افكار
الأطر النظرية التي تحدد تصميم التدريس
تتنوع عمليات التعليم المقصودة وغير المقصودة، إلا أن التدريس يختص بالتخطيط المسبق، فالحديث عنه يتطلب نهجا منطقيا ومنظما لعمليات تصميم وتنفيذ وتقويم العلمية التعليمية وذلك لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة منه.
وكانت الأهداف والغايات تركز على كم المعرفة التي ينبغي تزويد المتعلم بها، أما حديثًا بتطور علم النفس التربوي ونظرياته ظهر تصميم التدريس، والذي يتطلب من المعلم الاهتمام ببعض الاعتبارات عن كيفية تقديم الحصة وتنظيم المعرفة بناءً على خبرات المتعلمين وحاجاتهم وقدراتهم.
لذا فإن تصميم التدريس هو تطبيق للمواصفات التعليمية التي ظهرت كنتاج لنظريات التعلم، يشمل تحليل الواقع والأهداف المرجوة وتطوير للتدريس لتلبية الاحتياجات من خلال تخطيط وتصميم وتنفيذ وتقويم وتطوير جميع الوسائل والأنشطة التعليمية.
مفهوم تصميم التدريس : Science of Teaching Design
يعرفه يوسف (2008، ص 64) بأنه “عملية التخطيط للتدريس تستهدف رسم الخطوط والإجراءات العامة والتفصيلية لعناصر وخطوات التدريس تنطلق من مبادئ ونظريات ونماذج التدريس وتحدد كيفية تنفيذ عملية التدريس على النحو الذي يحقق الأهداف المرجوة”.
كما عرفه سلامة (1424هـ، ص 19) تصميم التدريس بأنه “علم يبحث في كافة الإجراءات والطرق المناسبة لتحقيق نتاجات تعليمية مرغوب فيها والسعي لتطويرها تحت شروط وظروف محددة”.
وبالتالي فإن علم تصميم التدريس يهتم بفهم وتحسين وتطبيق طرق التدريس، كما يتناول بمنطقية إجراءات تنظيم التعليم وتخطيطه وتطويره وتنفيذه وتقويمه بما يتفق وخصائص المتعلم، وذلك من خلال وصف أفضل الطرق التعليمية التي تحقق الأهداف التعليمية المرغوب فيها وتطويرها.
تطور علم تصميم التدريس :
أشارت ماجدة السيد وآخرون (1421هـ) إلى أنه من العلوم التي ظهرت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين (15-20سنة) في مجال التعليم. ما يعرف باسم علم تصميم التدريس وهو علم يصف الإجراءات التي تتعلق باختيار المادة التعليمية المراد تصميميها وتحليلها، وتنظيمها وتطويرها، وتقويمها، وذلك من أجل تصميم المناهج التعليمية، وتعود جذور هذا العلم إلى:
- الدراسات التي أجريت في حقل التربية وعلم النفس وبخاصة ما يتعلق بسيكولوجية الفروق الفردية وعملية التعلم الذاتي والتعليم المبرمج.
- الدراسات المتعلقة بنظريات التعلم وعلم السلوك الإنساني.
- التكنولوجيا الهندسية التي بحثت أهمية التعلم الذاتي.
- الدراسات التي بحثت في أهمية الوسائل السمعية والبصرية في عملية التعلم.
وتعزى ولادة هذا العلم وظهوره إلى التربوي (جون ديوي) صاحب فكرة الروابط العلمية أي الربط بين نظريات التعلم والمواقف التربوية إذ لا يتم التعلم إلا عن طريق الخبرة والعمل.
الأطر النظرية المحددة لتصميم التدريس: identified theoretical frameworks
هناك سبعة أطر نظرية تعد أساساً لتصميم التدريس وهي:
الإطار الأول: طريقة حدوث التعلم: How to Occur Learning
يذهب علماء النظرية السلوكية إلى أن التعلم هو تغير في السلوك نتيجة المرور بخبرة أو تدريب.
ويمكن اختصار خطواته كما في العدوان وآخرون (2008م، ص16) بـ “تحديد الأهداف السلوكية – اختيار المحتوى – تحديد مستوى الأداء المتوقع من المتعلم – ضبط البيئة التعليمية – تنفيذ عملية التعلم – تعزيز فوري ومناسب للمتعلم “.
أما التعلم في النظرية المعرفية فهو يركز على اكتساب المعارف، ويتلخص مفهومها للتعلم في:
– التعلم هو تغير للمعارف عوضاً عن تغير السلوك، يظهر كنشاط ذهني يفترض عمليات الإدراك والفهم والاستنباط، كما أن التعلم لا يكمن فقط في إضافة معارف جديدة (الكم) بل كذلك في تشكيلها وتنظيمها وتشكيلها في بنيات (الكيف) من قبيل: الفئة، النموذج الذهني، النظرية، مع التأكيد على أنه يكون تابعًا للمعارف السابقة، لأنها تحدد ما يمكن أن يتعلمه الفرد لا حقا؛ فالتعلم هو نتيجة التفاعل المتبادل بين الفرد والمجتمع المحيط.
