لعل التطوّر الذي طرأ على مفهوم المنهج التعليمي في ظل الفـلسفـة التربوية الحديثة، أدى إلى تغيير مفهوم المنهج وتطويره من المفهوم الضيّق التقليدي الـذي اقتصرت أهـدافه على تحقيق النمـوّ المعرفي، مـن خلال المقرّرات الـدراسية إلى المفهـوم الـواسع والحديـث الـذي يتضمّن – حسب النظرية التربوية الحديثة – كلّ الخبرات التي تقدم للمتعلّم .
فبهذا المفهوم الحديث للمنهج التعليمي، تصبح الأنشطة المدرسية ركيزة مهمة من ركائز المنهج ودعامة قوية من دعائمه، بما يحقق أهداف التعليم في المراحل الدراسية المختلفة.
وتنبثق أهمية النشاط المدرسي من قيمته التربوية، فالأنشطة لها تأثيرها المباشر على العديد من سمات الشخصية لدى التلاميذ وذلك نظرًا لاستجابة تلك الأنشطة لميولهم ورغباتهم وحاجاتهم وتأثيرها على اتجاهاتهم. كما أن أهمية الأنشطة المدرسية تبدو واضحة في الأدبيات التربوية، حيث أثبتت الدراسات الدور الإيجابي لهذه الأنشطة المدرسية في العملية التعليمية والتربوية بشكل عام وفي سلوكيات التلاميذ بشكل خاص.
1- الأنشطة المدرسية … إشكالية مفهوم أم اختلاف مصطلح؟
نسمع كثيرًا عن مصطلح (الأنشطة اللا منهجية)، وهو مصطلح يوحي بأن هناك أنشطة مدرسية لا ترتبط بالمنهج … ولعل هذا يقودنا للحديث عن الخلط السائد بين مصطلحي (منهج) و(مقرر) دراسي.
فالمنهج Curriculum بمفهومه الحديث يعني: جميع خبرات التعليم والتعلم (المعرفية، والمهارية، والوجدانية) الهادفة التي يتم التخطيط لها بشكل فردي أو جماعي، وتحقق قدرًا كبيرًا من التفاعل بين المعلم والمتعلم، وتتيح ممارسة العديد من الأنشطة داخل مؤسسات التعليم أو خارجها.
أما المقرر الدراسي Course: فهو العناوين والموضوعات والعناصر الرئيسة التي يدور حولها المحتوى العلمي لأي منهج أو برنامج تعليمي، أو دراسي، موجه لأي فئة أو مجموعة من الدارسين.
ويتضح مما سبق أن المنهج أشمل وأعم، وبذلك فهو يشمل جميع الأنشطة التي تنطلق من المدرسة وفق تخطيط محدد، بهدف إكساب التلاميذ المعرفة أو المهارة أو السلوك والقيم والاتجاهات، سواء كانت تلك الأنشطة متضمنة بصورة مباشرة في المقرر الدراسي كالأنشطة التعليمية أو غير متضمنة بصورة مباشرة كالأنشطة التي تنظمها المدرسة من رحلات وزيارات ومسابقات وغيرها.
وبذلك يتضح أن مصطلح (الأنشطة اللا منهجية) مصطلح غير دقيق، فإذا كانت هذه الأنشطة لا تحقق غايات المنهج وأهدافه فلم هي إذن؟ وإن كانت تحقق أهدافه فهي إذن أنشطة منهجية.
كما أن مصطلح (الأنشطة اللا منهجية) يعطي انطباعًا بعدم أهميتها، مما ينعكس سلبًا على نظرة المعلمين والتلاميذ تجاهها، كما أنه يتنافى مع تعريف دائرة المعارف الأمريكية (Encyclopedia of American Education, 1992: 68) للنشاط المدرسي، بأنه يتمثل في البرامج التي تنفذ بإشراف وتوجيه المدرسة، والتي تتناول كل ما يتصل بالحياة الدراسية وأنشطتها المختلفة، ذات الارتباط بالمواد الدراسية، أو الجوانب الاجتماعية والبيئية، أو الأندية ذات الاهتمامات الخاصة بالنواحي العملية، أو العلمية، أو الرياضية، أو الموسيقية، أو المسرحية، أو المطبوعات.
وسنسلط الضوء في هذا المقال على محوري التخطيط والتقويم للأنشطة المدرسية، باعتبارها دعامة من دعائم المنهج بمفهوم التربية الحديثة وتساعد في بناء الجانب النفسي والاجتماعي والقيمي والجمالي والحركي عند إنسان المستقبل.
2- التخطيط للأنشطة المدرسية ضرورة لا ترف:
يعتبر التخطيط مرحلة أساسية من مراحل العمل التربوي، إذ إنه يمثل مرحلة التفكير والتصور والمفاضلة بين الطرق والأساليب المختلفة، لاختيار أفضلها لتحقيق الأهداف، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانات البشرية والمادية المتاحة، والظروف المحيطة. ويتضمن تخطيط الأنشطة المدرسية مرحلتين هما:
مرحلة تحديد الأهداف: إذ يعد تحديد الأهداف خطوة مهمة للغاية، من أجل تحديد المسار المناسب لنجاح التخطيط. وينبغي أن تشتق الأهداف العامة لخطة الأنشطة المدرسية من الخطة الاستراتيجية للمدرسة مستصحبة رؤيتها ورسالتها، كما يجب أن تكون هذه الأهداف مرتبطة بمعايير المواد الدراسية وأهدافها. وعلى القائمين على الأنشطة ترجمة الأهداف العامة إلى أهداف ذكية تتوافر فيها الشروط التي يذكرها الفكر الإداري التربوي ومنها: أن تستند تلك الأهداف إلى فلسفة تربوية وسيكولوجية سليمة، وأن تكون واضحة في صياغتها ،قابلة للقياس، واقعية تراعي الإمكانات البشرية والموارد المتاحة.
