال المستند إلى سياق طبيعي.
وفيما يتعلق بجانب البيئة والاحتكاك فمن الصعب إرسال الطالب إلى بلد ناطق بالعربية، إذا حصل وسافر فلن يسمع اللغة التي تعلمها في الفصل، وإذ ذاك فيتوجب علينا أن نصنع قرى لغوية يتم فيها التدريب الحقيقي على المحادثة. وقد عمل بعض المختصين في المجال على توفير مثل هذه البيئة فحصل على نتائج طيبة، ولكن تبقى جهودا فردية.
– الطريقة المقترحة لتدريس مهارة المحادثة
و معلوم أيضا -حسب ما رأيناه- أنّ استراتيجية التعلم من الأقران في مهارة المحادثة لا تقبلها ذهنية الطالب التركي، وكذلك استراتيجية المجموعات، فوضع هذه الاستراتيجيات غير صحيّ؛ لأنها -برأيه – لا تضيف له شيئا، وهي مضيعة للوقت؛ إذ كيف له أن يحادث زميله الذي يعرفه بلغة غير لغته؟ وأضف إلى ذلك فإن زميله – بنظره- عاجز عن تصحيحه إذا أخطأ، وهو عاجز أيضا عن الإتيان بالصحيح التام من اللغة.
ما الحل لهذه المشكلة إذن؟ لعل في طريقة الخرائط الذهنية في تدريس المحادثة نجد بُغيتنا، فهي تُعد أسهل طريقة لإدخال المعلومات إلى العقل وإخراجها منه، وهي إضافة إلى ذلك ترفع من كفاءة التعلم والاستيعاب، ومن ثم يتم تخزين المعلومات في الدماغ لأطول مدة ممكنة؛ لأنها تجمع بين الصور والكلمات، وتربط المعاني المختلفة بعضها بعض عن طريق الفروع المستخدمة في رسمها. فمثلا إذا كان الحديث عن رحلة فالخطوة الأولى نرسم الخريطة الذهنية في القسم الأيمن من السبورة بهذا الشكل:
وأما القسم الآخر من السبورة فنخصصه للمفردات والتعبيرات.
نرسم الخريطة بالتعاون مع الطلاب، ويجب أن يملأ قسما السبورة بوساطة المناقشة والحوار مع الطلاب.
وبعد رسم الخريطة وكتابة المفردات والتعبيرات تأتي المرحلة الثانية، وهي: حديث المعلم، يتحدث المعلم بأسلوب عربي فصيح عن الموضوع، فيُثريه بقصص واقعية أو خيالية لها معنى، فإذا كان الدرس عن اختلاف العادات فليتحدث عن العادات والتقاليد في بلده ضمن الخريطة الذهنية التي رسمها، وعليه أن يختار الطريف من الأحداث، والمُلفت منها. وبذلك يتحقق لدينا في هذه الخطوة هدفان: الأول هو أننا قدمنا للطالب نموذجا للمتحدث المثالي الذي يرنو الطالب إليه، وأما الثاني فإننا نخلق بذلك قناعة لدى الطالب بأنه معلمه هو المعلم الحقيقي والمثقف، وهذا يؤدي إلى خلق علاقة حب بين الطالب ومعلمه، فيتبعه ويحذو حذوه في الحديث.
وأما المرحلة الثالثة من درس المحادثة فتُخصّص لحديث الطالب: وهنا يطلب المعلم من كل طالب أن يتحدث في الموضوع، ويطلب من الآخرين الاستماع وتسجيل الملاحظات.
وقبل نهاية الدرس يمكن للمعلم أن يختمه بنشاط من الأنشطة، والأنشطة الصفية متنوعة، ولعب الدور هو أبرزها لأنه يصلح لكل المستويات.
– أنشطة المحادثة حسب المستويات
أ- المستوى الابتدائي
– يطلب المعلم من طالب الوقوف أمام الطلاب، ثم يطلب من الآخرين أن يسألوه أسئلة تتعلق بالموضوعات التي درسوها. ولهذا النشاط أهداف عدة منها أن الطالب يتعلم السؤال وفي الوقت نفسه يتعلم الإجابة.
ومن خلال هذه الإجابة يتعلم الطلاب كيفية انتقاء الكلمات، وبناء الجمل، وعرض الأفكار.
– المناقشة الثنائية: يختار المعلم موضوعا مناسبا لمستوى الطلاب، ويطلب منهم التحدث مثنى مثنى في هذا الموضوع المطروح لمدة زمنية هو يحددها.
– حفظ بعض الحوارات والإجابة الشفوية عن أسئلة مرتبطة بنص قرؤوه. الحفظ يفيد ولكن لا يؤدي إلى تطوير الحديث، كما أنه يفيد في المستويات الأولى، حيث يكون الطالب مستعدا لحفظ ما يستعين به على الكلام، وحيث تكون المادة سهلة حوارية بسيطة، أما بعد ذلك فيجب أن نجد طريقة ليكون الطالب جزءا من الحديث اللغوي العفوي، الحديث اليومي المنتشر بين الناس، لا ذاك الحديث المصطنع في المواقف الرسمية واللقاءات التلفزيونية.