وفيما يتعلق بالنظرية البنائية والتي تعتبر من المفاهيم الحديثة نسبيا في التعلم. ولا يوجد تعريف موحد واضح للبنائية باستثناء المعجم الدولي للتربية الذي عرفها على أنها: رؤية في نظرية التعلم ونمو الطفل، قوامها أن الطفل يكون نشطا في بناء أنماط التفكير لديه، نتيجة تفاعل قدراته الفطرية مع الخبرة.
وهناك بعض المؤشرات التي يستطيع المعلم من خلالها أن يعرف مدى حدوث التعلم لدى طلابه، وهذه المؤشرات هي:
نقص الزمن: فكلما قل الزمن المستغرق بين تقديم موضوع الدرس، أو المثير، وحدوث الاستجابة أو التعلم، دل على تعلم الشخص من الموقف التعلمي.
قلة عدد الأخطاء: وهو دليل على الصحة، وعلى الدقة، وعلى الجودة في التعلم.
الزيادة في التحصيل: فكلما زاد التحصيل، واكتساب المتعلم للمعلومات والمعارف دل ذلك على حدوث التعلم.
الإطار الثاني: العوامل التي تؤثر على التعلم Factors that affect learning
هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على التعلم، كما أشار إليها العدوان وآخرون (2008م) وفرح (2010م), وهي:
- الاستعداد وخصائص المتعلم الجسمية والعقلية والمعرفية والوجدانية والاجتماعية والتي لها تأثير على حياة الفرد بكل أبعادها.
- الدافعية والتعزيز المناسب الذي يقدم للمتعلم، لأن الاستجابة المعززة تهيء لظهور استجابات مرة أخرى.
- البيئة ومتغيراتها وشروطهاحيث يولي السلوكيون أهمية عظمى للبيئة، ويعرّف التعلم على أنه تغير أو تعديل في سلوك الفرد، وهو تغير ناتج عن الخبرة أو الممارسة وضبط المثيرات البيئية.
- الخبرات التي يمر بها المتعلم.
الإطار الثالث دور الذاكرة The Role of Memory
تتحدد خبرات المتعلم بالسلوك الذي لاقى تعزيزاً كافيا إلى تثبيتها واسترجاعها عند الحاجة، لذلك يعد التذكر مرادفاً للخبرات المعززة في حين أن النسيان يرادف الخبرات متدنية التعزيز، وعليه فان الذاكرة ضمن هذا النظام هي مجموعة من المثيرات المحددة بروابط تبعها تعزيز مناسب. ويتحدد ظهور الاستجابة المناسبة من الذاكرة بكمية التعزيز المقدم أثناء تشكيل التعلم وفق تسلسل تعزيزي لاستجابات مناسبة ومتتابعة. (ماجدة السيد وآخرون، 1421هـ)
وقد أشار عبدالله (2003م) إلى مراحل الذاكرة البشرية، وهي:
- مرحلة الترميز: وتقوم هذه المرحلة على مبدأ تحويل المعلومات إلى رموز ذات معنى مرتبطة بالخبرات السابقة، بهدف إعدادها للتخزين. ويشترط الترميز السريع سهولة تكرار المعلومات، والتنظيم، وإمكانية التلخيص.
- مرحلة التخزين والاحتفاظ: ويقصد بها قدرة المتعلم على الاحتفاظ بالمعلومات المرمزة لفترات زمنية متفاوتة، وهناك عدة عوامل تؤثر على ذلك أهمها: تداخل المادة المتعلمة وفترات الزمن بينها، كما يؤثر التعب ونوعية الغذاء والأدوية المستهلكة على عملية التخزين.
- الاسترجاع أو التذكر: ويقصد بها مرحلة استرجاع المعلومات من الذاكرة عند الحاجة لهاK ويعتمد ذلك على طريقة ترابط هذه المعلومات وسياق الموقف الذي يتطلب استرجاعها.
الإطار الرابع: انتقال التعلم والتدريب Learning and Training transmission
إن التعلم يتم انتقاله بتطبيق الخبرة المتعلمة بطريقة جديدة في مواقف جديدة، وله أهمية في تحديد أثر التعلم السابق على التعلم اللاحق، فالانتقال يتم نتيجة للتعميم أي أن هناك صفات أو عناصر متشابهة ومشتركة أو متقاربة بين الخبرات القديمة والخبرات الجديدة تساعد على نقل الخبرات السابقة وتعميمها على الخبرة الجديدة. (الحموز، 2004م)
ويرى (جانييه) أن الانتقال نوعان هما:
- الانتقال الأفقي Horizontal: وهو الانتقال الذي تكون فيه العناصر متكافئة ومتساوية في الصعوبة.