مرحلة بناء خطة الأنشطة المدرسية واعتمادها: بعد أن يتم تحديد الأهداف وصياغتها بوضوح، تحدد البرامج والمشروعات التي يمكن من خلالها تحقيق تلك الأهداف، وفق الموارد المتاحة.
ومن خصائص خطط الأنشطة المدرسية الناجحة، أن تراعي الشمولية في برامجها، لتغطي الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية لدى المتعلم دون أن يطغى جانب على آخر.
كما تتسم الخطة الجيدة للأنشطة بالمرونة ومراعاة التكامل مع الخطة العامة للمدرسة، والخطط المدرسية الأخرى.
ولا ينبغي أن تغفل خطة الأنشطة المدرسية معايير النجاح ومستوى تحقق الأهداف المتوقع، ليتمكن القائمون على الأنشطة من تقويم الخطة في مراحلها المختلفة.
ومن الأهمية بمكان إشراك التلاميذ في مرحلة التخطيط للأنشطة المدرسية، بالقدر الذي يلبي حاجات التلميذ وبما يناسب مرحلته العمرية، وبذلك نربي أبناءنا على القيادة وحب العمل والتخطيط وتحمل المسؤولية.
وبعد بناء الخطة في صورتها النهائية من قبل فريق العمل، ترفع إلى إدارة المدرسة ، لدراستها بدقة، ومناقشتها، ومن ثم اعتمادها للتطبيق.
3- تقويم الأنشطة المدرسية لضمان التحسين المستمر:
تمر العمليات التربوية بثلاث مراحل مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً، وهي: التخطيط، والتنفيذ، والتقويم، ثم الاستفادة من نتائج التقويم في إعادة التخطيط، لتكتمل بذلك ما يعرف بدائرة الجودة (خطط،نفذ، راجع،حسّن) التي وضعها العالم والتر شيو ارت، كما هو في الشكل التالي:
وبذلك يعتبر التقويم من أهم عناصر دائرة الجودة، فهو يسبق العمل (كما في التقويم القبلي)، ويلازمه (كما في التقويم البنائي) ، ويستمر بعد نهايته ( كما في التقويم الختامي والبعدي).
ونشير هنا إلى إمكانية توظيف عدة أدوات وآليات في تقويم الأنشطة المدرسية، ومنها:
أ- الملاحظة: وتعرف الملاحظة بأنها طريقة لتجميع البيانات الأولية بتدوين الأحداث والتصرفات الحاصلة في موضوع معين. وهي واحدة من أكثر الطرق استخدامًا في التقويم ويمكن أن يستخدمها المعلمون لملاحظة أنشطة وأحداث معينة يؤديها التلميذ، وهي تتناول ما يقوم به التلاميذ فعلا، وليس ما يقولونه.
ويشترط أن تكون الملاحظة وفق بطاقة معدة مسبقًا، ترتبط عناصرها بأهداف النشاط المراد قياسه، لا سيما الأنشطة الأدائية؛ مثل الإلقاء والإنشاد الشعري والأداء اللغوي والمسرحي والإذاعي.
وينبغي أن تتسم بطاقة الملاحظة بعدة شروط منها : الوضوح والصدق والثبات، وللتحقُّق من صدق محتوى بطاقة الملاحظة يتم عرضها على مجموعة من المحكِّمين.
ب- فحص الوثائق والمستندات: يُعد تحليل الوثائق أحد الطرق المهمة للحصول على حقائق ومعلومات تتعلق بالأنشطة المدرسية، مثل سجلات الأنشطة، وسجلات المكتبة، وإنجازات التلاميذ ونتاجهم في الأنشطة المدرسية،كالمقالات والتعليقات على الصور…وغيرها.
كما يعين فحص الوثائق على فهم ما يدور في الميدان التربوي في مجال الأنشطة المدرسية، ويكشف مدى التزام القائمين على الأنشطة المدرسية بالخطة المرسومة، ومدى تفاعل التلاميذ مع الأنشطة، وذلك بالاطلاع على نماذج من التغذية الراجعة من التاميذ وأولياء أمورهم حول كل نشاط من الأنشطة المدرسية.
ج- الاستبانة (الاستمارة): وهي قائمة من الأسئلة تعد بشكل جيد لمعرفة آراء ومعتقدات واتجاهات الآخرين نحو موضوع معين،وتستخدم الاستبانة بهدف الحصول على معلومات تتعلق بوجهة نظر التلميذ الخاصة، أو رأيه تجاه الأنشطة المدرسية عمومًا أو نشاط مدرلسي معين، على أن تحليل بيانات الاستبانة وتفسيرها بدقة في ضوء الأهداف الذي صممت من أجله. وتكون نتائج الاستبانة مؤشرًا على اتجاهات التلاميذ وأولياء أمورهم تجاه الأنشطة المدرسية.
د- المقابلة: وهي محادثة تفاعلية بين القائم بالمقابلة والمستجيب، بغرض الحصول على معلومات معينة. ويمكن استخدامها في تقويم الأنشطة المدرسية، بهدف استطلاع آراء التلاميذ والمعلمين وأولياء الأمور حول الأنشطة المدرسية أو نشاط معين.
هذا بجانب العديد من أنواع القياس مثل السوسيومترية،أو ما يسمى بالقياس الاجتماعي، ومقاييس الاتجاهات والميول، وطريقة دراسة الحالة.