– التحدث تحت ضغط الوقت: نطلب من الطلاب في كل درس أن يحضروا أنفسهم للحديث فردا فردا مدة من الزمن بشكل مستمر دون توقف. وحساب الزمن يكون على الشكل الآتي: فكل درس يمنح الطالب دقيقة إضافية في الحديث.
– إسماع الطلاب نصا في الموضوع نفسه مرة أو مرتين ثم الطلب منهم الحديث عن هذا الموضوع. وهذا النشاط إضافة إلى تطويره مهارة المحادثة يطور مهارة التذكر.
– أن يكلف طالبا بتوصيل رسالة عن طريق الإشارة، وعلى الطلاب أن يُخَمِّنوا المعنى ويعبروا باللغة.
– أن يذكر المعلم بداية قصة ويطلب من كل طالب أن يكمل بعضها جهرا، والآخرون يستمعون.
– تشجيع الطلاب على تقليد الأطفال في سلوكهم ما أمكن وأن يتركوا السلطة للمدرس. كما يشجَّعون على تقمص أدوار وأسماء متحدثي اللغة الأجنبية الأصليين كي يصبحوا إيحائيين.
– الاستدعاء: اذكر موقفا مرت به هذه الكلمات. في أي موقف يمكن أن تمر هذه المفردات؟ فمثلا كلمة (سقط)، ما الموقف الذي مر بك وقد كنت بحاجة إلى استخدام هذه الكلمة؟
– قراءة حوار وتمثيله: تمثيل الحوار له فائدة كبيرة، لأنه يقرب الحديث من السياق الطبيعي للكلام، ويمكن أن يكون بين طبيب ومريض أو بين صاحب فندق ونزيل أو بين سائق سيارة أجرة وزبون…
– التدريب الهرمي يقول المعلم كلمة ويطلب من الطالب إضافة هذه الكلمة لتصبح جملة، ثم يطلب من طالب آخر تكرار هذه الجملة والإضافة عليها، وهكذا حتى تمر على كل الطلاب.
– يمكن إسماع الطلاب شيئا من الموسيقى والطلب منهم التحدث عن شعورهم. وهذه طريقة جيدة للتخلص من القلق الذي يمنع الطالب غالبا من الحديث.
– نشاط التخيل: يطلب المعلم من الطلاب أن يصمتوا لمدة خمس دقائق ليتخيلوا حوارا مع طرف آخر، أو يفكروا في موضوع خيالي له علاقة بأحلامهم. وبعد انتهاء المدة يسمع المعلم من كل طالب ما تخيله.
– دفع الطلاب إلى كتابة قصائد في اللغة العربية ليعبروا عن شعورهم.
– أن يمثل الطالب قصة بالحركات وعلى الطلاب الآخرين أن يخمنوا الأحداث والزمن والمكان والشخصيات.
– الرسم على السبورة والطلب من الطلاب أن يخمنوا الحكاية التي تحملها هذه الرسومات. ويمكن أن يقوم بها المعلم أو طالب يجيد الرسم. كما يجب تكليف الطلاب بتحضير الرسم في البيت لرسمها على السبورة أو إظهارها للطلاب ليخمنوا الحكاية التي يمكن أن تعبر عنها.
– تشجيع الطلاب على تكوين مجموعات للحديث باللغة العربية في مكان الدراسة، حيث يكون حديثهم باللغة الهدف سائر اليوم. ولهذا نتائج عجيبة في تطوير مهارة المحادثة أقلها كسر حاجز الخوف.
ب- المستوى المتوسط
يرتفع مستوى المواقف التي يتعلم الطلاب من خلالها مهارة الكلام. ومن هذه المواقف:
– لعب الدور: إن نشاط لعب الدور يصلح في كل المستويات، و في هذا المستوى يختار الطالب دوراً سياسياً مشهوراً يحبه أو دور عالم من العلماء أو غير ذلك. فمثلا، في إحدى دروس المحادثة اختار طالب من طلاببي لعب دور شخصية رئيس البلاد، واتفق مع زميله أن يأخذ دور مقدم البرامج في التلفاز. وجرى الحوار وقد كان ملفتا للنظر وجميلا.
– لقاء تلفزيوني في موضوع معين، كفصول السنة مثلا. ويكون بين مذيع وضيف، حيث يسأل المذيع الضيف بعض الأسئلة تتعلق بالفصول والفاكهة والخضروات هذا العام، والبيت هل هو صغير أو كبير، والعائلة وغيرها من الموضوعات حسب المستوى.
– إدارة الاجتماعات: يقوم بهذا النشاط مجموعة من الطلاب، حيث يأخذ أحدهم دور رئيس الاجتماع بينما يأخذ الآخرون دور الأعضاء. ويتناقشون في موضوع ما: السلبيات والإيجابيات.