- الانتقال العمودي Vertical: و يتم حينما يحتاج المتعلم خبرات أساسية للانتقال إلى مستوى أعلى من الصعوبة ويشترك مع الخبرات السابقة في الأساسيات.
وأشار العدوان وآخرون (2008م) إلى أن هناك نوعان لانتقال أثر التدريب، وهما:
الانتقال الموجب Positive: وهو ما أشار إليه ” ثورندايك “ حيث يتم من خلال التدريب على ما يتوفر فيه عناصر مشتركة ومتشابهة بين الاستجابات المتعلمة فإذا أتقن المتعلم التدريب على هذه العناصر أصبح قادرا على تعلم الخبرات أو المهارات التي تترابط أو تتشابه بها إذ إن الخبرات القابلة للانتقال هي التي تتشابه عناصرها ومكوناتها العامة.
الانتقال السلبي Negative: وهو ما أشار إليه ” جيتس وألكسندر واش” إلى أن هناك ما يسمى بالانتقال السلبي ويعني أن بعض الخبرات تعيق نقل خبرات جديدة.
الإطار الخامس: نواتج التعلم المفضلة Preferred Learning Outcomes
إن تحقيق نتاجات التعلم تتم بسهولة عن طريق التعميم والتمييز الذي يقوم بها المتعلم (والتعميم يشير إلى وجود الصفات المتشابهة والعلاقة المشتركة، بينما التمييز يشير إلى وجود الاختلاف في الصفات) لكي تساعده على استدعاء الحقائق والمبادئ والمفاهيم والروابط واكتساب الخبرات المتعلمة وفق إجراءات معينة. (الحموز، 2004م، ص 47).
ونستنتج من ذلك أن نتاجات التعلم هي المعارف والمعلومات والقيم والاتجاهات والعادات والمهارات المختلفة التي يكتسبها المتعلم من البيئة.
الإطار السادس: افتراضات النظرية التي تتعلق بتصميم التدريس Theoretical assumptions
بدأت تظهر في السنوات الأخيرة تطبيقات التعلم المتنوعة والتي تؤكد أغلبها على دور المعلم في تصميم التعليم من خلال:
- صياغة الأهداف، والنتاجات التعليمية النهائية للمتعلم.
- إجراء اختبار قبلي يحدد نقطة البدء في موقف التعلم والتدريب.
- تأكيد إتقان الخطوات الأولية البسيطة قبل التقدم نحو مستويات أكثر تعقيداً متمثلة في تدرج العرض التدريبي وتتابعه وإتقان التعلم.
- استخدام التعزيز الذي يقوي التعلم، ويعمل على صيانته من خلال المعززات المحسوسة، والتغذية الراجعة المستمرة.
- استخدام التلميحات والتشكيل والممارسة لتأكيد الروابط القائمة بين المثيرات والاستجابات لتعمل على تسريع التعلم، الذي يتدرج من البسيط إلى المعقد.
- اتباع المتعلم والمتدرب بعض أنماط السلوك التي تؤدي إلى معرفة النتائج مما يعزز تلك الاستجابة المعززة ويقويها، ويزيد من احتمال ظهورها.
- التغيير أو التعديل دائم وثابت نسبياً ويقاوم الزوال بمقدار ما يحقق المتعلم من تعزيز أثناء عملية التعلم.
الإطار السابع: أسلوب تنظيم الموقف التعليمي Organizing the Educational Situation
إن هدف النظرية السلوكية أن يستمر المتعلم في تحقيق الاستجابة المرغوبة، لذلك فهو يدعو إلى استخدام مجموعة من المثيرات في المواقف التعليمية المستهدفة.
ولكي تتحقق الاستجابات المناسبة للمواقف التعليمية المحددة، لابد من اتخاذ أسلوب مناسب يتمثل في ترتيب الموقف التعليمي وتسلسله وتدرجه وزيادة احتمالية الاستجابة وزيادة فرصة اتباعها بتعزيز من أجل تسهيل التعلم وتحقيق النواتج المرغوبة. (الحموز، 2004م، ص49)
أما هدف النظرية المعرفية فهو اكتساب المعارف، حيث أن التعلم هو نشاط ذهني يفترض عمليات الإدراك والفهم والاستنباط، مع الاهتمام بالمعارف الجديدة وتشكيلها وتنظيمها، ويكون التعلم تابعا للمعارف السابقة، لأنها تحدد ما يمكن أن يتعلمه الفرد لا حقا.
أما النظرية البنائية فتقول أن المتعلم يكون المفاهيم ويضبط العلاقات بين الظواهر بدل استقبالها عن طريق التلقين، مع ضبط العلاقات الرياضية، واكتساب مناهج وطرائق التعامل مع المشكلات وتبني المعرفة الاستكشافية عوض الاستظهار، والتدرب على التعامل مع الخطأ كخطوة في اتجاه المعرفة الصحيحة، والاقتناع بأهمية التكوين الذاتي.