اخبار التعليم

سد الفجوة التكنولوجية في التعليم

ومن الواضح أن التكنولوجيا تفوز بالسباق بين الإنسان والآلة. إذ تؤثر الموجة الحالية من التغيير التكنولوجي على كل الصناعات، وتتطلب مهارات أكثر تطوراً وتنوعًا مما كان متوقعًا من العمال، قبل جيل واحد فقط. ونظراً لأن الطلب على العمالة عالية المهارة تفوق العرض، برزت نخبة عالمية من المهنيين ذوي التعليم العالي، والأجور العالية، ونمط حياة يزداد انعزالاً. والأسوأ من ذلك، أن غالبية الأطفال في سن الدراسة، لا يحصلون على التعليم الأساسي في البلدان النامية، وليس التعليم الجامعي في متناول الملايين حول العالم. ونحن نقدر أنه حتى عام 2040، لن يحصل سوى 25٪ من البالغين في العالم على مؤهلات، أو شهادات تعليم ثانوي، وأن نسبة أعلى، 27٪، لن تحصل على أي تعليم على الإطلاق، أو أنها ستحصل، في أحسن الأحوال، على تعليم أساسي غير كامل.

ومن المرجح أن يتعمق هذا الانقسام بين النخبة الغنية بالتعليم الحاصلة على شهادات جامعية، وبين من يعانون فقر التعليم، مما يزيد من التفاوتات داخل البلد. وعلى الصعيد العالمي، يمكن أن يزيد التعليم العالي من دخل الفرد بنسبة 16٪ في المتوسط، وبنسبة تصل إلى 27٪ في البلدان منخفضة الدخل. ولكن مع التقدم في الذكاء الاصطناعي، والتشغيل الآلي، فإن هذه الفجوة سوف تتسع أكثر، عن طريق تعزيز قدرات (أو «الذكاء المعزز»)، للقلة المتميزة التي لديها بالفعل المهارات اللازمة لاستخدام التقنيات الجديدة.

ولكن لا يجب أن يحدث هذا. إذ عن طريق وضع التكنولوجيا في خدمة التعليم، يمكننا وضع حد للتهميش اليوم. فمنذ عام 2012، أظهرت (دورة تدريبية ضخمة مفتوحة على الإنترنت)، والتي تطورت بوتيرة سريعة، أنه يمكن توفير تعليم عالي الجودة بتكلفة معقولة، وعلى نطاق واسع، للطلاب في جميع أنحاء العالم. لقد ساعدت منصات التعليم عبر الإنترنت، بالفعل، الملايين من الأشخاص على الاستعداد للالتحاق بالتعليم الجامعي، أو رفع مستوى مهاراتهم بأسعار أقل بكثير من المناهج التقليدية. فعلى سبيل المثال، سجلت منصة (إي دي إكس)، وهو مشروع تدعمه جامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وغيرها من المؤسسات الكبرى، 25 مليون شخص، من كل بلد في العالم، ومنح حتى الآن 1.6 مليون شهادة نجاح.

ويمكن أن تساعدنا التقنيات الرقمية في الوصول إلى جماهير جديدة، وإعادة تصور تقديم خدمات تعليمية. وعن طريق القيام باستثمارات كبيرة لتحسين الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية، والحصول على رسوم الدراسة، يمكننا توسيع الفرص المتاحة لمزيد من الشباب لمتابعة التعليم العالي، بغض النظر عن مكان وجودهم.

وفي المستقبل، ستضطلع التكنولوجيا الرقمية بدور حاسم في دعم التعليم العام المجاني، أو المنخفض التكلفة، عن طريق توفير برنامج ينقل المنخرطين إلى المستوى الجامعي للطلاب التقليديين، وغير التقليديين في البلدان المتقدمة، والنامية على حد سواء. وتُطور مؤسسات مثل جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة، نموذجاً جديداً للدورات التدريبية عبر الإنترنت. وبشراكة مع «إي دي إكس»، أنشأت ASU (إي إس يو)، أول برنامج من هذا النوع، لتقديم دورات في السنة الأولى من المستوى الجامعي، للحصول على شهادات التحصيل الدراسي. إن أكاديمية جلوبال فريشمان موجهة نحو كبار السن، الذين عادوا للحصول على درجة البكالوريوس، وكذلك للطلاب في سن المدرسة الثانوية، الذين يرغبون في التحضير للكلية، أو تخفيض تكلفة تعليمهم الجامعي.