– وصف الأحداث التي وقعت للطالب: يطلب المعلم من الطلاب وصف أهم الأحداث التي وقعت له حسب الموضوع، أو الأحداث العجيبة التي حدثت له خلال مراحل حياته، ومدى أثرها في نفسه أو حياته.
– إعادة ورواية الأخبار التي سمعوها في التلفاز والإذاعة، وإلقاء تقرير مبسط عنها، مع طرح الرأي فيها.
– تكليف الطلاب بتحضير صور تحكي عن بلده، وكل صورة تتناول موضوعا ضمن موضوع عام، وهو موضوع المدينة.
– قراءة قصة وإلقاؤها أمام الطلاب في الصف: يقرأ الطالب قصة يختارها المعلم له، وعليه أن يرويها أمام الطلاب في الصف.
ج- المستوى المتقدم
– إلقاء خطبة: لإلقاء الخطبة تأثير قوي في تعلم اللغة؛ لأنها تعتمد على حفظ المفردات المشحونة بعاطفة الموضوع. والخطبة التي يلقيها الطالب أمام زملائه تبقى في ذاكرته فترة أطول، ومن الصعب أن ينساها.
– المسرحية: تحتاج المسرحية إلى تحضير مسبق، ويختلف عدد الطلاب المشتركين حسب الموضوع وحسب عدد الشخصيات، ثم تمثل أمام الطلاب.
– المُناظرة: يقسم الطلاب إلى قسمين، ويكون أحد القسمين معارضا للآخر، ويكون المعلم أو واحد من الطلاب مدير المناظرة، ويبدأ النقاش في موضوع من الموضوعات، مثلا: دور تركيا في المنطقة.
– وصف مظهر من مظاهر الطبيعة: وهذا لا يكون وصفا عاديا بل يكون أقرب إلى كتابة الشعر.
– كتابة قصة من خيال الطالب وإلقاؤها أمام الطلاب.
– الحديث عن دولة: وللحديث عن الدولة منافع كثيرة في شتى الجوانب، وخاصة الجانب الثقافي؛ إذ يتعرف الطالب على ثقافة جديدة. تلك الثقافة تشد انتباهه وتلفت نظره. فمثلا، في مرة من المرات كان طالب من طلابي يتحدث لزملائه عن كوريا الشمالية، وعادات الكوريين وتقاليدهم في المطعم والمشرب والملبس، ونمط التفكير والعيش هناك، وتناول أيضا أهم الأماكن التاريخية فيها. كنت أرصد مدى أثر هذا الموضوع على الطلاب، فوجدت أنهم كانوا منتبهين بشدة، وإنهم قد تمنوا ألا ينتهي الحديث. ولما كان الحديث قبل شهرين عن مدينة من مدن تركيا لم يكن الانتباه كسابقه، لأنهم في الأصل يعرفون هذه المدينة وما تحتوي عليه من ثقافات وعادات؛ ولذلك لم يكن هناك شد واستمالة وجذب كمثل تلك.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض المشتغلين في المجال يلحون على أن تكون الدروس محصورة في البيئة التركية طعامها وشرابها ومأكلها وعاداتها وتقاليدها وسلاطينها وجوامعها وحجتهم في ذلك أن الطالب بهذه الدروس لا يشعر بالغربة والاغتراب.
وأمام هذا الإلحاح ألح وأنادي أن تكون الدروس من خارج البيئة المقصودة، وذلك لكي نعلمه اللغة؛ فلا يمكن أن تُعَلَّمَ اللغةُ دون ثقافتها، كما تقول إليزابيث بيترسون Elizabeth Peterson إن الطلاب لا يستطيعون إتقان اللغة إلا إذا تمكنوا من فهم السياقات الثقافية التي يتم فيها استعمال اللغة.
المهم في هذا كله أن يراعي المعلم الرصيد اللغوي عند الدارسين، وكذلك اهتماماتهم، ومدى ما لديهم من خبرة عن موضوع الحديث.
– البيئة المصطنعة: إنّ خير نشاط لتطوير المحادثة في غير بيئتها الطبيعية هو البيئة المصطنعة: وهي تلك البيئة التي نفرض على المشتركين فيها التكلم باللغة الهدف، وذلك في كل حركات الطالب وسكناته، في طعامه، وشرابه، وخلال ألعابه، حتى في زيارة الطبيب. وهذا ما حدث فعلاً في بعض التجارب خارج الأراضي التركية وداخلها، مثل: معهد تعليم اللغة العربية للناطقات بغيرها بجامعة الأميرة نورة، ومعهد الراية بأندونوسيا (سوكابومي- جاوا الغربية)، وأما في تركيا فقد قام بعض المعلمين بتوفير شروط هذه البيئة عبر معسكر مغلق لبعض الطلاب، وكانت النتائج حقا مذهلة.