ويجري الابتكار أيضًا على مستوى الدراسات العليا، حيث يمكن للمرء أن يجد برامج الماجستير عبر الإنترنت بأسعار تنافسية في مجالات متطورة مثل علوم البيانات، وعلوم الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي، وإدارة الأعمال. وتقدم الجامعات التي حصلت على أعلى تصنيف، مثل «جورجيا تيك»، وجامعة تكساس في أوستن، وجامعة كوينزلاند، وجامعة بوسطن، العديد من هذه الدورات بتكلفة تتراوح بين 20 و 25 في المائة فقط من دورة دراسية داخل الحرم الجامعي. وفي ضوء هذا التقدم، فإن الخطوة الطبيعية التالية هي تقديم شهادات عبر الإنترنت على المستوى الجامعي، مع تقسيم المناهج الدراسية الفرعية إلى برامج وشواهد قابلة للتكويم، وتعتمد نظام الوحدات، ليتمكن الطلاب من التعلم عند الطلب، وبتكلفة معقولة طوال حياتهم.

وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الفرص التعليمية التي يجب أن تتضمن التدريب، والتوجيه من شخص إلى شخص- وهي ما يسميها البعض دورات تكنولوجية عالية رفيعة – يجب أن تكون مصحوبة أيضًا بمزيد من الفرص لأداء العمل بأجور لائقة. ولكن بالإضافة إلى تغذية فرص عمل جديدة، نحتاج أيضًا إلى التأكد من أن التعليم الذي نقدمه مناسب تمامًا للوظائف المستقبلية، وأن تكون الشهادات المصاحبة إشارات فعالة لسوق العمل. ويعتقد فقط خُمس المستجيبين لاستطلاع الرأي، الذي أجرته مؤسسة «إي دي إكس» مؤخرًا، أن جل المعرفة التي اكتسبوها في تخصصهم الجامعي قابلة للترجمة إلى مجالهم الحالي. ولتفادي آثار نزوح العمال والتشغيل الآلي، يجب تطوير فرص التعلم الرقمي مع مراعاة قابلية التوظيف.

وتُظهر الشعبية المتزايدة للحلقات الدراسية المكثفة الترميزية، وبرامج الدوام الجزئي للشهادات الصغرى عبر الإنترنت بعد التخرج من الكلية، أن المزيد من الموظفين يحملون «مهارات إضافية» في أيديهم. وتزداد أيضًا الشهادات المتعلقة بالوظائف في البرامج عبر الإنترنت مثل «إي دي إكس»، حيث التحق أكثر من ثلاثة ملايين شخص في برامج مايكرو ماسترز المتعددة، منذ أن أطلق معهد ماساشوست للتكنولوجيا هذه الشهادة في «إي دي إكس» في عام 2015. ويمكن الحفاظ على هذا الزخم الذي يشمل الطبقات البسيطة من المجتمع، عن طريق الدعم المقدم من أصحاب العمل، الذين يجب أن يدركوا المزايا الواضحة للفرص التعليمية التي تستمر مدى الحياة لموظفيهم.

ولكن حان الوقت أن تستيقظ حكومات كثيرة مقصرة بهذا الصدد في عالمنا. إن عدم المساواة الناجم عن عدم الحصول على التعليم، هو ببساطة غير مستدام. وحان الوقت للاستفادة من التقنيات الرقمية لتحسين جاهزية الكلية، وتوسيع الفرص للطلاب، والعاملين في جميع مراحل حياتهم المهنية، وخاصة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة القنوات التعليمية التقليدية.

ويجب على المعنيين أن يروا الفجوة المتزايدة في المهارات، على أنها تهديد خطير للاستقرار الاجتماعي والسياسي، وكذلك للنمو الاقتصادي. وبالإضافة إلى الفجوة بين المهارات التي نملكها، والتي لا نملكها، هناك اختلال بين ما يتعلمه الناس وما يحتاجه أصحاب العمل. إن سد هذه الفجوات سيؤدي إلى فوائد للجميع، ويقربنا من تحقيق هدف التنمية المستدامة العالمي للتعليم. وبفضل قوة التكنولوجيا، يمكننا تقليل التباينات الاقتصادية الحالية، وأن نصبح الجيل الأول في التاريخ، الذي حول التعليم الشامل الذي يدوم مدى الحياة إلى حقيقة.

ـــ  رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً. ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي، ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم العالمي.

ـــ  أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والرئيس التنفيذي لشركة إي دي إكس، وهي منصة تعليمية غير هادفة للربح عبر الإنترنت أسستها هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

 

 

  • غوردون براون ــ أنانت أغاروال
إغلاق